السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم إنا نحمدك على ما علمت من البيان، وألهمت من التبيان، ونسألك أن تفتح علينا، وأن تعلمنا ما ينفعنا، وأن ترزقنا القول والعمل، والاحتساب في القول والعمل. وبعد، أيها الإخوة، نعرف -والحمد لله- أنكم على بصيرة من دينكم، وأنكم على علم بما أمركم الله –تعالى- به، وبما نهاكم عنه، ولكن الشأن كل الشأن في العمل، وفي التطبيق لما يهم الإنسان، ولما يلزمه؛ وذلك لأن ثمرة العلم العمل. فمتى عمل الإنسان بما علَّمه الله –تعالى- فإنه يكون على بصيرة من أمره، ويكون له الأجر، حيث طبق ما يعلمه، وقد تنوعت وسائل العلم في هذه الأزمنة أكثر مما كانوا من قبل؛ فلذلك نقول: عليكم أن تتعلموا، تعلموا بقراءة القرآن؛ فإن القرآن هو منبع العلوم، وقد يسره الله، قال الله تعالى: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } . والقرآن فيه العلوم النافعة المفيدة التي تتعلق بأمور الدين، وبأمور الدنيا، وقد أنزله الله –تعالى- لحكمة، وهي أن يكون معجزة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأن يكون بيانا للأمة، فقال تعالى: { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ } هَذَا الْقُرْآنُ { بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } فمن تعلمه وجد فيه العلوم الدينية، ووجد فيه العلوم الدنيوية، ووجد فيه ما ينفعه في عاجل أمره وآجله. وقد يسر الله –تعالى- التعلم بأسهل عمل، وأيسره، ففي المساجد يوجد مدارس لتحفيظ القرآن، ويوجد مدارس للقرآن، فهذا لا عذر لأحد في أن يتعلم، وقد وفقه الله وأعانه. وثانيا- نقول: عليكم -أيضا- أن تتعلموا معاني القرآن، وتتبعوا ما كان الصحابة -رضي الله عنهم- يتعلمونه، فإنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، فلنا فيهم أسوة أن نتعلم القرآن، وأن نتعلم معانيه. ثالثا- أن نتعلم اللغة العرب الفصحى التي نزل بها القرآن والتي تكلم بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك لأن اللغة العامية الذي يقتصر عليها يفوته معرفة ما أنزله الله –تعالى- في كتابه وعلى لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ فتعلموا اللغة لما يتيسر من الوسائل التي تكون سببا في الحصول على معرفتها بأيسر طريق. رابعا- تعلموا السنة النبوية التي بين بها النبي -صلى الله عليه وسلم- كلام الله –تعالى- وبين بها ما يجب على المسلمين مما أمروا به من الأفعال، ومن الواجبات والمحرمات وما أشبهها، وتعلمها-أيضا- يسير وذلك لوجود مراجعها، فالمصاحف والحمد لله متوفرة، والتفاسير موجودة بكثرة، وكتب الحديث متوفرة، الكتب التي تعتني بالحديث رواية أو دراية، والكتب التي تشرح معاني الكلمات التي في القرآن، والتي في السنة، فإذا تعلمها العبد أصبح قد حصل على وسيلة من وسائل التعلم، وقد حصل على جانب من العلم، فيكون من أهل العلم الذين يعملون على بصيرة. كذلك -أيضا- نقول: إن تعلم القرآن يكون بما تيسر؛ إما بطريق التعليم، وإما بطريق القراءة، وقد كثرت وسائل التعليم في هذا الزمان أكثر منها في غير هذا الزمان، فهناك مدارس العلم، المدارس التي أسستها الدولة والحمد لله، -جزاهم الله خيرا- ليلا ونهارا، للصغار والكبار حتى لم يبق أحد جاهلا، أو أُميا إلا من لم يهتم بذلك. ففي هذه المدارس يتعلم الطلاب صغارا، وكبارا، ذكورا وإناثا ما يحتاجون إليه في أمور دينهم، وفي أمور دنياهم، ويصبح الذين يقرءون فيها يصلحون أن يتولوا المناصب، والوظائف، والإمامة والخطابة وما أشبه ذلك. كذلك -أيضا- يسر الله طبع الكتب العلمية، فأصبحت في متناول الأيدي، فلا عذر لأحد أن يبقى جاهلا، بما أن الكتب المطبوعة التي تحتوي على ما ينفع المسلم موجودة متوفرة، فلا يجوز لأحد الإعراض عن ذكر الله –تعالى- مع وجود وسائله. تعلم بواسطتها خلق كثير، وإن لم يقرءوا في مدارس، ولا في معاهد، ولا في جامعات، بل إنما تعلموا من حيث علموا اللغة العربية، وعلموا ما تدل عليه، فأخذوا هذه المؤلفات الصغيرة والكبيرة، واستفادوا منها وأصبحوا يعرفون ما يدور عليهم، لا