ولا شك أن لنا فيهم أسوة : أولا أن نقبل دعوتهم ، وثانيا أن نعمل بها ، وثالثا أن ندعوا إلى ما دعوا إليه ونشهد أنهم قد بلغوا ما أنزل إليهم ، فعليهم البيان وعليهم البلاغ ، فأما القبول فمعلوم أن دعوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كافية وأن من عمل بها فإنه يعتبر قد عمل بدعوة الرسل كلهم ، لأن دعوتهم كلهم متفقة على البداءة بتوحيد اللَّه ، كل دعوتهم متفقة على توحيد اللَّه تعالى وعلى الإخلاص له هكذا جاءت دعوة الرسل . وإذا صدقناهم في ذلك علمنا بأنهم صادقون وأن ما دعوا إليه صحيح ، وأنها دعوة صحيحة وهي الدعوة إلى معنى لا إله إلا اللَّه، والدعوة إلى توحيد اللَّه تعالى والدعوة إلى الإخلاص ، إخلاص العبادة له وترك عبادة ما سواه بأي نوع من أنواع العبادة ، فهكذا نقبلها كذلك أيضاً نصدقهم نشهد بأنهم صادقون ، أن رسل اللَّه تعالى صادقون مصَدَقون وأن كل ما بلغوه فإنه حق على حقيقته ، وأنه دين اللَّه وأنه الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه ، أنه الدين الصحيح نشهد بأن دعوتهم تضمنتها كتبهم . وورد في بعض الأحاديث أن اللَّه تعالى أنزل مائة كتاب وأربعة كتب ، وأن الأربعة الكتب هي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن ، تضمنت معنى ما في تلك الكتب المائة ، وأن القرآن نسخ الكتب التي قبله التي هي التوراة وغيرها ، وأن العمل بما فيه هو المرجع ، وأن دعوة الرسل كلهم تدور حول آية واحدة من سورة الفاتحة وهي قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فإنها متضمنة للتوحيد أو لنوعي التوحيد { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } هذا توحيد الألوهية { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } هذا توحيد الربوبية . فإذا عرفنا ذلك عرفنا أن هذه الآية عليها مدار دعوة الرسل كلهم يدعون إلى تحقيق { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } أي لا نعبد غيرك ولا نستعين بسواك بل أنت ربنا وأنت المستعان وبك المستغاث ولا حول ولا قوة إلا بك ، هكذا تكون دعوة الرسل إلى إخلاص الدين لِلَّه تعالى. |