ولكن هناك ما يعوق الكثيرين من العوائق الضارة التي يشغلون بها أوقاتهم، فيفوتهم خير كثير، حيث إنهم شغلوا أوقاتهم فيما لا ينفعهم، أو فيما هو ضرر محض، فمن ذلك أن الكثير يقطعون مجالسهم في قيل وقال، وفي كلام في أشخاص مخصصين أو عموميين، فيذهب الوقت بغير فائدة، ولو صرفوا هذا الوقت في قراءة القرآن، أو في قراءة كتب من كتب أهل العلم، لاستفادوا بذلك، ولتعلموا وازدادوا علما ومعرفة. ومن ذلك أن الكثير يشغلون أوقاتهم في سماع أخبار لا فائدة فيها: إما من المشافهة، وإما من الإذاعات ونحوها، الإذاعات المرئية والمسموعة ونحوها، لا شك أن الإكباب على ذلك كله وترك التعلم والاستفادة ولو وجد فيها شيء من المعلومات التي هي قليلة بالنسبة إلى ما فيها من إضاعة الوقت، فالإقبال عليها كليا لا شك أنه يفوت ما هو خير من ذلك وأفود. ومن ذلك ما يقام في كثير من الأحياء من المباريات والألعاب، التي يزعمون أنها ترفه وتنشط وتفيد، نحن لا نذمها، ولكن نقول: إن كثرة الإقبال عليها والنظر إليها سواء في الأفلام أو حضورها، وإضاعة الوقت في النظر إليها، لا شك أنه مضيعة للوقت، وأنه يفوت على الإنسان خيرا كثيرا. فلو صرف وقته هذا في قراءة القرآن، وفي حفظه، وفي قراءة التفسير، وفي تعلم ما ينفعه، وفي قراءة الكتب النافعة من كتب حديث أو فقه أو عقيدة، أو ما أشبه ذلك؛ لاستفاد من ذلك خيرا كثيرا، ولكن همم كثير من الناس انصرفت إلى ما هو باطل، وزهدت فيما هو حق. ولكن لا نقول: إن هذا عام، بل هناك -إن شاء الله- نخبة صالحة ممن أراد الله بهم خيرا، ممن وفقهم الله وبصرهم، ورزقهم معرفة بما يجب لهم وما يجب عليهم، هؤلاء هم الذين نعتقد أنهم خلاصة الله تعالى من خلقه، وأنهم خيرة شبابنا وخيرة الصالحين من عباد الله في هذه البلاد، فنحثهم ونوصيهم بأن يجدوا ويجتهدوا في تعلم ما ينفعهم، ويحفظوا بذلك أوقاتهم وأزمانهم؛ حتى يستفيدوا لأنفسهم ويفيدوا غيرهم، وذلك لأنه قد يأتي زمان يحتاجون فيه إلى أنفسهم، ويحتاج إليهم غيرهم من أولئك المعرضين الجاهلين. هذا ولا شك أن موضوع التعلم والتعليم وفضل العلم وحملة العلماء موضوع له أطراف واسعة، وإنما ألممنا به إلماما، ونقصد بذلك -كما هو معلوم- علم الشريعة، الذي هو ميراث الأنبياء، فالذي يهتم به ويتعلم منه ما ينفعه هو الذي -إن شاء الله- سيكون مرجعا لغيره، ومحلا للاستفادة منه، فينفع نفسه وينفع إخوته المسلمين. نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا، وأن يرزقنا علما ينفعنا، ونعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن عين لا تدمع. ونسأله سبحانه أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله منتكسا علينا فنضل، ونسأله سبحانه أن يأخذ بأيدينا إلى الحق، وأن يعصمنا من الشيطان وزلـله، وزلل القول والعمل. وأن يرزقنا التمسك بالحق، والسير على الصراط السوي، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد . أسئـلة جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء على هذه الكلمة القيمة، وما تبقى من الوقت نبقيه مع بعض الأسئلة التي وردتنا منكم، علما بأن الأسئلة كثيرة، وربما لا يتسع الوقت للإجابة عليها جميعا، ولكن الأسئلة على نوعين: فهناك بعض الأسئلة متعلقة بالموضوع، وهناك أسئلة خارج الموضوع، وسنحاول أن نجيب على ما نستطيع منها جميعا، وبعض الأسئلة متشابهة فتدمج ويكتفى بسؤال واحد عن الأسئلة المشابهة لها، أول هذه الأسئلة يقول: س: بسم الله الرحمن الرحيم، من علامات خروج الساعة الدخان، فمن أين يخرج الدخان ؟ ويقال: إن الدخان يخرج من بئر في اليمن فهل هذا صحيح؟ أرشدنا -رحمك الله-؟ قول الله تعالى: { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } ذهب بعض الصحابة إلى أن هذا قد حصل وقد مضى، كابن مسعود وقال: إن هذا كان في مكة عندما أصاب أهل مكة جوع وجهد شديد، وأصابهم قحط وجدب، أظلمت عليهم الأرض حتى أن أحدهم إذا نظر إلى السماء كأن بينه وبينها دخان، فجعلوا الدخان آية قد وقعت ومضت، هذا مذهب ابن مسعود ولكن رجح ابن كثير في تفسير الآية في سورة الدخان، أن الدخان من آيات الساعة من أشراط الساعة، وأنه يأتي قبل يوم القيامة، أي: قبيل النفخ في الصور. وأما صفته فهو بلا شك مثلما قال الله: { بِدُخَانٍ مُبِينٍ } ومعلوم أن الدخان هو دخان النار الذي يتصاعد منها عندما تنطفئ أو نحو ذلك، يكون لها دخان يعمد، أو يكون كالعمد في جهة السماء. فأما مخرجه فيظهر أنه يخرج من أماكن كثيرة حتى يعم الأرض، ويكون قد عم الأرض، ويظهر أيضا أنه لا يطول زمانه، بل يمكث إلى أن يرى في كل أطراف البلاد، ثم بعد ذلك يأتي آية من الآيات غيره، ومن أراد الأدلة على ذلك والأحاديث الواردة في ذلك فليقرأ تفسير ابن كثير على هذه الآية من سورة الدخان. س: وهذا سائل يقول: هل أصحاب العلم المادي يدخلون في الآية { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } ؟ وكذلك هل يدخل من طلب ذلك العلم في فضل طلب العلم؟ العلم المادي قد يكون واجبا وجوبا كفائيا، وقد يكون واجبا عينيا، ولا شك أن الإنسان بحاجة إلى أن يتعلم من أموره أمور حياته ما تقوم به حياته، فإذا كان ذلك من الواجبات العينية فإنه يثاب عليه، فلو لم يكن إلا المعاملة معاملة الناس كيف يعاملهم؟ فإن هذا أيضا من العلوم الأدبية، كيف يتعامل مع الناس في مجالسته وفي دخوله وفي خروجه وفي استئذانه، وفي نومه ويقظته، ولبسه وخلعه، وأكله وشربه، وقضاء حاجته؟ وما أشبه ذلك، هذه من العلوم المادية. وأما العلوم الدنيوية التي هي: علم كسب المال، فإذا كانت بقدر الحاجة الضرورية فإنها من العلم النافع، كعلمه كيف يعرف كسب المال الحلال؟ ما هو المال الحلال؟ وما هو الحرام؟ وطرق الكسب من البيع مثلا، أو الاحتراز، أو الاستئجار، أو استغلال ما فيه غلة، أو نحو ذلك. فإذا كانوا بحاجة إلى مثل ذلك فإنه من العلم الذي كلف به، وأما الفضل والزيادة على ذلك على قدر الحاجة فإنه لا يدخل في الآية. وبكل حال فالعلوم الكثيرة التي هي علوم الحرف، يهم الإنسان أن يتعلم منها ما يقوم بكفايته، فإن كان مثلا تاجرا تعلم من التجارة ما يصح به كسبه ولا يقع في الحرام، واقتصر من ذلك على ما تقوم به كفايته، وإن كان محترفا في حرفة خاصة