شك أن هذا من نعم الله علينا. كذلك -أيضا- يسر الله أن هذه الدولة -والحمد لله- اعتنت بوسائل التعليم، ووسائل العلم، وهناك المدارس، والندوات، والجامعات، والمحاضرات، كلها من وسائل التعلم. في إمكان الإنسان أن يستفيد إذا جلس بحلقة علمية، أو حضر محاضرة، أو حضر ندوة علمية في كل البلاد صغيرها، وكبيرها، فلا عذر لأحد أن يبقى جاهلا. كذلك -أيضا- في إمكانك أن تتعلم بواسطة الإذاعة، الإذاعات الإسلامية التي تبث العلم النافع، تبين القرآن، وتوسع معانيه، وتحث -أيضا- على العلم النافع، وعلى العمل الصالح، وعلى بيان ما يلزم الإنسان من الأعمال في هذه في الدنيا، وما أمره الله به، وما حرمه عليه. كل ذلك -بلا شك- مما يسره الله، يتعلم الإنسان وهو في سيارته يفتح على الإذاعة ثم يستفيد، يتعلم الإنسان وهو في مجلسه أي في بيته فيستفيد، يتعلم وهو على فراشه أي قد يضطجع على فراشه يفتح على الإذاعة ويستفيد، فيكون بذلك قد يسر الله له وسيلة طلب العلم، فلا ينبغي أن يبقى جاهلا. كذلك -أيضا- من الوسائل الجديدة -أيضا- ما يسره الله –تعالى- من هذه التسجيلات التي تسجل المحاضرات، وتسجل الخطب، وتسجل الندوات، وتسجل الفوائد، والدروس العلمية، وما أشبهها، فهي-أيضا- من وسائل التعلم. إذا يسر الله –تعالى- للإنسان نية صادقة، واشترى هذه الأشرطة الإسلامية، استفاد منها؛ حيث إنه يسمعها وهو في أية حال، ويعرف أن هذه محاضرة دينية، وهذا درس علمي، وهذه خطبة منبرية مفيدة، وهذه تسجيلات من إذاعة مفيدة إسلامية، وما أشبه ذلك، فيتعلم بأسهل الطرق وأيسرها. كذلك -أيضا- من الوسائل؛ التعلم بواسطة المكاتبات، فقد تيسرت عما كانت عليه من قبل، فقد كانت المسألة إذا كتبت تبقى شهرين، أو أكثر لا يصل جوابها، وأما في هذه الأزمنة . من مواصلات، أصبحت والحمد لله تأتيه في يومه، أو في ساعته إذا سأل عن سؤال وأرسله، إما بواسطة بريد، أو بواسطة فاكس، أو ما أشبه ذلك، فيصل إليه الجواب في أسرع وقت، فيستفيد منه. وهكذا -أيضا- إذا رفع السماعة واتصل، اتصل بأية عالم يحسن الظن فيه فيستفيد منه. وإذا عرفنا هذه الوسائل أنها تيسرت، فإن على الإنسان الاهتمام بما خلق له. الأمور التي تهمك أولها: معرفة العقيدة التي أنت ملزم بأن تعقد عليها بقلبك، وذلك معرفة أركان الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره، وشره. معرفة ذلك من أهم ما أنت ملزم به؛ وذلك لأن يرسخ في القلب الإيمان، فإذا رسخ في القلب الإيمان انبعثت الجوارح بالأعمال، فإنها إنما تنبعث إذا كان القلب ممتلئا يقينا، أما إذا كان الإنسان في شك من دينه أو كان في تردد من أمره فالأصل أنه لا يستفيد، وأنه لا يهتم بأمر ما خلق له. إذا تعلم بأي واسطة من هذه الوسائل التي ذكرنا، تعلم أسماء الله –تعالى- وما تدل عليه، عظم قدر ربه في قلبه، وإذا استحضر أن الله –تعالى- يراه، وعَبَدَ الله على ذلك { أن تعبد الله كأنك تراه } وأفضل الإيمان أن تعلم أن الله يراك حيثما كنت، وأنك مع الله أينما كنت، فإنه -والحال هذه- يخاف من ربه، ويقبل على عبادته ويهتم بأمر دينه، هذا أثر من آثار الإيمان بالله سبحانه. كذلك إذا أيقن بأنه مبعوث بعد الموت، وأنه محاسب على الأعمال التي يعملها لا شك -أيضا- أنه يهتم بالدار الآخرة، فيقدم لها العمل الذي ينجيه؛ لأنه عرف أن ربه سوف يحاسبه على الأعمال التي عملها في الدنيا، وسوف يعرضها عليه، فيحرص على أن تكون الأعمال التي يجدها في صحائفه أعمالا تسره وتفرحه، إذا كان في يوم القيامة، ونشرت الصحف، وأخذ كل إنسان يقرأ ما كتب عليه { وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } فإنه بلا شك يهتم بأن لا يكتب عليه إلا ما هو من الأعمال التي تنفعه والتي يفرح بها ويسر. إذا أيقن أنه لا بد من الحساب على الأعمال، ولا بد أن توزن أعماله في صحفه في موازين { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } أي: العدل { فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا } { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } فإنه -بلا شك- يهتم بآخرته ويستعد لها. |