تفسير قوله تعالى: قَالَ يَا قَوْم لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ

............................................................................... فقابلهم هود بهذا الرد الكريم اللطيف، والتأني الكريم والتؤدة العظيمة، و { قَالَ يَا قَوْم لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ } ليس بي شيء من طيش العقل ولا خفته، وإنما أنا راجح العقل ثابته، ثابت الحلم لست بطائش ولا خفيف { وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } { رَسُولٌ } مرسل إليكم { مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } . قد بينا فيما مضى أن الرسول "فعول" بمعنى مفعل، أي مرسل { مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أرسلني إليكم. وأن أصل الرسول مصدر سمي به، وإتيان المصدر على وزن "فعول" قليل جدا في العربية مسموع في أوزان قليلة؛ كالقبول والولوع والرسول. وأصل الرسول مصدر بمعنى الرسالة، وهو مشهور في كلام العرب. ومنه قول الشاعر: لقد كذب الواشون ما فهت عندهـم بقول ولا أرسلتهــم برســـول يعني ما أرسلتهم برسالة. وقول الآخر: ألا أبلغ بـني عمــرو رســولا بأني عــن فتوحـاتكم غــنـي أي "بني عمرو رسولا"؛ أي رسالة، وهذا معروف في كلام العرب. ومن فوائد كون الرسول أصله مصدر تحل إشكالات في القرآن؛ لأن العرب إذا نعتت بالمصدر ألزمته الإفراد والتذكير، وربما تناست المصدرية فيه، وعملت بالوصفية العارضة فجمعته وثنته؛ ولذا جاء الرسول مفردا في القرآن والمراد به اثنان، وجاء مفردا في كلام العرب والمراد به جمع نظرا إلى أن أصله مصدر. فإذا قال لك قائل: الله يقول: ... فنقلته من المصدرية فجعلته وصفا؛ ولأجل كون أصله مصدرا تطلقه العرب مفردا، وتريد به الجمع على عادة النعت بالمصادر، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي أبكي إليهـا وخــير الرســول أعلمهـم بنـواحـــي الخـــبر وقوله: "أعلمهم" رد الجمع على الرسول مفردا؛ نظرا إلى أن أصله مصدر، وهذا معنى قوله: { وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .