والواقع يشهد لذلك، فإن الإنسان كل ما كان غذاؤه حلالا، وكل ما كان مستقيما على طاعة ربه فإنه يكون مجاب الدعوة، وقع في القرن الماضي في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله ذكر رجل في بعض القرى مجاب الدعوة، إذا قرأ على مريض شُفي بإذن الله لأول مرة، وكذلك إذا دعا الله أجيبت دعوته، فتعجب من أمره وأمر بإحضاره إليه، فلما جاء إليه وقدموا له فنجان قهوة لم يقبل، أو تمرات لم يقبل وقال: إن غذاء بيت المال فيه شبهة. أو ما أشبه ذلك فسئل: لماذا لا تأكل؟ فقال: لا أتغذى إلا بشيء من كسب يدي ومن عرق جبيني. ذكر أن والده قبل أن يموت حرث له بقعة أرض وأخرج ماءها، وجعل فيها شجرات يتغذى منها، وجعل فيها أيضا شيئا من الدواب يحرث عليها، ولما مات قال: يا ولدي هذه البقعة وهذه المزرعة وهذه الشجرات من كسب حلال من كسب مباح ليس فيه أية شبهة فلا تأكل إلا منها. يقول: فأنا متغذ منها مأكلي ومشربي لا أقبل شيئا من غيرها. فلما علم بذلك المشائخ عرفوا أن هذا هو السر في إجابة دعوته، وأنه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في أن الأكل الحلال من أسباب إجابة الدعوة ولذلك روي أن { سعد بن أبي وقاص قال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة. فقال: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة } . هكذا أمره وهذا أيضا ظاهر في كثير من الزهاد الذين اقتصروا على الأكل الحلال، على كسبهم وعلى كد أيمانهم، فهناك كثير من الزهاد الذين اقتصروا على كسبهم بأيديهم فلا يأكلون إلا الأكل الحلال الذي لا شبهة فيه، الذي هو كسب أحدهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: { إن أطيب ما أكل الرجل من كسب يده، وإن داود عليه السلام كان يأكل من كسب يده } أي مما كسبه بيده وبعرق جبينه، فإذا كان كذلك فإنه في الغالب يكون مجاب الدعوة، ويكون مقبول العمل، ويكون سعيدا في دنياه، يعيش عيشة هنيئة، يعيش في رخاء، ولا يكون عنده شيء مما يكدر عليه صفو حياته، وهذه سنة الله تعالى في خلقه كما هو الواقع. ذكر لنا بعض الإخوة عن أحد الزهاد وأحد العلماء الذين تُستجاب دعوتهم، قالوا: كان رحمه الله يقرأ على المريض، إذا أتي بكأس أو بقدح فيه شيء من الماء يقرأ فيه نفث فيه نفثات قليلة فطاش ذلك الإناء وامتلأ من آثار تلك الرقية، التي كانت من إنسان مخلص في دينه، عالم في دينه، رِزقه حلال، لم يَشُبه بشيء من الحرام. |