كذلك معلوم أن المسلم عليه حقوق لإخوانه المسلمين وردت هذه الحقوق من جملة الأمانات فأولا: عليه أن يحب للمسلمين ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، وهذا بلا شك يحمله على أن يدل إخوته على الخير، ويحذرهم عن الشر: { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } أي: يحب لأخيه من الخير ما يحبه لنفسه من الخير، ولا شك أن من كان كذلك فإنه يحرص على دلالة إخوانه على الطرق التي فيها نجاة وسبيل إلى النجاة، وأن لا يوقعهم في شيء يضرهم وهو يعلم أنه ضرر، فإن ذلك من الآثام ومن ارتكاب الأوزار. وقد ورد أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- حث أمته على أن يكونوا متحابين في ذات الله تعالى ومتزاورين في ذات الله متفاعلين في ذات الله، وأن يحرص كل منهم على نجاة إخوانه المسلمين، وأن لا يوصل إليهم شرا، ولا يتكلم فيهم بضرر ولا بسوء ولا بشيء يؤثر عليهم. فمن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ولا يسلمه، ثم قال: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم؛ كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه } . هكذا بين -عليه الصلاة والسلام- حق المسلم: { كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه } فمعنى ذلك أنه يحرم عليك أن تضر أخاك المسلم بشيء إذا لم تنفعه فلا تضره واجب عليك أن تسعى في نفعه، وأن تسعى في نجاته، نجاته من ورطات الدنيا ومن هلكات الآخرة من المعاصي ومن الأمراض الدنيوية والبدنية، وإذا لم تنفعه فعليك أن لا تضره بشيء فيه أية ضرر. يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ } السخرية لا شك أنها تضر بالمسلم إذا رأيت أحدا يسخر منك ويهزأ بك ويتنقصك فيسخر من فعلتك ويعيبك ويشيع عيوبك ويفشي أسرارك؛ فإنك تكرهه فهذا الذي سخر ربما يكون الذي سخر منه خيرا منه: { عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ } . أخوك الذي أنت تسخر منه وتهزأ به هو خير منك؛ وذلك لأنه كف عن أذاك، وأنت وقعت في أذاه: { عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ } ثم قال: { وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ } . يقول: { وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ } اللمز هو العيب أي: لا يعيب بعضكم بعضا لا تتبعوا عورات إخوانكم ولا تفشوا أسرارهم ورد فيه حديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: { يا معشر من آمن بلسانه ولم يصل الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المؤمنين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته } . فالذين يفشون الأسرار ويتكلمون بالأهواء ويغمزون ويلمزون ويعيبون متوعدون بهذا الوعيد؛ اقرءوا قول الله تعالى: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } يعني هماز لماز الهمزة الذي يهمز الإخوة ويعيبهم ويتتبع عثراتهم ويقول فيهم ما ليس فيهم ويفشي أسرارا قد لا تكون صحيحة. واللمز هو العيب لمزه يعني عابه كما قال الله تعالى: { هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } يعني عابه الله بهذا الوصف أنه هماز يعني يعيب أخاه، أو يعيب المسلمين ويؤذيهم ويمشي بالنميمة، النميمة هي إفشاء الأسرار، أو نقل كلام الغير على غير وجهه على وجه الإفساد والتحريش بين المسلمين، وذلك بلا شك مما يوقع الوحشة بين المسلمين، ومما يسبب ضررا على ذلك الأخ المسلم. فعلينا أن نستحضر هذه الآيات وهذه الأحاديث، ونعمل بها ونخلص في أعمالنا لله تعالى فيما بيننا وبين ربنا، ونعلم أنه هو الذي يحاسبنا. وكذلك أيضا نخلص في أعمالنا التي اؤتمنا عليها من قبل الدولة؛ حتى يحل لنا ما نتقاضاه من مرتبات؛ من أجرة على هذا العمل، وكذلك أيضا نحب لإخواننا المسلمين -رؤساء ومرءوسين- نحب لهم الخير، ونكره لهم الشر، ونتمنى لهم السعادة، ونكف عن أذاهم وعن إضرارهم بأي نوع من الضرر، ونحرص على إيصال النفع إليهم في أمور دينهم وفي أمور دنياهم حتى نكون متحابين في الله تعالى، متزاورين في الله، متباذلين في الله وحتى يتحقق لنا الإيمان الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } . نسأل الله أن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أبقانا، نسأله سبحانه أن ينفعنا ما علمنا ويعلمنا ما ينفعنا ويرزقنا علما نافعا وعملا صالحا متقبلا ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل، ونسأله ألا يجعل كلامنا حجة علينا، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يقر أعيننا بنصرة الإسلام والمسلمين، وبعز هذا الدين وظهوره على الدين كله، وأن يصلح أئمة المسلمين وقادتهم، وأن يجعل ولايتنا فيمن يخافه ويتقيه، وأن يصلح إمامنا وسائر أئمة المسلمين، وأن يجعلهم هداة مهتدين يقولون بالحق وبه يعدلون، وأن يرزقهم البطانة الصالحة التي تحثهم على الخير وتحذرهم عن الشر، إنه على كل شيء قدير، والله أعلم، وصلى الله على محمد . |