حتى ولو حرفة خرازة أو دباغة أو خياطة أو بناء، أو نحو ذلك من الحرف، تعلمها بقدر ما تتم بها حاجته. وهكذا الحرف الجديدة المستجدة: كهندسة، وكهرباء، وما أشبه ذلك، يتعلمها وقت الحاجة حتى ينفع نفسه، وينفع بني جنسه، ولا يدخل ذلك فيما هو شاغل وملهي؛ لأن معرفة ذلك ينتفع بها الناس عند الحاجة ويرجعون إليه، ولكن على كل حال الأدلة التي وردت في مدح العلم إنما هو العلم الذي قال فيه النبي -عليه السلام- { الأنبياء إنما ورثوا العلم، لم يورثوا دينارا ولا درهما } فالعلم النافع هو: ميراث الأنبياء. س: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فضيلة الشيخ: ما حكم طواف الوداع في العمرة علما أنني خرجت من مكة بدون طواف الوداع؛ حيث قال لي أحد الإخوة أنه لا يجب طواف الوداع؟ فيه خلاف بين العلماء، حيث ذهب بعضهم إلى أنه واجب كالوداع للحج، والأكثرون على أنه غير واجب كما لم يعدوه من الواجبات في العمرة في أكثر مؤلفات أهل العلم. فنقول: إذا تمتعت وطفت للعمرة ثم سعيت سعي العمرة وخرجت في يومك فلا حاجة إلى وداع، لأن ذلك حسن، وهو كون آخر عهدك بالبيت. وأما إذا أقمت نهارا أو ليلا كاملا أو أياما؛ فإنه يستحب أو يتأكد في حقك الوداع خروجا من الخلاف، فإذا وقع أنك لم توادع فعمرتك صحيحة -إن شاء الله- وليس عليك شيء من الفدية ونحوها، هذا بالنسبة إلى العمرة؛ وذلك تنزلا على أخذ الرخصة من المذهب الذي يقول إنها ليست بعمرة، وإنها ليس للعمرة الوداع، والأدلة وتفصيلها مذكورة في كتب الفقه. س: سائل يقول: ما حكم أكل الذبائح التي ذبحها مسلم، ونسي أن يسمي، ويذكر الله عند الذبح ؟ الصحيح -إن شاء الله- أنها مباحة، فإن المسلم معه اسم الله، ولو سمى لما سمى إلا بالله، ولو ذكر غير اسم الله، قد حكى ابن جرير إجماع العلماء على أن المسلم إذا نسي التسمية أن ذبيحته مباحة حلال، هكذا رجح ابن جرير وتبعه ابن كثير وفي المسألة كلام طويل، نحيل القارئ على قول الله تعالى في سورة الأنعام: { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } في تفسير ابن كثير فإنه قد ذكر الأقوال في ذلك وأدلتها، وزعم أيضا أنه قد اختصر في هذا المكان، وأنه قد أفرد المسألة بالتأليف. س: سائل يقول: أنا سأختم القرآن بعد فترة قليلة، وأريد أن أطلب العلم، وحضور بعض الدروس، فماذا تنصحوننا لكوني أريد أن أبدأ من البداية؟ أيّ الدروس أحضرها؟ وكيف أوفق بين طلب العلم، ودراستنا في الجامعة، والدعوة إلى الله؟ أولا: هنيئا لك في حفظ القرآن ما أعظمها من فائدة، فننصحك بأن تكرر، وتكثر من ترداد حفظك الذي حفظته وهو القرآن؛ حتى لا يذهب من ذاكرتك، قد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- { تعاهدوا هذا القرآن فوالله لهو أشهد تفصيا أو تفلتا من صدور الرجال من الإبل في عقولها } فأمرنا بأن نكرره، ونتعاهده. فعليك أن تكرره، ولو أن تختمه كل يوم أو كل يومين أو على الأكثر كل أسبوع؛ حتى يرسخ في ذاكرتك، ثانيا: لا نحرمك من بقية الأعمال كلها، فتستطيع أن تجمع بينها، تستطيع أن تقوم بالدعوة إلى الله، وذلك بمزاولة التذكير والنصح بعد