ولا شك أن اعتبار المسلم بهذه القصة، وبسائر القصص التي تذكر في القرآن هو أمر مطلوب؛ مطلوب من كل من قرأ قصة من القصص السابقة كقصص الأنبياء الذين ذكروا في القرآن؛ فإن ذلك من واجب كل مسلم؛ أن يعتبر بما أخبر الله به، وأن يأخذ موعظة وذكرى من هذه القصص. الله تعالى ما يقصها علينا إلا لنعتبر بها، ونتذكر أن قبلنا أمما أتى عليهم فتن، وأتى عليهم محن، وأنهم كانوا يؤذون من آمن منهم ووحد الله، وخالف دينهم؛ كما حصل في الذين آمنوا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أنهم آمنوا، وخالفوا ما كانوا عليه عذبوهم وآذوهم، وضربوهم ضربا شديدا، مما اضطر المؤمنين بمكة إلى الهرب، حيث هاجروا إلى الحبشة ثم هاجروا إلى المدينة وتركوا بلادهم وأهليهم وأولادهم وأموالهم وما يملكونه. فهكذا في هذه القصة يظهر أنهم كانوا يعذبونهم، ولهذا قالوا: { إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ } ؛ فهذه سنة الله؛ أنه يسلط على أوليائه أعداءه؛ حتى يفتتنوا بذلك، ولعل الحكمة في ذلك الاختبار لقوة الإيمان أو ضعفه؛ فإن الصحابة الذين عذبوا لما كان الإيمان قويا في أنفسهم لم يتزعزعوا، ولم يرجعوا عن دينهم. صبروا على الأذى، وصبروا على الفتنة والضرب والإيلام، وصبروا على كثير من الأذى؛ الذي لاقوه من آثار قومهم، ولم يزدهم ذلك إلا تصلبا؛ فهؤلاء الفتية خافوا من عذاب شديد يصل إلى الرجم، قالوا: يرجموكم. أي: يقذفوكم بحجارة إلى أن تموتوا، وتعذبوا بأيديهم؛ فاهربوا وأخفوا أنفسكم حتى لا يرجموكم، أو يفتنوكم ويلجئوكم إلى أن تقعوا فيما وقعوا فيه، وتشركوا بالله ربكم؛ فنقول: إن الواجب على من أوذي واضطهد، وأضر به وضرب على أن يقول كلمة الكفر أن لا يقولها؛ لكن إذا رأى أنه إذا قالها وقلبه مطمئن بالإيمان، وكان مكرَها؛ فإن ذلك لا يضره، لقول الله تعالى: { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } ولكن الصبر، والتحمل أولى. فهذه خلاصة هذه القصة، وقراءتها في الكتب، التي تورد القصص الإسرائيلية طويلة وطويلة، فلا حاجة لنا إلا إلى معرفة ما يؤخذ من ألفاظ الآيات. نكتفي بهذا، وغدا إن شاء الله نقرأ قصة أهل الجنتين يعني: صاحب الجنتين، وما حصل له، والله أعلم. وصلى الله على محمد . |