السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يجب على المسلم أن يخلص عبادته لربه سبحانه وتعالى، وأن يتعلق قلبه بربه، وأن يصد بقلبه وقالبه عن ما سوى الله تعالى؛ وبذلك يحفظه ربه سبحانه ويحرسه ويحميه ويكلؤه ويعيذه من الشرور، وييسر له الخيرات ويدفع عنه أسباب الهلكات. ومناسبة موضوعنا الذي نتكلم عنه -كثرة السحرة والمشعوذين والكهنة وخدمة الشياطين، وعباد مردة الجن ونحوهم ممن يخدمون الشياطين ويعبدونهم من دون الله؛ حتى أضروا بالمسلمين وحتى أوقعوا بهم هذه الوقائع. فلذلك اختير هذا الموضوع، فنتكلم فيه: أولا- عن حقيقة السحر. ثانيا- عن وسائل السحرة، وأسباب وصولهم إلى هذا الأمر. ثالثا- عن أضرارهم وآثارهم في المجتمعات. رابعا- عن حكمهم في الإسلام وما يعاقبون به. خامسا- عن التحصن عنهم، والاحتراز عن أضرارهم، وكذلك علاج ما وقعوا فيه مما يسمى بالنشرة أو العلاج والوقاية. فنقول: أولا- حقيقة السحر كما ذكر العلماء أنه في اللغة: عبارة عما خفي ولطف سببه. ومنه سمي آخر الليل سحرا، ومنه تسمى الرئة لرقتها "سحر" في قولهم: "انتفخ سحره". تعريف السحر أنه عقد ورقع وأعمال شيطانية يتوصل بها الساحر إلى ما يريده. فمنها ما يقتل ومنها ما يمرض ومنها ما يفرق بين المرء وزوجه. والصحيح أن له مفعولية، وأن له حقيقة، وأن له ضررا ظاهرا يظهر في أعمال من عمله من السحرة. وقد أنكر بعض المعتزلة علماء المعتزلة أنكروا حقيقته، وادعوا أنه خيالات، وأنه شعوذة لا حقيقة له؛ ولكن جمهور العلماء على أن له حقيقة، وأنه يؤثر في النفوس، ويؤثر في الأبدان، ويؤثر في المجتمعات؛ ولكن لا يكون إلا بإذن الله تعالى. نزل فيه قول الله تعالى عن اليهود: { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } والقصة في اليهود. ذكر الله تعالى أنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين ؛ يعني ما تقرؤه وما تعمله الشياطين { عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } ؛ حيث اتهموا سليمان بأنه ساحر؛ وذلك لأن الله تعالى سخر له { الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ } وسخر له { وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ } ؛ فقالوا: إن سليمان ساحر، ليس هو نبي، فنزهه الله تعالى عن ذلك. وأخبر بأن الشياطين هم الذين كفروا، وأن كفرهم أنهم يعلمون الناس السحر؛ أي يعلمون الناس ما كانوا فيه، أيضا ما كانوا يعملونه من هذا السحر، ثم حكم عليهم بالكفر بذلك بقوله: { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } وهذا دليل على أن السحر من عمل الشياطين، فالساحر في الحقيقة عبد للشيطان وعابد له ومتقرب إليه؛ حتى يساعده على عمل السحر كما سنذكر ذلك بعد قليل. وقد حكى الله عن فرعون وقومه أنهم اتهموا موسى بأنه ساحر؛ وذلك لما جاءهم بآيات معجزات. لما أن عصاه انقلبت حية تسعى، ويده العادية انقلبت بيضاء تتلألأ كأنها قطعة قمر فاتهموه بأنه ساحر، قال تعالى عن فرعون { قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } . فأمروه أن يؤخره، وأن يجمع السحرة، وأن يأتي بالسحرة أجمعين حتى يلقوا سحرهم ويغلبوه: { فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ } فحكى الله عنهم أنهم { فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ } حكى الله عنهم أنهم ألقوا ما عندهم { وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } وأن موسى خاف { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً } فثبته الله تعالى، { فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } . فلما فعل ذلك عرف السحرة أنه ليس سحر، وأنه أمر رباني فاهتدوا وخروا سجدا كما حكى الله عنهم { فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } ؛ فهذه أدلة على أن هناك حقيقة للسحر، وأنه يمكن أن الساحر يغير الحقائق، ويصرف الإنسان عما كان عليه؛ ولذلك قال تعالى: { فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } دليل على أن السحرة يتعلمون ما يفرقون به بين المرء وزوجه، ويسمى هذا صرفا وعطفا. فالصرف هو التفريق بين المتحابين. والعطف هو زيادة الحب الزائد عن قدر الحاجة. فنعرف بذلك أن هذا دليل على أن للسحر حقيقة. كذلك قد أمر الله بالاستعاذة منه، قال تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَد } { النَّفَّاثَاتِ } السواحر لأن الساحر والساحرة إذا عزم على فعل السحر اجتمعت نفسه الشريرة ثم لابسه شيطانه، ثم أخرج من جوفه ريحا وريقا ممتلئا بذلك الشر، وعقد عليه بذلك الخيط؛ مما يكون سببا للإضرار بمن يريد أن يضره؛ ليكون ذلك مؤثرا فيمن يريد إضراره بهذا السحر. لا شك أن هذا كله من عمل الشياطين، من عمل مردة الجن الذين يساعدونه على مثل هذا. |