فإذا عرفنا ذلك منهم، فبعد ذلك نعرف حكمهم، وكيف يعاملون به. لا شك أن هذا العمل الشيطاني يعتبر كفرا؛ والدليل قول الله تعالى: { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } دل على أن كل من علم السحر وتعلمه فإنه يكون كافرا. وكذلك قول الله تعالى: { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } ؛ أي فلا تتعلم السحر فتكون كافرا، ينصحانه عن التعلم، فهذا دليل على أن من تعلمه فإنه يكون كافرا. وكيف يكون كافرا مع أنه قد يدعي الإسلام؟! الجواب أنه عصى الله تعالى وعبد غيره. إذا عرفنا أنه يترك الصلاة أياما؛ حتى تخدمه الشياطين أليس هذا كفرا؟ إذا عرفنا أنه يذبح لغير الله، ويذبح باسم غير الله؛ ولو كان ذبحه عصفورا مثلا أو دجاجة أو سخلة أو بعيرا فإن من ذبح لغير الله فقد أشرك { لعن الله من ذبح لغير الله } أليس هذا الذبح يعتبر كفرا؟ بلى. إذا عرفنا أيضا أنهم يألفون النجاسات، يلطخون أبدانهم وثيابهم بالأوساخ والأقذار والنجاسات ثم يلابسونها. ولو صلوا بهذه الحال ما قبلت صلاتهم، أليس هذا كفرا؟ وهو التلطخ بالنجاسات والقاذورات والدماء وما أشبه ذلك؟ لا شك أن هذا من الكفر. إذا عرفنا أنهم يدعون الشياطين ويعبدونهم بعد التقرب إليهم، فلا شك أن هذا أيضا كفر وشرك. فإن الساحر يسخر له عدة من الشياطين ومن مردة الجن؛ حتى قد يسخر مائة جني أو ألفا أو أكثر أو أقل؛ بحيث أنه إذا أراد أن يضر أحدا يقول لواحد منهم: تلبس بفلان، أو تلبس بفلانة. فإذا تلبس ذلك الجني بإنسي، أو بجسد إنسي صعب بعد ذلك تخليه وعلاجه؛ إلا أن يأذن له ذلك الشيطان بالخروج منه. فهذا بلا شك من عمل الكفر؛ يعني كونهم يعبدون الشياطين. عبادة الشياطين هي من عبادة المشركين، قال الله تعالى: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } فهؤلاء يعبدون الشياطين، ومن عبد الشيطان أو عبد غير الله فإنه مشرك، وكل من عبد غير الله فما عبد سوى الشيطان. فالحاصل أن هذا يدل على أنهم عملوا شركا، وعملوا كفرا، فيحكم بذات كفرهم. والأدلة واضحة، نذكر بعضا منها. من ذلك قول الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ } الجبت فسر بأنه السحر. { وَالطَّاغُوتِ } الكاهن. والكاهن أيضا عبد للشياطين، ويعتبروا من السحرة. فذكر الله أنهم { يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ } وهذا ذم لهم أن يصدقون بالسحر ويصدقون بالشيطان ويصدقون بالكهنة، ويطيعونهم، فذمهم بهذا؛ أي بعملهم وبطاعتهم لهؤلاء الشياطين. وهكذا عبادة الطواغيت، في قول الله تعالى في حكايته عن اليهود ونحوهم أنه يقول: { وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ } ؛ أي وجعل منهم من عبد الطاغوت، والطاغوت هو الشيطان. وعبادتهم له طاعتهم له، وتقربهم إليه. فدل ذلك على أن من عبد الطاغوت يعني أطاعه وتقرب إليه فإنه يعتبر كافرا حلال الدم والمال. ومن الأدلة أيضا: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جعل السحر من الموبقات، في الحديث المشهور قوله صلى الله عليه وسلم: { اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات } فإن هذا دليل على أنه من السبع الموبقات أي من المهلكات. وما ذاك إلا أن الله تعالى حكم على من يتعاطاه بأنه كافر كما في هذا الآية: { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } . وأما حكمهم وما يعاملون به؛ فإنهم يحكم بأنهم كفرة. ولا شك أن الكافر هو الذي كفر بوحدانية الله وكفر