فعند ذلك قال لموسى { إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } أي: لا تقدر أن تصبر على ما تراه من التصرفات، التصرفات التي تكون مخالفة لما هو ظاهر، إذا كان ذلك التصرف منكرا ظاهرا يستنكر في كل النفوس، ولكن للخضر عذر في هذه التصرفات، فلذلك عرف بأن موسى لا يصبر على ما يراه. فعند ذلك قال موسى { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } هكذا وعده بأنه يصبر، ولكن يكون ذلك بمشيئة الله، رد الأمر إلى مشيئة ربه لأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ما جزم وقال: سوف أصبر، بل قال: إن شاء الله { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } أي: أصبر وأتحمل ما آراه، وما أنكره في الظاهر. { وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا } هكذا أيضا اعترف بأنه يطيع الخضر ولا يعصيه، إذا قال له افعل كذا وكذا. فعند ذلك قال له وأرشده الخضر وقال: { فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } إذا اتبعتني، وفعلتُ شيئا، ورأيتَ شيئا مخالفا لما هو عليه الواقع، أو لما هو معروف عندك؛ فإياك أن تنكر، وإياك أن ترد هذا الأمر، وتقول: هذا منكر، أو هذا خلاف ما يعرفه ذوو الأفهام. اصبر، وتحمل، ولا تعجل بالإنكار، { حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا } حتى أخبرك بالسبب الذي فعلتُ له ذلك الشيء، هكذا أمره، ولكن حكى الله تعالى عن موسى أنه لم يصبر على ما رآه مما هو خلاف لما يعلمه، ولِمَا ظهر له. |