............................................................................... { فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ } . ذكرهم نبي الله هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، أمرهم أن يذكروا { آلَاءَ اللَّهِ } و { آلَاءَ اللَّهِ } نعمه المتواترة عليهم من الصحة والعافية وقوة الأبدان، وما يسر لهم من الأرزاق والرفاهية في الدنيا. والآلاء النعم، واحده "إِلًى" بكسر الهمزة وفتح اللام مقصورا كعنب وأعناب، ويقال فيه: إلو، وألو، وآلاء، وأكثرها في مفرد الآلاء "إلى" بكسر ففتح، والمراد به النعمة، والآلاء النعم. { فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ } ؛ أي تذكروا نعم الله الكثيرة التي لا تحصى التي أنعمها عليكم ذكرا يحملكم على طاعة الله وتصديق رسوله وعبادته وحده، وترك عبادة الأصنام { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون } والآية تدل على أن من تذكر نعم الله عليه ذكرا يحمله على شكر تلك النعمة، والخضوع لله، والإنابة إليه بطاعته أنه يفلح. ولذا رتب على قوله: { فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ } قال: { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون } فإنكم إن ذكرتم { آلَاءَ اللَّهِ } يرجى لكم الفلاح بناء على أن "لعل" على بابها من الترجي بحسب ما يظهر لهود عليه الصلاة والسلام، وعلى أنها حرف تعليل، والمعنى: اذكروا نعمة الله لأجل أن تفلحوا. وقد بينا مرارا أن العرب تقول: أفلح الرجل يفلح فلاحا، والفلاح اسم المصدر، والقياس في مصدرها إفلاحا، لأن المقرر في فن التصريف أن كل ماض جاء على وزن "أفعل" فالقياس في مصدره أن يكون إفعالا ما لم يكن معتل العين، فإن كان معتل العين سقطت العين بالاعتلال، وعوضت منها التاء على الرواية الكثيرة الفصيحة كما هو معروف في علم العربية موضح في فن التصريف. فالفلاح اسم مصدر. والفلاح في لغة العرب يطلق على معنيين كما بيناه مرارا، يطلق الفلاح في لغة العرب على الفوز بالمطلوب الأكبر، تقول العرب: أفلح فلان إذا فاز بأعظم مطلوب كان يطلبه فمن نال رغبته، وحصل مطلوبه تقول له العرب: أفلح. وهو معنى معروف في كلام العرب، منه قول لبيد بن ربيعة فاعقلـي إن كنـت لمــا تعقلــي ولقـد أفلــح مــن كـان عقـلْ يعني من أعطاه الله نور العقل فاز بالمطلوب الأكبر، لأن العقل يعقله عما لا ينبغي، ويميز به بين الحسن والقبيح، والنافع والضار، والحق والباطل. ويطلق الفلاح في لغة العرب أيضا على البقاء السرمدي الدائم في النعيم، تقول العرب: أفلح فلان إذا كان باقيا في نعيم سرمدي، وهذا معروف في كلام العرب. ومنه قوله لبيد بن ربيعة أيضا في رجزه: لـو أن حيــا مــدرك الفــلاح لنالــه ملاعـــب الـرمـــاح فقوله: "مدرك الفلاح"؛ أي مدرك البقاء في الدنيا بلا موت. ومنه في هذا المعنى قول كعب بن زهير أو الأضبط بن قريع في الشعر المشهور: لكـل هـم من الهمـوم ســعة والمسي والصبح لا فــلاح معــه يعني أنه لا بقاء في الدنيا مع تخالف الإمساء والإصباح. وبهذين المعنيين الذين هما البقاء السرمدي في النعيم، والفوز بالمطلوب الأكبر. بكل واحد منهما جاء تفسير حديث الأذان والإقامة، بقوله: "حي على الفلاح"، فقال بعض العلماء: "حي على الفلاح" هلم إلى الفوز بالمطلوب الأكبر، وهو الجنة ورضا الله؛ لأن أعظم أسباب ذلك الصلاة. القول الثاني: "حي على الفلاح" هلم إلى البقاء السرمدي في جنات النعيم؛ لأن أكبر أسباب ذلك الصلاة كما هو معروف في تفسير حديث الأذان والإقامة، وهذا معنى قوله: { فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون } هذه عادة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بعظم التذكير، وشدة النصح، ولطافة الأسلوب، والاجتهاد في هدى قومهم، ولكن الهدى بيد الله، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا. |