كذلك لا بد أن هناك أسبابا للزيغ، وإن من جملتها هذه الفتن التي كثرت في هذه الأزمنة وتمكنت وانتشرت -زاغت بها القلوب، وانحرف بها كثير من الفطر، وتغيروا عن الاستقامة، وضلوا عن سواء السبيل؛ ولذلك ثبت في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة لأصحابه: { استعيذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. فقالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن } الفتن هي المحن؛ سواء كانت فتن الشبهات، أو فتن الشهوات. ولا شك أن ما يذاع في هذه الأزمنة بواسطة القنوات الفضائية أنه يشتمل على الأمرين: على فتن الشبهات، وعلى فتن الشهوات. معلوم أن تلك القنوات تأتي إلى هذه البلاد وإلى غيرها من بلاد المسلمين من كفرة مشركين ضلال حسدة يحسدون المسلمين على ما هم فيه من هذا الخير ومن هذه الاستقامة ومن هذا الدين الحنيف. علموا أن الله تعالى نصرنا وآوانا وأيدنا لما تمسكنا بديننا، ولما حققنا الإيمان والإسلام، وعبدنا الله تعالى حق عبادته، وتركنا عبادة ما سواه، وأخلصنا الدين لربنا سبحانه وتعالى، ونزهنا شهواتنا وبطوننا وفروجنا عن المحرمات، وتقربنا إلى الله تعالى بأنواع القربات. فلما تمسك المسلمون بهذا الدين حق التمسك؛ نصرهم الله، وأيدهم وقواهم، وأذل أعدائهم، وخذل كل من ناوأهم، فكان سبب النصر وسبب التمكين هو هذا الإسلام وهذا الدين القويم، فحسدنا أولئك الأعداء، وأضمروا لنا العداوة، فعند ذلك بثوا هذه الدعايات التي هي من أكبر الفتن، بثوها فيما بين المسلمين؛ حتى يخففوا من تمسكهم بدينهم؛ وحتى لا يبقى معهم من الإسلام ما ينتصرون به. فعند ذلك يصير المسلمون لقمة سائغة لأولئك الأعداء الذين يحسدونهم قال الله تعالى: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ } ؛ يعني ما آتاهم الله تعالى من الخير والفضل، ويقول الله تعالى عن اليهود: { حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } فهم يحسدون المسلمين على هذا الدين. فإذا عرفنا ذلك فإن علينا الحذر من هذه الدعايات. دعاياتهم التي يفتنون بها المسلمين أنواع كثيرة، فمنها دعايتهم على ألسن الدعاة الذين يرسلونهم، فهم يرسلون من يسمونهم بالمبشرين الدعاة إلى التنصير وإلى التهود وإلى التشيع وإلى وإلى من الأديان والعقائد الباطلة. هؤلاء علينا أن نأخذ الحذر منهم. كذلك أيضا من وسائلهم صحف ينشرونها وكتب يطبعونها؛ مشتملة على الشرور والمنكرات، مشتملة على ما يفتن المسلم في دينه وفي عقيدته وفي أخلاقه، إذا انهمك فيها المسلمون فعلى الأقل أن يتمنوا تلك الشهوات، أو تخف عندهم الديانة الإسلامية. كذلك أيضا من وسائلهم التي يفتنون بها المسلمين هذه الإذاعات مرئية ومسموعة. لا شك أنهم ما قصدوا بها إفادتنا، ولا قصدوا بها تعليمنا، ولا قصدوا بها تثقيفنا؛ وإنما قصدوا إضلال المسلمين، وتهوين أمر العبادة عندهم، ودعوتهم إلى الشرور