العفو والتسامح

ثم نقول: إن هذه المقاطعة بينك وبين أصهارك ذنب كبير، لا يحق لك أن تقاطعهم، بل لا تقاطع أية مسلم، المسلم الذي يشمله اسم الإسلام، إذا أساء إليك فأحسن إليه، وإذا سبك فامدحه، وإذا ظلمك فاعف عنه، وإذا أخطأ عليك فلا تخطئ عليه، حتى تكون بذلك صديقا، وحتى يعرف خطأ نفسه. اقرأ قول الله تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } أي: التزم بالعفو، اعف عمن ظلمك، اعف عن أقاربك، وعن المسلمين، ويقول الله تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } . فإذا كان الإنسان قد بخسك حقك، أو أساء إليك؛ فإن عليك أن تغاضى عنه، وتأتي إليه وتقول: عفا الله عما سلف، عفا الله عنا وعنك، لا موجب لهذه المقاطعة، لا يجوز لنا أن نتهاجر، إذا كنت قد أخطأت علي؛ فإني أتغاضى عن خطئك، وأعفو عنك، لأن الله تعالى أمر بمؤاخاة المسلمين، وسيما الذين لهم قرابات فيما بينهم، أمر بذلك في قوله: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } فأنت أسأت، ولكن أعفو عن إساءتك، أو أعذرك بأنك مجتهد، واعذرني إذا كنت قد أخطأت إليك، واطلب مني ما تريد، فإذا فعلت ذلك؛ انقلبت العداوة صداقة، بدل ما كان يبغضك، يحبك، ويقول: هذا من الذين يعفون عمن ظلمهم، أو يجعلون المظلمة إحسانا، أنا الذي ظلمته، وهو مع ذلك أحسن إلي. كذلك إذا هجرك؛ فلا تهجره، إذا حرمك؛ فلا تحرمه، ولو كان من أطراف المسلمين. تأمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم { أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك } . الأمانة التي ائتمنت عليها؛ لا تخن فيها، وإذا كان صاحبها قد خان أمانة لك؛ فلا تخنه، بل اعف عنه وأد إليه أمانته، إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، فبهذا تزول العداوات بين المسلمين سيما الذين لهم قرابة، خصوصاً الأولاد، والأعمام، وأبناء العم، وأبناء الخال، وكذلك إخوة الزوجة، وأقاربها ونحوهم، قربهم الله جعل لهم حقاً. هذه القرابة تستدعي أنك تعترف لهم بحقهم، وكذلك أيضا على الإنسان أن ينصف من نفسه، إذا كان عنده حق؛ فإن عليه أن ينصف من نفسه، وأن يعترف بما عنده؛ فتأتي إلى صاحب الحق، وتقول إني أنا الذي أخذت مالك، أنا الذي خنت أمانتك، أنا الذي ضربت ولدك، أنا الذي أسأت جوارك؛ فانتقم مني، اطلب مني ما تريد، أتريد أن أمكنك تضرب، أو تقتل أو تأخذ المال اطلب من المال ما تريد، لعله بذلك يزول ما في قلبه. وكذلك يجب على المسلم أن يكون ناصحا لإخوانه، ولا يجوز له أن يسعى في إضرارهم، ولا أن يحسدهم على ما أعطاهم الله، ما أعطاهم ربنا سبحانه وتعالى، وما خولهم فهو الذي يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، فإذا كان أخوك في نعمة؛ فاغبطه بها، وهنئه بها، وقل هنيئا لك ما رزقك الله من المال هنيئا ما رزقك الله من الأولاد الذين سخرهم الله تعالى لك، وما أشبه ذلك، لعله بذلك يطمئن ويعرف أنك تحبه، وأنك توده، بهذا يكون الإنسان قد سعى في الصلح. من أسباب القطيعة وإفساد ذات البين ويقول: لما أمر بإصلاح ذات البين قال: ألا أدلكم على ما يرفع الله به درجاتكم أو كما قال: { إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين } يعني إذا كان بينك وبين إخوتك شيء من النفسانية، أو من البغضاء، أو نحو ذلك فاحرص على الإصلاح فيما بينك وبينهم، وإياك أن تمادى معهم، وأن تهجرهم، أو تحسدهم أو تقول: إنهم ظلموا، وإنهم أساءوا. لا شك أن هذا من الظلم الذي لا يجوز إقراره، ولا يجوز للإنسان أن يتمادى معه، بل عليه أن يأتي إلى أقاربه، ويعطيهم حقهم، فالله تعالى قد جعل لهم حقاً مع الحقوق العشرة . في القرآن في سورة النساء آية تسمى آية الحقوق العشرة بدأ الله تعالى فيها بحقه، ثم بحق الوالدين، ثم بحق ذوي القربى، في قول الله تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فبدأ بحق الله وهو التوحيد، وثنى بحق الوالدين وثلث بحق الأقارب، فلا يجوز للإنسان أن يمنع أقاربه حقهم.