الصلوات مثلا، أو في بعد الجمع، أو تتولى الخطابة في بعض الأحيان في بعض الجوامع التي تستطيع الخطابة فيها ونحو ذلك، فتقوم بحظ، ولا يشغل وقتا كبيرا، يعني: ساعة كل يوم، أو ساعتين كل أسبوع، تجعلها في مجال الدعوة إلى الله، وذلك خير كثير. وثانيا: مجال التعلم تجعل لها حظا أكبر، فمجاله منه أن تجعل لك وقتا تطالع فيه في بيتك المهم من المسائل، مبتدئا بكتب العقيدة من أولها، ثم بعد ذلك كتب الفقه من أولها، أما كتب التفسير وكتب الحديث فيصلح أن تبتدئ من أولها، أو من وسطها؛ وذلك لأنها غالبا غير مرتبة، ولأن من قرأها استفاد من أية موضع حصل عليه. ثانيا: من المجالات أيضا أن تجالس العلماء الذين لهم حلقات في العلم وتستفيد، ولو حضرت العلم من وسطه، فلك بذلك فائدة، ولا تقل: إنني لم أبتديء، هذا إذا كان معك مبادئ، إذا كنت مثلا قد عرفت مبادئ ذلك في دراستك النظامية، قد عرفت مبادئ النحو واللغة، ومعاني الكلمات الغريبة، درستها أونحو ذلك، فلا تحرم نفسك أن تجلس في حلقات العلماء، ولو أن التلاميذ قد سبقوك بما سبقوك به، ففي ذلك فائدة، لا شك أنك إن وجدت أهل فن قد ابتدءوا من أوله وانتظمت معهم فهو أفضل، إذا وجدت مثلا أناسا قد ابتدءوا كتاب التفسير من أوله وانتظمت معهم وحرصت على ذلك فهو أعظم أجرا، وإن وجدت أناسا ابتدءوا كتاب الفقه من أوله، أو كتب العقائد من أولها، أو كتاب التوحيد من أوله، وانتظمت معهم حتى تكمله، فإن ذلك أكثر فائدة؛ حيث تأتي هذا العلم من أوله إلى آخره، لأن المشاهد أن أشخاصا حضروا بعض الدروس، ثم لما قطعوا نصف المادة أو ثلث الفن أو ربعه انقطعوا وعاقهم عائق، فالذي يواصل من أول الفن إلى آخره لا شك أنه يحصل على خير كثير. وثالثا: من مجال التعلم السؤال لما يهمك، ولما أنت بحاجة إليه، قد يسر الله أسباب ذلك، تستطيع أن تسأل بهاتف، أو تستطيع أن تتصل بعالم وتستفصل منه، أو تستطيع أن تبحث مع مدرسك في مسألة من المسائل، وذلك يفيدك كثيرا. رابعا: من مجالات التعلم الاختلاط بالزملاء الذين قد مارسوا شيئا من العلم، فإنك تجد عندهم حلا لما في بعض المشاكل، وتجد عندهم فائدة زائدة على ما عندك، وإذا جلست في مجلس وأدلى: هذا بكلمة، وهذا بفائدة، وهذا بمسألة، حصلت الفوائد الكثيرة، وخامسا: من المجالات أيضا المكتبات الخيرية التي في المساجد، فإن فيها شيئا من العلوم تستفيده إذا أتيت إليها، أولا: من: الجلساء، والعاملين لها، والقائمين عليها، تجد عندهم شيئا من التفاسير عن هذه المكتبات وعن العلوم التي تحتوي عليها، ثانيا: فيها الكتب والمراجع التي تكون مرجعا لمن يريد الاستفادة، فتأخذ كتابا وتتصفحه وتعرف محتوياته وتعرف مسائله ولو لم تقرأه، إما في قراءة الفهارس ونحو ذلك مرة أو مرتين أو ثلاثا، فتعرف بعد ذلك كيف ترتيب هذا الكتاب، وكيف محتوياته، حتى إذا احتجت إلى مسألة استطعت أن تعثر عليها في وقت قصير، لأنك قد فرغت النظر في فهارس هذا الكتاب، فتستطيع وتستفيد من الكتب، أما الجاهل بذلك فإنه قد يكون عنده عشرات الكتب التي فيها المسائل، يحتاج إلى مسألة ولا يدري كيف يستخرجها، كما هو ظاهر، يشاهد