وإلى الانهماك في المحرمات. فإنك إذا نظرت إلى هذه الإذاعات المرئية التي تأتي بواسطة القنوات الفضائية وما أشبهها، وكذلك الإذاعات الصوتية -لا تجد فيها خيرا لا دنيا ولا دينا، فلا تجدهم يمدحون فيها المسلمين الأولين، ولا يذكرون أفعال المسلمين، وعلماء الأولين وأبطالهم وشجعانهم، وكيف انتصروا، وكيف جاهدوا، وكيف فتحوا البلاد ودوخوا العباد، لا يذكرون شيئا من ذلك؛ وذلك لأن فيه شيئا من تشجيع المسلمين على دينهم، والتمسك به.كذلك أيضا لا يذكرون فيها شيئا مما وصلوا إليه؛ فلا تجدهم يبثون تعليمهم لهذه الصناعات التي صنعوها. ما يبثون في دعاياتهم وفي إذاعاتهم المرئية كيفية تعلم لأية صناعة، هل تجد أنهم نشروا كيفيه صنعة هذا الجهاز الذي هو من أصغر الأجهزة؟! لا يذيعون ذلك، ولا يتكلمون فيه. ولا يذيعون تعليم صناعاتهم للطائرات، ولا للسيارات ولا للدبابات، ولا للقنوات كيف توصل الأمر إلى كذا وكذا، ولا يذيعون تعليم أحد كيفية صنعة من الصناعات التي يختصون بها. لا شك أن ذلك لو علَّموه لشاركهم الناس في ذلك، وتعلَّموا وصاروا مثلهم؛ ولكن من المعلوم أنهم ما أرادوا نفع الأمة الإسلامية وإنما أرادوا إضلالها. مما يذيعونه في هذه الإذاعات التشكيك في المسلمين، وذكر أن الإسلام الحق هو الذي أخرهم، وهو الذي شغلهم، فهم يمدحون مفكريهم وعلماءهم الذين اخترعوا والذين ابتدعوا والذين صنعوا، وأنهم فعلوا وفعلوا، وأن المسلمين جهلة لا يعرفون شيئا، وأن الذي أخر المسلمين هو دينهم، وهو علومهم التي يتعلمونها في باب العقائد وفي باب الأعمال، وفي باب الأحكام وفي باب الآداب، وما أشبهها. في نظرهم أن هذه العلوم شغلتنا عن التقدم الذي يزعمونه، ولقد انخدع بهم كثير من شبابنا سيما الذين يتابعون هذه الإذاعات مرئية أو مسموعة، أو الذين سافروا إلى تلك البلاد، ورأوا تقدمهم الصناعي وما وصلوا إليه من الاختراعات؛ فتوهموا أن المسلمين ضعفاء وأن الذي أخرهم وأن الذي منعهم من أن يصلوا إلى ما وصل إليه أولئك الكفار -هو اشتغالهم بالعبادات، واشتغالهم بعلم الحلال والحرام، وما أشبه ذلك. هذه أفكارهم، انخدع بها كثير عندما رأوا هذه الأعمال التي عملها أولئك الكفار؛ فظنوا أن المسلمين ضعفاء لا يقدرون على أن يصنعوا إبرة أو مخيطا أو عود كبريت أو نحو ذلك، وأنهم يصيرون عالة على غيرهم، وأن الذين غيرهم هم الذين فعلوا وفعلوا؛ فيقع الشك في كثير من المسلمين، يقعون في حيرة وفي تردد وفي ريب يترددون في ريبهم. لا شك أن هذا من أسباب تتبعهم لهذه الأخبار ونحوها. ونحن نقول: لا شك أن ديننا الحنيف ما حرم علينا أن نتمتع بما أخرج الله تعالى لنا مما هو على هذه الدنيا، ولا نهانا أن نتعلم مما على الأرض ما ننتفع به؛ بل أمرنا بالتعلم لأمور الدين ولأمور الدنيا التي نستطيعها، وحثنا على ذلك، والأدلة على ذلك كثيرة لا حاجة إلى أن نذكرها. فإذا عرف المسلم خطر هذه الإذاعات