بعبادته وكفر بطاعته وكفر بحقوقه على العباد؛ فلذلك يحكم عليه بالقتل إذا تحقق ذلك عنه، ويحكم على من اتبعهم وأطاعهم وقلدهم بأنه أيضا كافر. تكاثرت الأحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم على من أتى الكهان بالكفر، قال صلى الله عليه وسلم: { ليس منا من تكهن أو تكهن له، أو تطير أو تطير له، أو سحر أو سحر له. ومن أتى كاهنا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم } ومعنى قوله:"ليس منا"؛ أي ليس من المسلمين { ليس منا من تكهن } ؛ أي من تعاطى الكهانة، وليس منا من سحر؛ أي من عمل السحر، أو أمر بأن يعمل له السحر فليس بمؤمن، وليس من المؤمنين حقا الذين يصدقون بالله وبما جاء عن الله ويعبدونه تعالى حق عبادته. والكاهن هو الذي يخدم أيضا الشياطين ويطيع الشياطين؛ حتى تنزل عليه الشياطين وتخبره بالأمور المغيبة. ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: { إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة، أو قال: رعدة شديدة خوفا من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله بوحيه بما شاء. ثم يمر جبريل على الملائكة، فيقولون: ماذا قال ربنا؟ فيقول: قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع } . ومسترق السمع هكذا، وصفه سفيان بكفه فحركها ومدد بين أصابعه، فيسمعها فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته؛ حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة؛ يعني أن السحرة والكهنة يعتمدون على أخبار الشياطين التي تسترق السمع، وكذلك مردة الجن؛ وإلا فإن الساحر آدمي لا يعلم الغيب، وكذلك الكاهن لا يعلم الغيب. فمن الذي أدرى هذا الساحر أو الكاهن بأن السحر الذي عمل في المكان الفلاني؟! ما أخبره إلا شيطان. وكذلك كيف يعرف هذا الساحر أن فلانا سيصيبه مرض بسبب كذا وكذا؟! ما أخبره إلا شيطان. يمكن أن الشيطان اختطف الكلمة من الملائكة التي كانت تتكلم في الغمام، والتي تتكلم بما أخبر الله تعالى من الحوادث التي تحدث في المستقبل، فشيطان ذلك الساحر أو الكاهن سمع هذه الكلمة من وليه من الشياطين قرقرها في أذنه فبعد ذلك أخبر بها. يقول الله تعالى: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } ؛ أي يتلقون ويتلقفون السمع من الملائكة؛ حتى يلقوها على لسان الساحر أو لسان الكاهن، وذلك الساحر أو الكاهن يخبر بها؛ فيظن الناس أنه صادق وأنه يعلم الغيب، وأنه يعرف الأماكن التي فيها كذا وكذا، وما هو إلا يعتمد على أخبار الشياطين التي تسترق السمع. ولا تخبره كما قلنا إلا بعدما يطيعها وبعدما يخدمها وبعدما يتقرب إليها؛ فبذلك يحكم عليه بأنه كافر ومشرك؛ ولذلك يستحق أن يقتل. ورد في الحديث في قصة عن جندب الخير أنه دخل على بعض الأمراء وعنده ساحر، وذلك الساحر يقطع رأس إنسان وهم ينظرون؛ حتى يبقى رأسه منقطعا لا يتعلق إلا بحنجرته، ثم بعد ذلك يعيد رأسه، والناس ينظرون. وهذا من الشعوذة وذلك لأنه يلبس على أعين الناس، وهذا من عمل الشياطين، معنى أن الشيطان يخيل إلى أعين الحاضرين أنه يعمل هذه الأعمال التي يعجز عن جنسها الإنسان، وتسمى هذه شعبذة أو شعوذة. ومثله أيضا حكايات كثيرة يتوصل بها هؤلاء السحرة ونحوهم إلى فتنة الناس، وإلى إيهامهم أن عندهم قدرة، أن عندهم قوة، وأنهم وأنهم؛ فلذلك لا يتحصن عنهم إلا ذكر الله تعالى والاستعانة به. وأمثلة هذا العمل كثيرة، فقد ذكر أحد الإخوة أنه كان معه نقود في جيبه، فجاءه أحدهم