عند كثير من حملة العلم الذين قد درسوا، يحتاج إلى مسألة وهي موجودة في أصغر كتاب عنده، ومع ذلك لا يستطيع العثور عليها؛ وذلك لجهله بمحتويات هذه الكتب، والعلم بها سهل يسير، وبكل حال فمجال العلم - إن شاء الله - فيه وسائل. س: فضيلة الشيخ: أشهد الله أني أحبك في الله، وبعد: هل يجب غسل الفرجين قبل كل صلاة، أم يجزئ الوضوء المضمضة والاستنشاق? أحبك الله كما أحببتنا له، نقول: غسل الفرجين سنة استنجاء، وليس هو من الوضوء، وإنما هو: إزالة نجاسة، هذا الاستنجاء إنما يستعمل بعد التبول، أو التغوط؛ لإزالة أثر النجاسة. وهذه الإزالة تحصل بالغسل، الذي يسمى استنجاء، وتحصل بالتمسح، الذي يسمى استجمارا، متى خرجت النجاسة فأزالها وطهر المحل، ولم يلزم أن يغسله في وقت الوضوء، أما عند الصلاة أو عند الوضوء فإذا كان متطهرا ومستنجيا فإنه يقتصر على أعضاء الوضوء، أعضاء الوضوء هي الأعضاء الظاهرة، التي هي: الوجه وما يتبعه، واليدان، ومسح الرأس، وغسل الرجلين، إذا قيل لك: توضأ، فهذه أعضاء الوضوء، فليس الاستنجاء من أعضاء الوضوء. س: السؤال يقول: ما هو القول الراجح في مسألة قضاء الوتر ؟ وما الحكم إذا أذن الفجر والمصلي يصلي الوتر أو بعض القيام؟ قضاء الوتر فيه صفتان، منهم من يقول: يقضيه كما هو، ومنهم من يقول: يقضيه شفعا، ورد في حديث: { من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا استيقظ أو ذكر } هكذا ورد في حديث، يدل هذا الحديث على أنه يقضى على حالته: إن كان وترك ثلاثا تقضيه ثلاثا، وإن كان خمسا تقضيه خمسا، أو نحو ذلك. والقول الثاني -وهو الصحيح- أنه يقضى شفعا؛ لقول عائشة إن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا مرض أو تعب فلم يصل، يعني: بالليل، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، يعني: قضاه وجعله شفعا، بدل ما كان إحدى عشرة أي: يجعله ثنتي عشرة، وسبب ذلك أن الوتر خاص بالليل، فلا يجعل في النهار وترا، يعني: وتر النهار هو صلاة المغرب، وصلاة المغرب لا بد أن تكون وترا، فعلى هذا الراجح أنك إذا فاتك الوتر: فإن كان وترك ركعة صليته في الضحى ركعتين، وإن كان وترك ثلاثا شفعته وجعلته أربعا، وإن كان وترك خمسا بالليل جعلته ستا، وهكذا، هذا هو الراجح. ثم عليك أن تصليه في الليل، وقته من بعد العشاء إلى طلوع الفجر، وأجازه بعض العلماء بعد أذان الفجر، لو مثلا أذن الفجر وأنت لم توتر فإن لك أن توتر بركعة، أن تصلي ركعة وتقوم مقام الوتر، وبطريق أولى إذا كبرت، إذا كبرت في الوتر ثم أذن وأنت قد كبرت فيه فإنك تتمه، ويجزيك - إن شاء الله-. س: هذا سائل يقول: هناك عادة منتشرة بين الكثير من الناس، وهي: أن أحدهم يقوم بذبح ذبيحة، ثم يوزعها، ويقول: إنها صدقة عن قريبه الميت سواء كان أب أو أم، فما حكم ذلك؟ هذه العادة لا أذكر لها دليلا، لا شك أن صدقة أهل الميت تصله، وينتفع بها؛ لقوله في الحديث: { صدقة جارية } فنقول: إن اتخاذ هذه كعادة أو كقاعدة، كونه يذبح عن الميت، ويتصدق بلحمها، سواء في رمضان، أو في خارج رمضان، أن هذا لم يكن مألوفا، ولم يكن معهودا عن السلف، فإذن نقول: إن كان هناك حاجة للناس إلى اللحم مثلا وإلى الطعام، وتصدقت بلحم سواء بكبش تذبحه وتتصدق بلحمه على أناس يأكلونه وينتفعون به، ولا يقدرون بفقرهم على أن يشتروه، فإن ذلك مفيد ونافع، وإن لم يكن هناك حاجة، بل الأكثرية عندهم اللحوم الكثيرة، ولا يكون هذا اللحم له فائدة ماسة، فالصدقة بدراهم أو بطعام يؤكل أو بشيء ينتفع به أفضل من الصدقة بهذا اللحم، وعلى كل حال الذي يريد أن يتصدق عن والديه يتصدق بما هو أكثر نفعا. س: هذا السائل يقول: سمعت بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن كف الثوب، واللحية في الصلاة فأرجو توضيح ذلك؟ الذي ورد في الحديث قول بعض الصحابة: ولا نكف شعرا، ولا ثوبا، ولم يقل كف اللحية. "لا نكف شعرا ولا ثوبا" وفسر ذلك بأنه الذي إذا أراد أن يسجد جمع ثيابه، وإذا كبر في صلاته جعل يصلح شعر رأسه، وذلك لأنه هذا يعتبر شغلا وعبثا وعملا في الصلاة ينافي الخشوع، فيندب أنه إذا سجد يترك ثوبه ويسجد كما هو ولا يلفه، وإذا كان مثلا شعره وافي، يعني: شعر رأسه، كما كانت عادتهم قديما يوفرون الشعر، وقد يرجلونه، أو يسرحونه، يتركه أيضا يتدلى ولا يكفه. أما إذا ربطه قبل الصلاة بأن كان له مثلا شعر، فربطه بخيط حتى لا يتدلى على وجهه مثلا، أو ربطه من الخلف بعضه ببعض حتى لا يؤذيه، فهذا لا بأس به. وإنما الكلام على العمل في الصلاة، كونه يشتغل بربطه في الصلاة، أو بكفه من وراء الأذن، أو بإلقائه خلفه ومن وراء ظهره، أو نحو ذلك؛ لأن هذا عبث. س: سائل يقول: ما حكم قراءة المجلات والجرائد، وتقديم قراءتها على قراءة كتب العلم النافع ؟ بينهما فرق كبير، لا شك أن قراءة الكتب النافعة أنها أتم فائدة، وأن الإكباب على هذه المجلات وهذه الصحف أنها مضيعة للوقت، وذلك لأن أغلبها حشو، وكلام لا فائدة فيه، هذه الصحف التي تقرأ كل يوم لو أخذ الإنسان يقرؤها لاستغرقت منه يوما، أو نصف يوم قبل أن يأتي إلى آخرها، لا شك أن الاشتغال بها مضيعة، لكن قد يجوز إذا كان فيها شيء من الأخبار المفيدة، أو بعض المجلات التي هي مجلات دينية، ومجلات أدبية مفيدة، فيجوز اقتناء بعضها للاستفادة مما فيها، ولكن التوسع في ذلك، وشغل الوقت به عن الاستفادة من الكتب النافعة العلمية هذا مضيعة للوقت. س: وهذا سائل يقول: -كما هو معروف- أن كثيرا من البيوت قد دخلتها الخادمات. والسؤال: هل يجوز محادثة الخادمة، أو النظر إلى وجهها وكفيها ؟ صحيح أن هذا كما وقع، وأنها بلية ابتلينا بها في هذه الأزمنة، لكن دعوى الضرورة، والحاجة الشديدة إلى خادم، وانقطاع الرق القديم الذي كانوا يُتَّخَذُونَ خدما، اضطروا إلى أن يستقدموا هؤلاء الخادمات، ولكن تختلف الحال، فمعلوم أن أغلبهن ما تعودن التحجب ولا التستر ولا تغطية الوجه والشعر، وأغلب الأعضاء الظاهرة: كالكفين، والقدمين، ونحو ذلك. بل عادتهن في بلادهن التكشف الظاهر، وكذلك يبقين على هذه العادة في هذه البلاد، لكن ننصح من يريد نجاة نفسه ننصحه، أولا: إذا احتاج إليهن ألا يختار إلا كبيرة السن الطاعنة في السن، التي فوق الخمسين أو نحوها، ثانيا: أن لا تكون جميلة، بل تكون