ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة البخاري (157). وتوضأ مرتين مرتين البخاري (158). وتوضأ ثلاثا البخاري (159) ومسلم (226). ؛ أي غسل كل عضو ثلاث غسلات، وفي حديث عمرو بن شعيب أنه قال: { هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم } رواه أحمد 2/ 180. وأهل السنن أبو داود (135)، والنسائي (140)، وابن ماجه (422). وصححه ابن خزيمة برقم (174). وهو يدل على أن من تجاوز الثلاث غسلات فقد اعتدى في الطهور وظلم، وروى أبو داود برقم (1480). وابن ماجه برقم (3864). عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: { سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء } وإن فاعله مسيء وظالم. وقال ابن المبارك لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم. وقال أحمد وإسحاق لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى. وفي الصحيحين البخاري (201) ومسلم (325). عن أنس { أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد } ولمسلم برقم (326). عن سفينة نحوه، قال في النيل 1/ 376. والحديث يدل على كراهة الإسراف في الماء للغسل والوضوء واستحباب الاقتصاد، وقد أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء، ولو كان على شاطئ النهر، وبعض الشافعية قال: إنه حرام. وروى مسلم برقم (319). عن عائشة أنها كانت تغتسل هي والنبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك. قال الشوكاني في النيل 1/ 378. القدر المجزئ في الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر، وسواء كان صاعا أو أقل أو أكثر، ما لم يبلغ في النقصان إلي مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلا، أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف، وهكذا في الوضوء القدر المجزئ منه ما يحصل به غسل الأعضاء، سواء كان مدا أو أقل أو أكثر، ما لم يبلغ في الزيادة إلى حد السرف، أو النقصان إلى حد لا يحصل به الواجب. وقد أخرج ابن ماجه برقم (425). من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بسعد وهو يتوضأ فقال: { ما هذا السرف؟ فقال: أفي الو ضوء إسراف؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جارٍ } وفي إسناده ابن لهيعة وروى ابن عدي الكامل 6/ 165. من حديث ابن عباس مرفوعا: { كان يتعوذ بالله من وسوسة الوضوء } لكن إسناده ضعيف، وروى الترمذي برقم (57). وابن ماجه برقم (421). عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- { إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان، فاتقوا وسواس الماء } قال الترمذي ليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث. وروى ابن ماجه برقم (424). عن ابن عمر قال: رأى رسول -صلى الله عليه وسلم- رجلا يتوضأ فقال: { لا تسرف لا تسرف } وغير ذلك من الأدلة. ثم إن الإسراف يكون بتكرار الغسل أكثر من ثلاث غسلات، ويكون بكثرة صب الماء على البدن في الاغتسال، وكذلك يكون بفتح صباب الماء أو الرشاش بحيث يصب بقوة ماء كثيرا، حتى ليستغرق غسل العضو الواحد أكثر من الصاع الذي يكفي للغسل؛ وذلك لعدم الاهتمام بكثرة صب الماء، لكثرته وتوفره، مع العلم أن الماء له أهميته ومكانته، فهو مادة الحياة للحيوان والنبات، كما قال -تعالى- { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } ؛ فيجب الاقتصاد في صبه بحيث يغترف قليلا قليلا، أو يفتح الصباب يسيرا ثم يغلقه بعد غسل كل عضو، حتى يبدأ في غسل الثاني، وهكذا في الاغتسال، إذا كان تحت الرشاش فتحه قليلا ثم يغلقه عند التدليك، ثم يفتحه قليلا عند التنظف، حتى لا يسرف في صب الماء. أما إن كان الحامل على الإسراف هو الوسوسة فإنا ننصح من يقع له ذلك أن يستعيذ من الشيطان، وأن يطرح التشكك والأوهام، حيث إن الشيطان يخيل إلى أهل الوسوسة بأن الوضوء ناقص، أو أن العضو لم يتبلغ، أو أن الأعضاء قبله قد نشفت، ونحو ذلك مما يحمله على تكرار الغسل، بحيث يبقى بعضهم ساعة أو نصف ساعة، وهو يدلك أعضاءه، وكلما غسل عضوا رجع إلى ما قبله، وقد يصب الماء على القدم مثلا، ويظن أن الماء يزول منه دون أن يبتل به، وقد يحكه بأظفاره حتى يكشط الجلد، أو يخرج الدم. ولا شك أن هذا من وسوسة الشيطان، لأجل أن يستثقل الطهارة كل وقت مما يحمله على ترك الصلاة؛ لما قبلها من المشقة في رفع الحدث، كما حصل ذلك لكثير من الذين ابتلوا هذه الوسوسة من رجال أو نساء فيتركون الصلاة، أو يؤخرونها عن وقتها، أو يفوتون جماعتهـا، وكان عليهم أن يتذكروا أن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، و أن يفعلوا كغيرهم من إخوانهم وأهليهم الذين لا يتكلفون في أمر الطهارة، بل يتوضأ أحدهم في دقيقة أو نحوها، وأن لا يلتفتوا إلى التوهمات التي تعرض لهم، فإن الله -تعالى- جعل الماء طهورا، ومن طبيعته أنه يسيل على الأعضاء فتشربه وتبتل به، ويحصل بذلك التبليغ والإسباغ المطلوب دون تكلف، وأن النية في رفع الحدث موجودة عند كل عاقل يقصد التوضؤ، والله المستعان. |