وكذلك أيضا السلف -رحمهم الله- كان أبو سليمان الداراني أحد التابعين يقول: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم. يريد بأهل الليل: أهل التهجد الذين يقطعون ليلهم في صلاة، وفي عبادة، وفي تهجد. ويقول بعض السلف -رحمهم الله- إذا لم تقدر على قيام الليل فاعلم أنك محروم؛ قيدتك خطيئتك. ويقول آخر: لما سألوا الحسن -رحمه الله- قالوا له: ما لنا لا نقدر على قيام الليل؟ فقال: قيدتكم خطاياكم. أي: أن الذين لا يقدرون على قيام الليل؛ سبب ذلك.. أن ذنوبهم تراكمت عليهم، وأنهم تثاقلوا عن صلاة الليل. ولا شك أن صلاة الليل يعتبرونها أفضل من صلاة النهار، وأنها أفضل التطوع؛ ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- { أفضل الصيام بعد رمضان.. شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة.. قيام الليل } –يعني- التهجد. ويعتبره بعض العلماء من أسباب الرزق، ومن أسباب السعة. وما ذاك إلا أن هذه العبادة التي في الليل يتفرغ فيها المصلي، ويقبل على صلاته، ويزداد خشوعه وخضوعه، ويتواطأ قلبه ولسانه؛ ولذلك قال الله تعالى: { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا } { نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } –يعني- قائمه، إذا قام بعد أن نام يسمى ناشئا { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } يعني: إن قائمي الليل، أو قيام الليل { أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا } الوطء: التواطؤ -يعني- تواطؤ القلب واللسان. وأصوب قولا –أي- أنه في هذه الحالة يكون قراءته صوابا يسلم من الخطايا، ويسلم من الزلل، وما أشبه ذلك. لقد عرفنا كثيرا من آبائنا وأجدادنا وإخواننا وجيراننا لا يتركون الصلاة في آخر الليل؛ ولو على الأقل ساعة أو ساعتين، وبعد ذلك.. فقدت هذه العبادة إلا ما شاء الله. ولعل سبب ذلك.. أن أولئك الأولين كانوا ينامون أول الليل، نشاهدهم ساعة ما يفرغون من صلاة العشاء يأتون إلى فرشهم، وينامون مباشرة، وإذا كان في آخر الليل قبل الفجر بساعة أو بساعتين فكأن هناك من يوقظهم، يستيقظون نشيطين، ثم يتوضأ أحدهم، ولا يزال يصلي؛ وذلك لأنهم يعتبرون آخر الليل أفضل الأوقات، أفضل أوقات الليل؛ وذلك لأنه وقت النزول الإلهي الذي ثبت في الحديث: { أن الله تعالى ينزل آخر كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، ثم يقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟ } يتودد إلى عباده وهو غني عنهم. فذلك الوقت الذي هو أشرف الأوقات، الذي هو آخر الليل -وقت هذا النزول، وقت هذا التودد- ليكون أقرب إلى أن المسلم يجتهد فيه، ويكون في ذلك الوقت منتبها متيقظا. أما في هذه الأزمنة.. حيث ابتلي الكثير بالسهر أول الليل؛ بحيث إنهم يسهرون إلى نصف الليل، وربما إلى آخر الليل، فعلى أي شيء يسهرون؟!! لا شك أن سهرهم أول الليل ووسطه إما على غناء وزمر، وإما على نظر إلى أفلام وصور عارية وفاتنة، وإما على لهو وسهو، وقيل وقال، وكلام لا أهمية له؛ فيقطعون جزءا من الليل على هذه الحالة، فإذا جاء آخر الليل وإذا هم كسالى، وكثير منهم لا ينامون إلا في الساعة الواحدة أو الثانية، ومتى يستيقظون تفوتهم صلاة الصبح كما تشاهدون أن المساجد يقل عدد المصلين فيها، فلا يكون فيها، أو لا يحضر فيها في صلاة الصبح إلا العدد القليل. فنتواصى أيها الإخوة.. بأن ننام مبكرين إذا كان أحدنا لا يكفيه إلا النوم الكثير؛ حتى نستيقظ آخر الليل؛ ولو قبل الفجر بنصف ساعة أو بساعة نصلي فيها ما تيسر. نقول هذا ونحن مفرطون، ونحن غافلون، ونحن متكاسلون. نسأل الله العفو والعافية. |