دميمة، أو شوهاء، أو نحو ذلك؛ حتى لا تحصل بها فتنة، ثالثا: أن يلزمها بالحجاب -ولو لم تكن مسلمة- بالاحتجاب أمام الرجال الذين يسموا أجانب، الذين هم أجانب عنها، رابعا: أن يمنع خلوتها بالرجال، وأن يجعل لها مكانا خاصا في أقصى البيت تخدم، ثم تلجأ فيه، خامسا: أن يمنع أهل البيت من الرجال ونحوهم؛ سيما المراهقين، والبالغين من أولاده، أو إخوته من الخلوة بهن، سواء في سيارة، أو في بيت، أو في مسكن، أو نحو ذلك، يمنعه، قد حذر النبي -عليه السلام- من ذلك بقوله: { لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما } . وعلى كل حال فعلى الإنسان أن يتعفف، ولا يستقدم الخادمة إلا لضرورة ملحة، ويعمل بهذه الإرشادات التي تكون وقاية، أو تخفيفا فيه. س: هذا يقول: سماحة الشيخ، أرجو مساعدتي في هذه القضية، إنني أحس بالإقبال على الطاعة، ولكني لا أحس بحلاوتها وأحس بغربة في قلبي، أفيدوني -جزاكم الله خيرا-؟ موفق -إن شاء الله- في إقبالك على الطاعة، ولا شك أن للطاعة لذة وحلاوة يجدها أهلها، والأمثلة والأدلة على ذلك كثيرة، لا نستطيع التوسع فيها، وأوضحها قوله -عليه الصلاة والسلام– لبلال { أرحنا يا بلال بالصلاة } وقوله: { جعلت قرة عيني في الصلاة } فنقول لك: أولا: احرص على الإقبال على صلاتك، وذلك بأن تحرص على حضور القلب، وتبعد قلبك عن الوسوسة فيما هو خارج الصلاة، ثانيا: تتأمل وتتذكر في الحكم والمصالح التي تترتب على هذه العبادة، والتي شرعت لأجلها صلاة أو صوما أو حجا، أو نحو ذلك، وتحرص على أن تتحقق بتلك الآثار. وثالثا: عليك أن تمرن نفسك على كثرة العبادات من النوافل؛ فإنها سبب لمحبة الفرائض، فقد تجد من نفسك تثاقلا وتكاسلا وحبا للراحة والنوم، وحبا لشيء من اللهو، ونحو ذلك، فلا نحرمك من الشيء الذي أنت بحاجة إليه، أعط نفسك شهوتها من النوم، وكذلك من الأكل والشرب، ومن الراحة، ولكن لا تتمادى معها بالراحة، فإن النفس كما قال فيها بعضهم: ومـا النفس إلا حيث يجعلها الفتى فـإن أطمعـت تاقت وإلا تسـلت فإذا سليت نفسك، واقتصرت على ما هو ضروري، خفت عليك -إن شاء الله– الطاعة، وتمتعت بها، وزالت عنك العقبات. س: وهذا يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، فضيلة الشيخ، كيف يمكن للإنسان أن يحفظ فرجه علما بأنني لا أستطيع الزواج، والصوم لا يجدي؟ أولا: عليك أن تحرص على الزواج مهما استطعت؛ بتكسب أو بقرض أو ببذل ما تملكه، وقبل ذلك اعمل بالإرشادات التي تخفف أو تكسر حدة الشهوة، فمن ذلك استعمال ما أخبر به النبي -عليه السلام- من الصيام، ولكن مع الجوع؛ لأن الصيام الذي يكسر حدة الشهوة هو الذي يحصل معه إرهاق تعب وشغل، ومع ذلك قلة في الأكل، وقلة في تناول الشهوات. أما الذي يعطي نفسه ما تشتهي من الشهوات، ويريحها ولا يتعبها، فإنه قل أن يؤثر فيه الصيام، وفي كسر حدة الشهوة، الرسول ما أخبر أو ما أمر بالصيام إلا لأناس يشتغلون طوال نهارهم ويحترفون، ثم مع ذلك إنما يأكلون العلقة من الطعام، فيحصل معه جوع وتعب، وذلك مما يقلل أو يخفف الشهوة التي جبلت عليها النفس. ثالثا: عليك بالبعد عن