فألقى يديه على صدره، وقال له: عندك لي نقود وعندك لي دراهم. فقال: ما أعرفك. فخلا أمره، ولما تفقد جيبه وإذا هو قد اختلسها؛ بمعنى أنه غيب عينيه عنه؛ حتى تمكن من أخذ هذه الدراهم واختفى بها، ولا يعرف كيف اختلسها. وهكذا أيضا آخر كان يمشي في السوق، وكان في جيبه أو على جنبه نقود في كيس، أبصره بعضهم، فجاء إليه وألقى عليه ما يغمه، فسقط ذلك الإنسان واتكئ على سيارة واقفة، فاختطفها من جنبه وهو لا يشعر؛ بمعنى أنه عمل معه الشيطان ما أغماه وأوقعه في حيرة. وكذلك آخر لقي بعضا من هؤلاء المشعوذين ومعه خمسون ريالا ورقة واحدة، فقال: أحب أن تحولها لعشرات فإني بحاجة. أخرج ذلك الإنسان معه ألف ريال من فئة العشرة، وقال: أعطني آخذ منهم. فأخذ منها وهم ينظرون خمس ورقات، ولما ردها إليه وإذا لم يبق منها إلا مائة أو مائة وعشرون أخذها وهم ينظرون، ولم يحسوا بنظره. لا شك أن هذا من عمل هؤلاء المشعوذين. كيف يتوصلون إلى ذلك؟! الشيطان الذي يلابسهم يغمي على أعين الناظرين حولهم، وإذا أغمى عليهم لم يشعروا بما أمامهم من الحقائق؛ فلأجل ذلك ينتبه المسلم ويتحصن عن مثل هؤلاء؛ حتى لا يشعوذوا ويشعبذوا على عينيه بما له حقيقة. ورد في حديث جندب الذي ذكرنا أنه دخل في اليوم الثاني على ذلك الساحر، ولما قرب منه كان قد اشتمل بالسيف، واستعاذ بالله بمثل قوله: { أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق ومن شر شيطان وهامة ومن شر عين لامة ومن شر مخلوقات الله كلها عامة } فلما قرب من ذلك الساحر شهر سيفه وقتله وقطع رأسه وهم ينظرون، وقال: احم نفسك إن كنت صادقا. فعلم بذلك أن أعمالهم إنما هي شعبذة وتخييل كما حكى الله تعالى عن سحرة فرعون في قوله تعالى: { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } فهذا من سحر التخييل؛ أي يخيل إلى الناظر الأشياء التي ليست حقيقية. يقع أمثلة أيضا مشهورة، يجتمع الناس وينظرون فيتعجبون؛ حتى ذكر بعضهم أن الساحر ونحوه يجر السيارة بأسنانه، يلقي فيها أو يربطها بخيط ثم يجرها بأسنانه بذلك الخيط، أو أنها السيارة مع كبرها يبسط ذراعه وتمر على ذراعه ولا تكسر ذراعه؛ مع نحولة ذلك الذراع. وكذلك أمثلة كثيرة من أعمال هؤلاء. ورد أيضا قتل الساحر عن جماعة من الصحابة؛ فذكر أن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها كان عندها مملوكة لها، وقد علقت عتقها بالموت؛ إذا مت فأنت حرة. ثم إن تلك المملوكة عملت لها سحرا تريد أن تموت بسرعة؛ حتى تتحرر، فكان مما أصابها أصاب حفصة شيء من المرض، فعولجت وعرف بذلك أن هذا من أثر هذه الجارية، فقالت: كيف عملت هذه؟! فقالت: أريد أن تموتي حتى أن أعتق. فأمرت بها فقتلت، قتلت تلك الجارية الساحرة بأمر أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها. في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: { كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. يقول: فقتلنا ثلاث سواحر بأمر عمر رضي الله عنه } . فهؤلاء ثلاثة من الصحابة ثبت عنهم قتل الساحر جندب الذي قتل ذلك الساحر. وحفصة أمرت بقتل تلك الساحرة. وعمر أمر بقتل كل ساحر وساحرة. ولا شك أن قتلهم؛ لأنهم مفسدون في الأرض. فنقول: إذا عرفت أن فلانا ساحر أو فلانة، واشتهر عنه أن الناس يأتونه لعمل السحر فلا تكتموا عليه؛ بل عليكم أن تدلوا عليه؛ حتى يقام عليه الحد الذي ذكر في هذا الأثر، حد الساحر ضربه بالسيف، أو ضربه ...لو أصر على هذا العمل الشيطاني. |