............................................................................... { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي وقلنا لهم: { كُلُوا } هذا أمر إباحة. وفيه ثلاثة أفعال في اللغة العربية مبدوءة بالهمزة يجوز حذف همزتها في الأمر، ولا نظير لها وهي "أخذ وأمر وأكل". نقول في الأمر منها: "خذ، مر، كل" بقياس مطرد. إلا أن أمر إذا كان قبلها واو قبل الهمزة واو أو فاء كان إثبات الهمزة في الأمر أفصح، ومنه قوله: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ } فإن لم يكن قبلها واو ولا فاء فإسقاط الهمزة في الأمر أفصح؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - { مرهم بالصلاة لسبع } { مره فليراجعها } ونحو ذلك. وهذا معنى قوله: { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } كهذا الطائر الذي هو السمانى، وهذه الفاكهة العظيمة التي هي { الْمَنَّ } أو غير ذلك على أنه أعم من الطرنجبين. والطيب هنا شامل طيب الإباحة، وطيب اللذاذة؛ لأن الطيب يطلق إطلاقين. يطلق طيبا من جهة الإباحة وعدم الشبهة، ويطلق طيبا من جهة اللذاذة وحسن المأكل، وهو جامع لهما هنا في قوله: { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } . فهؤلاء اليهود لما أنعم الله عليهم هذه النعم وخالفوا، ادخروا من { الْمَنَّ وَالسَّلْوَى } و هم منهيون عن الادخار. وسيأتي ما بدلوا من القول والفعل ما سلط الله عليهم بسببه من العذاب. قال الله إن مخالفاتهم عند الإنعام عليهم، ومقابلاتهم إنعام الله بمعاصيه أنهم ما ظلموا الله في ذلك، وما ظلموا إلا أنفسهم؛ أي { وَمَا ظَلَمُونَا } ؛ بمقابلتهم إنعامنا بالمعاصي، { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } . قوله: { وَمَا ظَلَمُونَا } ؛ هو نص صريح على أن نفى الفعل لا يدل على إمكانه؛ لأن الله نفى ظلمهم له، ونفيه جل وعلا ظلمهم له لا يدل على إمكان ذلك. سبحانه عن ذلك علوا كبيرا. { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } قدم المفعول لأجل الاختصاص أي لا يظلمون بذلك إلا أنفسهم. ونرجو الله جل وعلا أن يوفقنا لما يرضيه، وأن يرفق بنا فلا نظلم أنفسنا ولا نظلم أحدا. اللهم وفقنا حتى لا نظلم أنفسنا، ولا نظلم أحدا من خلقك. ربنا آتنا في الدنيا.... |