الأسباب التي يحصل بها شيء من إثارة الشهوة، فأولا: لا تطلق بصرك، ولا تنظر إلى العورات ونحوها، وثانيا: لا تنظر إلى الأفلام الخليعة المثيرة للغرائز ونحوها، ولا الصور الموجودة في الصحف ونحوها، فإن تأملها مما يثير الكوامن، بل اقرأ في ما هو نافع لك، وابتعد عن النظر في هذه الأفلام، أو في هذه الصور، ورابعا: ابتعد عن سماع الأغاني التي هي أكثرها وأكثرها غرامية، ومهيجة، ومثيرة للشهوات ونحوها، هذه الأسباب لعلها -إن شاء الله- تخفف الشهوة، وإلى أن ييسر الله لك. س: فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هل هذا حديث صحيح: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما رجع مع بعض الصحابة قال: رجعنا من الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر، يقصد بالجهاد الأكبر: جهاد النفس والجهاد الأصغر: لقتال العدو؟ ليس بصحيح، يعني: لا يصح حديثا مرفوعا، الظاهر أنه من قول بعض الصحابة، ومن قول بعض العلماء، ولا شك أن الجهاد الأكبر هو الجهاد الذي سماه الله تعالى جهادا، وهو: بذل الجهد، بذل النفس، وبذل المال، وبذل الروح في سبيل الله، وهو قتال الكفار، وأما الجهاد جهاد النفس فهو جهاد لما فيه من الجهد، ولكن إذا أعان الله الإنسان على نفسه فإنه لا يجد في قمعها صعوبة. س: وهذا يقول : فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تحدثت -جزاك الله خيرا- عن استغلال الوقت، ولكن أنا كلما أردت أن أستغل وقت بعد صلاة الفجر يغلبني النوم، ويغلبني الشيطان، فأذهب إلى البيت فأنام، فماذا أعمل حتى أستطيع أن أستفيد من وقت بعد الفجر ؟ عليك أن تنام مبكرا أول الليل؛ حتى تعطي نفسك راحتها من النوم، هذا من جهة، من جهة ثانية عليك أن تعود نفسك على القراءة، أو المطالعة بعد الفجر، وتجعل ذلك عادة مستمرة، فإن الإنسان متى عود نفسه على شيء اعتاده، وسهل عليه فعله، وذلك سهل يسير، ولا شك أن الإنسان إذا تمادى مع شهوة نفسه، ومع ميلها إلى الراحة، وإلى الإخلاد وإلى النوم، إلى الكسل، فإنها تتمادى في ذلك، وتثقل عليها القراءة والتعلم، ونحو ذلك، فيفوتها خير كثير. وإذا مرن نفسه على ذلك فإنها تسهل عليه، لكن يحتاج إلى جهد وممارسة وعمل. وننصحك أيضا أن تختلط بزميل لك أو زملاء حتى ينشطوك، وتجعلون لكم قراءة في القرآن، أو في الكتب في هذا الوقت، فإن اختلاط اثنين أو ثلاثة أو مجموعة مما ينشط بعضهم بعضا، ويزول عنهم الكسل. س: وهذا يقول: فضيلة الشيخ، هل يجوز أن يساوي المسلم لحيته ؟ أفيدونا -جزاكم الله خيرا-؟ الأصل الأمر بالإعفاء؛ لقوله: { أعفوا اللحى } ولا شك أن الإعفاء يراد به تركها بحالتها، لكن ذكر بعض العلماء أنه يجوز ذلك، يجوز أخذ ما زاد عن القبضة، واستدلوا بحديث ابن عمر أنه إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، وأخذ ما زاد عن القبضة، وذلك فيه شيء من التسوية لها، فأفتى بذلك كثير من العلماء كصاحب "الروض المربع"، وغيره، ومع ذلك فالاحتياط الأمر بالإعفاء، وابن عمر فعل ذلك باجتهاد، وبكل حال هذا أخف من الإزالة الكلية، أو التقصير النهائي، ونحو ذلك. |