وقال رحمه الله: باب: "فضل من مات له ولد فاحتسب". قول الله عز وجل: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } . حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه– قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: { ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحنث، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم } . وحدثنا مسلم حدثنا شعبة حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني عن ذكوان عن أبي سعيد رضي الله عنه: { أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم اجعل لنا يوما، فوعظهن وقال: أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجابا من النار، قالت امرأة: واثنان. قال: واثنان } . وقال شَرَيك عن ابن الأصبهاني حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو هريرة (لم يبلغوا الحنث). وحدثنا علي حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: { لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار، إلا تحلة القسم } . قال أبو عبد الله { وإن منكم إلا واردها } . في هذه الأحاديث فضل الصبر عند موت الأولاد، بل الصبر عند المصيبة عموما، فالآية عامة، وهي قوله تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } عام فيمن أصابته مصيبة بموت أبيه، أو ابنه، أو أخيه، أو ابن أخيه، أو أخته، أو أمه، أو أحد قراباته، فإذا صبر واسترجع فإن الله تعالى يثيبه بما ذكر في هذه الآية. الصبر: حبس النفس عن الجزع ، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعوى الجاهلية، التي كان يفعلها أهل الجاهلية، فإذا صبر فلم يجزع، وتجنب النياحة والصياح والندب، وكذلك صان لسانه، واسترجع قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها. ورضي بما قدر الله تعالى له، واستسلم لأمر الله، فإن الله يثيبه بهذا الثواب. من المصائب فقد الأولاد الصغار ، والعادة أن الحزن عليهم يكون شديدا، إذا فقدهم الأب وهم صغار، أو الأم قبل أن يبلغوا الحنث، أي: قبل البلوغ، فإن الرحمة لهم أقوى، العادة أن الرحمة التي في قلوب الأبوين تكون أقوى في حق الصغير الذي دون البلوغ؛ لأنه بعد البلوغ عادة ينفرد بنفسه، ويذهب يطلب مصلحة نفسه، وأما في حالة الصغر فإن القلوب تتعلق بهم، والرحمة تمتلئ في القلوب لهم، فإذا أصيب أحد الوالدين بفقد هذا الصغير فصبر واحتسب فأجره على الله. ورد في تفسير قول الله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ } أن بعضهم فسر الثمرات بأنهم الأولاد، وأن { الله تعالى يقول للملائكة: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، يقول وهو أعلم: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول: ابنوا له بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد } أي: الصبر والحمد. في هذه الأحاديث أن { من مات له ثلاثة من الولد } من ذكور أو إناث، { لم يبلغوا الحنث } أي: ماتوا وهم صغار، فإن الله تعالى ينقذه بهم من النار إذا صبر واحتسب واسترجع، وحمد الله على هذه المصيبة، واحتسب أجرها عند الله تعالى، ولم يتشك ولم ينح، ولم يستعمل ما نهي عنه من قوله صلى الله عليه وسلم: { ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية } فإذ صبر، واحتسب على موت أولاده الذين دون البلوغ، فإن الله تعالى يكتب له بهم الجنة، وفي رواية أنهم يثقلون ميزانه، وأنهم يشفعون له. ولهذا في الصلاة على الصغير، يقول المصلي في الدعاء له: اللهم اجعله زخرا لوالديه، وفرطا وأجرا، وشفيعا مجابا، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم. هذه الأدعية مأخوذة من أحاديث مجموعة، وفيها أنه شفيع مجاب، وأنه فرط، والفرط هو: الذي يتقدم أهله؛ ليصلح لهم المورد، عادة العرب إذا وردوا على الماء أرسلوا فرطا، وقالوا: أصلح لنا المورد، يعني: يركب البكرة والدلو، ويغسل الحوض، ويملأه ماء؛ حتى إذا جاءوا وجدوا كل شيء مهيأ، فيسمى هذا فرطا، فمعناه: أن هذا الطفل يتقدم بين يدي أبويه؛ ليصلح لهما المورد، أي: مدخل الجنة. فإذا صبروا واحتسبوا، وآمنوا بقضاء الله وقدره، وكانوا عارفين بأن ما أصابهم فهو من الله تعالى، وأنه يدخر لهم به أجر عند الله تعالى، فلهم والحال هذه الأجر الكبير، أنهم لا يدخلون النار إلا تحلة القسم، يعني: قول الله تعالى: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا } ثم قال: { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } فهذا في حق المؤمنين، أما أولاد الكفار فإنهم لا يشفعون لآبائهم؛ لأنهم ماتوا على الكفر. أسـئلة س: فضيلة الشيخ، قولك .... هكذا لأن العادة أن الصغار تتعلق بهم القلوب أكثر، فلذلك ذكر أنهم خاص بالصغار، لا شك أيضا أن الكبار لهم وضع، ولهم تأثير إذا ماتوا وهم كبار، فكذلك أيضا يكون هناك الحزن، ويكون هناك الأسى، ومع ذلك إذا صبر واحتسب فله الأجر، صغيرا كان الولد أو كبيرا. س: يعني: يقال: إن الأجر هذا خاص بالصغار في السن؟ نعم الأجر الذي ذكر في هذه الأحاديث: { أنه لا تمسه النار إلا تحلة القسم } في حق الصغار، ورد في رواية حديث النساء، قالت امرأة: واثنان، فقال: واثنان، يعني: إذا مات لها اثنان صغيران ذكورا أو إناثا، فصبرت واحتسبت فلها الأجر. س: هل يعتبر له إذا نزل ميتا؟ إذا سقط ميتا، يعني: قبل أن يتم تخليقه، أي: قبل الأربعة الأشهر، فمثل هذا ليس له حكم الأحياء، ولهذا ما ذكروا أنه يصلى عليه، وأما إذا تم الأربعة الأشهر ودخل في الخامس فإنه والحال هذه قد نفخ فيه الروح، فلأجل ذلك لا بد أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن. وورد في حديث عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم– قال: { سموا أسقاطكم، فإنهم شفعاؤكم } فإذا سقط بعد الأربعة الأشهر فإنه يسمى، فإن لم يتبين هل هو ذكر، أم أنثى؟ سمي باسم يصلح للذكر والأنثى، كأن يسمى مثلا: طلحة، أو سمرة، أو علقمة، أو عقبة، يصلح للذكور والإناث، ويغسل ويصلى عليه، ويرجى أن يكون شفيعا لأبويه، { سموا أسقاطكم، فإنهم شفعاؤكم } . |