فنقول أولا: إن الله سبحانه وتعالى فرق بين النساء والرجال في المخاطبة، وإن كان قد اشتركن في بعض الأشياء، فقال الله تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ } . هكذا أمرهم بغض الأبصار وحفظ الفروج، وأخبر بأنه أزكى لهم، ثم قال بعد ذلك: { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } فهذا الأمر اشترك فيه الرجال والنساء؛ غض البصر وحفظ الفرج. وقد فسر حفظ الفرج بالتستر؛ أي أن العورة وما حولها يجب على المسلم أن يستر عورته؛ وذلك لأنه يلحق بكشفها عار واستياء وخجل وتفسخ وذلك ينافي المروءة؛ فواجب عليهم أن يستروا العورات. ذكر العلماء أن ستر العورة واجب في الصلاة، ولكن عورة الرجل من السرة إلى الركبة يجب عليه سترها في الصلاة، وأما المرأة الحرة فإنها جميعها في الصلاة عورة لا يبدو منها إلا الوجه؛ تستر رأسها وعنقها وشعرها وكفيها وقدميها وجميع بدنها. إذا كانت في الصلاة حتى ولو كانت خالية، ولو كانت في قعر بيتها. ورد في حديث عن أم سلمة إحدى أمهات المؤمنين قالت يا رسول الله: أتصلي المرأة في الدرع الواحد؟ قال: { نعم. إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها } . أخبر بأنها لا بد أن تستر ظهور القدمين وأصابع القدمين، وكذلك الكفين تسترهما في الصلاة ولو كانت خالية ليس عندها أحد، ولو كانت في بيت مظلم؛ محافظَة على اعتيادها للتستر، وعدم إبداء شيء من زينتها أو من جسدها. وإذا كانت في المسجد مثلا كالمسجد الحرام وأمامها رجال، أو تخاف أن يراها أحد، فإنها لا بد وأن تستر الوجه أيضا، ولا يبدو منها شيء؛ حتى لا يرى الرجال منها شيئا. فإنه كما روي عن فاطمة أنها قالت: خير ما للمرأة ألا ترى الرجال ولا يراها الرجال؛ أي محافظة على سترها وصيانة لها. ورد الإذن للنساء أن يصلين في المساجد، فقال صلى الله عليه سلم: { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن } أرخص في أنها تصلي في المسجد؛ لتتعلم كيفية الصلاة؛ ولتحظى بالاقتداء وسماع القرآن ونحو ذلك، ولكن أخبر بأن صلاتها في بيتها أفضل. ورد في بعض الأحاديث: { صلاة المرأة في مسجد قومها أفضل من صلاتها في المسجد الجامع، وصلاتها في رحبة بيتها أفضل من صلاتها في مسجد قومها، وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في رحبة البيت } ؛ يعني في ملحقات البيت وفي التوسعات التي في البيت. فكانت تلك المرأة تتحرى أظلم منزل ومكان في بيتها فتصلي فيه حرصا على التستر، ولما أرخص للمرأة أو للنساء أن يصلين في المساجد قال: { وليخرجن تفلات } ؛ أي إذا خرجت إلى المسجد خرجت في ثياب بذلة فلا تخرج في ثياب حشمة، ولا في ثياب جمال، ولا تتجمل أمام الرجال إذا خرجت، ولا تتعطر. ولا تبدي شيئا من حليها أو من زينتها التي تتزين بها؛ بل تخرج تفلة؛ أي شعثة في ثياب بالية حتى لا تلفت الأنظار، وكذلك لا تكون مشهورة بجمال أو نحوه مما يفتتن به الرجال؛ كل ذلك محافظة على صيانتها وصيانة لكرامتها. |