كذلك –أيضا- من نعم الله سبحانه علينا: نعمة الأمن ؛ الذي حظيت به هذه الدولة، وهذه البلاد الإسلامية. لا شك أنها من أكبر النعم، آباؤنا وأجدادنا يحدثوننا بما يكون بينهم؛ بحيث أن أحدهم إذا سافر يوما على قدميه أو على بعيره جاءه من يسلبه، ومن يختطف ما معه، ومن يغتصب قوته ونفقته التي معه، يأخذونها منه بالغلبة، فيرجعوا وقد يأخذون راحلته حمارا يركبه أو بعيرا يعتقبون عليه، فيأخذونه ويرجع إلى أهله حافياً راجلاً لا شك أن هذا من أسباب الفوضى، وكذلك عدم الإيمان، وعدم الأمن. كذلك الكثير.. والكثير -كما تذكرون أو يذكر لكم- ليس لهم رادع يردعهم، يعني: أن يسلبون المسلم حقه، تقع الفتن بين القبائل، كل يتعصب لقبيلته، ويأخذ القوي من هو أضعف منه، كل ذلك بسبب عدم ولاية تسيطر عليهم، وعدم خوف يردعهم، وعدم إيمان يوقفهم عند حدودهم، فإذا قوي الإيمان، وقوي التوحيد؛ فإن ذلك يكون من أسباب الاستقامة، ومن أسباب الطمأنينة، وقع ذلك في العهد النبوي، وأخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبر بأنه ستمشي الظعينة من حضرموت حتى تطوف بـ البيت لا تخاف إلا الله، ووقع ذلك في عهد الخلفاء الراشدين، وفي عهد الصحابة، أمن الناس. فكذلك –أيضا- في هذه الدولة ذكر بعض المؤرخين في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود -رحمه الله- أن المسافر يسافر -مثلا- على بعيره يحمل عليه حملاً من البر –مثلا- أو من البن أو نحوه، فإذا عجز البعير وأعيا عن حمله ألقى حمله على الطريق، وساق بعيره إلى بلده مسيرة عشرين يوما أو نصف شهر، ثم رجع إلى متاعه وإلى حمله الذي ألقاه على الطريق وإذا هو في مكانه لا يتعرض له أحد، كل من مر به ورآه ملقى قال: هذا مال المسلم لا نتعرض له؛ وإن كان لا يرانا فالله تعالى هو الذي يرانا، أمنت البلاد، والأمن الذي حصل هو بسبب الإيمان؛ لما أنهم استحضروا أن الله تعالى يراهم، وأنه حرم بعض أموالهم على بعض كما أخبر بذلك بقوله: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } فقالوا: لا نتجرأ أن نأخذ مال أخينا المسلم؛ ولو أنه تركه يمكن أنه يرجع إليه، يرجع إليه بعد أيام فيأخذه، فيرجع إليه بعد شهر أو نحوه ويجده في مكانه، هذا من الأمن الذي امتلأت به القلوب. لا شك أن هذا من أكبر النعم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- { نعمتان مجحودتان: الصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان } يعني: كثيرا من الناس لا يعرف قدر هذه النعمة، ولا يفكر في مآلها، يجحدونها بمعنى: أنهم لا ينتبهون لفضلها. فنعمة الأمن من أكبر النعم، وقد وعد الله تعالى به أهل الإيمان والعمل الصالح؛ الذين يحكمون شرع الله، قال الله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } فهكذا لما أنهم آمنوا وعملوا الصالحات حقق الله تعالى لهم وعدهم، وليس أنهم بكثرة جنودهم، وليس أنهم بكثرة قواتهم وأسلحتهم، وليس أنهم بكثرة أعتادهم وعددهم؛ ولكن آمنهم بالإيمان الذي ملأ القلوب؛ قلوب خاصهم وعامهم، لما أنهم امتلأت قلوبهم بمخافة الله؛ امتلأت قلوبهم بالإيمان بالله، علموا أن ربهم -سبحانه وتعالى- هو الذي يراهم، فيقول أحدهم: كيف أتعرض لهؤلاء المسلمين والله يرانا؟! كيف نتعرض لهؤلاء المسلمين ولأخذ أموالهم والله قد حرم ذلك علينا؟! الله تعالى يقول: { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } يعني: لا يقتل بعضكم بعضا، فنؤمن بآيات الله وبأمره، فالله تعالى يقول: { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ } والله تعالى ذم اليهود في قوله تعالى: { وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ } فإذا كان الله ذمهم فإذا فعلنا أفعالهم فإن ذلك يلحقنا مثل ما يلحقهم، يلحقنا العيب، ويلحقنا الإثم الذي توعدهم الله تعالى به. لا شك أن هذا كله مما من الله به لما امتلأت القلوب. لذلك نقول: إن سبب الأمان هو امتلاء القلوب بالإيمان فنتواصى ونوصي بعضنا بعضا بأن نحقق الإيمان بالله، والإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، والإيمان بالبعث بعد الموت، وبالجنة والنار، والإيمان بأن الله تعالى يرانا، ويطلع علينا، ولا يخفى عليه شيء من أحوالنا، إذا غاب عنا من يراقبنا من بني آدم نستحضر أن ربنا لا يغيب عنه شيء، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء فهذا هو سبب الأمن. |