............................................................................... وأما القسم الثاني؛ الذين يأمنون مكر الله؛ فهؤلاء هم الذين يكثرون من السيئات، ويتعلقون بالرحمة إذا ذكِّر أحدهم وقيل له: لا تسرف على نفسك، لا تكثر من السيئات، ولا تفعل كذا وكذا، ولو كانت من الخطايا الصغيرة فإنها عند الله كبيرة، إذا قال: أنا ما فعلت الكبائر أنا ما زنيت ولا قتلت ولا أشركت ونحو ذلك ، فنقول له: إن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة، فأنت -مثلاً- تحلق لحيتك وتصر على ذلك، وتجر ثوبك إلى ما أسفل الكعبين، وتعلم أدلة تحريم ذلك، وكذلك أيضًا تسرق وتزني وتنتهب وتلهو وتسمع الغناء، وتسخر بإخوانك المسلمين وتدعي أنك مسلم ونحو ذلك؛ ففي هذه الحال نرى أنه في إصراره على ذلك يستحق العذاب عاجلاً أو آجلاً؛ إذا أصر على هذه المعاصي قد يتعلقون بآيات الرجاء، ويذكرون بعضها ولا يذكرون تمامها ، ذكرنا من آيات الرجاء قول الله تعالى: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } فنقول: إذا كنت ترجو الرحمة فعليك أن تأتي بأسبابها التي هي العبادة والطاعة والتوبة النصوح ، فأما أن تقول: إني من أهل الجنة، وإني من أهل الصالحات، وأن الله لا يعذب من يحبه -كما يعبرون- وأن الله رحيم بعباده، وأن هذا الدين يسر وأن مع العسر يسرًا، ويتعلقون بمثل بعض هذه الآيات، والأحاديث، فنقول لهم: ليس لكم متعلق فيها، فإنكم -بلا شك- قد تعلقتم بما لا ينفعكم، آية الأعراف اقرأوا تمامها ، وهي قوله -تعالى- { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } صحيح رحمة الله واسعة، ولكن لمن؟ قال -تعالى- { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ } فذكر أن هؤلاء هم أهلها، فأما الذين يعصون ويصرِّون على المعاصي ولا يقبلون النصائح فإنهم قد لا تعمهم، فالله -تعالى- قد وصفهم بهذه الصفات حتى لا يطمع فيها كل من يدعيها. |