على عقيدته فإن عليه أن يتجنبها؛ حتى يسلم له قلبه، وتسلم له عقيدته وديانته، ولا يقع فيما وقع فيه أولئك الشُكَّاك، وأولئك المرتابون الذين تخلوا عن دينهم -والعياذ بالله. نشاهد وتشاهدون، ونسمع الكثير من الذين كانوا على الاستقامة، وكانوا على الدين الحنيف، وكانوا يعبدون الله ويسابقون إخوانهم إلى حلقات العلم وإلى المساجد وإلى العبادات وإلى الصدقات وما أشبهها؛ فمجرد ما أنهم وقعوا فيما وقع فيه أولئك من تتبع تلك الأخبار انتقصت أو انتقضت عقيدتهم. فذكر لنا أو رأينا قبل نحو ثلاثين سنة رجلا كان ملازما للمسجد عاكفا فيه لا تفوته صلاة؛ مع أنه مسن -تزوج امرأة أجنبية، ففرضت عليه أن يأتي بهذه الأجهزة التي تزعم أنها تترفه بها، وأنها تتمتع بالنظر إليها؛ مع أنه ما ليس له أولاد. فبمجرد ما أدخل هذه الأجهزة عكف هو وتلك المرأة عليها، ثقلت عليه بعد ذلك العبادة، فصار لا يصلي صلاة الصبح، ثم ثقلت عليه بعد ذلك العبادة، فصار لا يحضر صلاة الجماعة، وفعل ما فعل بعدما كان مستقيما. لا شك أن هذا من أسباب هذه الأجهزة التي يكيد بها أعداء الإسلام. والأمثلة على ذلك كثيرة، كذلك أيضا. هذا من فتن الشبهات، وهي كثيرة. ذكرنا أنهم يشبهون على المسلم، فيزهدونه في الطاعة، ويرغبونه في المحرمات؛ فيقولون له بواسطة هذه النشرات أو بواسطة القنوات: إن لك أن ترفه عن نفسك، وإن لك أن تتمتع بمتع هذه الحياة الدنيا، فلا تبخل على نفسك، أعطها شيئا من لذتها وشهوتها. إذا مالت إلى سماع أغنية فلا تحرمها، إذا مالت إلى رؤية صورة حسنة فلا تمنعها، إذا مالت نفسك إلى راحة نفسية ولو ترتب عليها فوات طاعة فلا تمنعها، لنفسك -كما يقولون- عليك حقا، أعط نفسك ملذاتها. هذه الشهوات وهذه المتع الدنيوية ما خلقت إلا لك، أنت مأمور بأن تتمتع منها بما تريد، فلا تحرم نفسك لذتها. هكذا يقولون ويكررون، كلما نُصِحُوا رفعوا مثل هذه الكلمات التي يبررون بها مواقفهم؛ فعلينا أن نحذر مثل هذا. كذلك أيضا فتن الشهوات وما أكثرها؛ فإنها مما تميل إليها النفس. النفس مثلا تميل إلى ملذاتها وإلى شهواتها، فالعين تشتهي، والأذن تشتهي، والفرج يشتهي، والبطن يشتهي، والنفس تشتهي، وكل ذلك من هذه الشهوات ما يجر إلى الشر، وما هو مباح. فإذا اقتصر الإنسان على الحلال والمباح، وابتعد عن الحرام؛ فإن الله تعالى يحمي عليه دينه، يحمي عليه عقيدته، يوفقه للخير، ويحميه عن الشر. وأما إذا أعطى ذلك ما يشتهي فإن الشهوة المباحة تجره إلى الحرام. فالنظر المباح، إذا نظر على الخضرة وإلى الماء الجاري فذلك مباح، وإذا نظر إلى امرأته المباحة له ونحوها كان ذلك من المباح؛ ولكن نفسه قد تدفعه إلى أن ينظر إلى النساء المتبرجات والأجنبيات؛ سواء النساء السافرات أمامه، أو صورهن التي تعرض على الشاشات، والتي ترسم في الصحائف والمجلات، فتَلْتَذ نفسه بالنظر إلى هذه الصورة الممتعة، الصورة الجميلة؛ فيردد النظر فيها، ويتأمل حسن جمالها، وحسن خلقتها. ولا شك أن هذا؛ ولو كان نظرا بالعين؛ لكن يدعو إلى ما وراءه. كذلك أيضا الأذن خلقت للسمع؛ ولكن إذا استمع بها ما ينفعه فهو خير له، وإذا استمع ما يضره فهو شر له. فكثير من النفوس المريضة تميل إلى سماع الأغاني فتَلْتَذ بالأغنية الفلانية، وبصوت الفنان الفلاني والفنانة وصاحبة الصوت الرقيق، وصاحبة النغمات الرقيقة، فلا يزال يتابع تلك النغمات، ولا يزال يلتذ بتلك الأصوات إلى أن تدفعه تلك الأصوات إلى اقتراف المحرمات. وهكذا أيضا مع متابعة هذه الأشياء التي ينظر إليها في هذه الصور، ويسمع أصوات هذه الإذاعات وما أشبهها. لا شك أنها تؤثر عليه؛ فتدفعه إلى ما وراء ذلك، تدفعه إلى اقتراف المحرمات، عندما يتابع ذلك تثور فيه الغرائز الجنسية، تثور فيه الشهوة الإنسانية؛ فتحمله إلى ما لا يباح له؛ فيقع في المحرمات، وهو قد لا يتمالك نفسه متى رأى هذه الصورة ونحوها، قد لا يتمالك نفسه. لا شك أيضا أنه يرى أشياء تفتنه وتدفع نفسه إلى فعل المحرمات، والوقائع تشهد بذلك، وربما تذكرون وقائع كثيرة وكثيرة بأسباب ذلك. فقد حكى لنا بعض الإخوة أن شابا عزبا أدخل أبوه هذه الأجهزة التي هي الدشوش، فكان يشاهد هذه الفظائع، يشاهد الرجل يواقع المرأة وهما عريانان، يشاهد المرأة عريانة ليس عليها شيء على عورتها، ويشاهد الرجل يقبل المرأة ويضمها، فلا شك أنه ضعيف التصبر، فعند ذلك طلب من أبيه، وقال: كيف التحمل على هذا؟! ليس عندي ما أستطيع أن أتحمله، فلم يكن له صبرا؛ حتى واقع إحدى أخواته والعياذ بالله. فكان ذلك من آثار عدم تحمله وصبره؛ أن واقع أخته في منزله، وكذلك أيضا أخته. في قصة أخرى أن أخا وأختا كان خاليين في بيت، فلما عرضت هذه الصور، ورأوا رجلا متجردا، وامرأة متجردة، قام ذلك الرجل فوطئ تلك المرأة، وهما ينظران صورتهما أمامهما، لم يتمالكا الأخ وأخته إلا أن انضم أحدهما إلى الآخر، وواقع أخته في ذلك المكان، وعثر عليهما أبوهما أو أمهما في هذه الحال؛ فندما على ما فعلا ذلك، وكسرا هذا الجهاز؛ ولكن بعد ما وقعا فيما وقعا فيه. وكذلك أيضا حكى لي بعض الإخوة عن امرأته التي دخلت إحدى المستشفيات، وإذا امرأة من أهل السمت والخير ومعها ابنتها، فسألتها ماذا تريدين؟ فقالت: إن ابنتي قد حملت من أخيها، وإننا نريد أن نسقط هذا الحمل؛ حتى لا تفتضح، كيف ذلك؟! قالت: واقعها أخوها بسبب ما رأى من هذه المغريات، وهذه الشهوات الغريزية التي تدفعه إلى فعل ذلك، وهي أيضا لم تصبر على ما تراه؛ فكانت هذه عاقبة من هذه العواقب السيئة. ولا تسأل عما ينكره أولو العقول الذين عندهم أدنى معرفة إذا رأوا ما يعرض بواسطة هذه القنوات الفضائية، وشاهدوا هذه المنكرات؛ عرقت قلوبهم وجلودهم، واقشعرت جلودهم ونفروا من ذلك، وقالوا: كيف يقرها عاقل أو مسلم؟! وبكل حال، فإن هذه الشرور شرها مستطير، وإن المسلم عليه أن يبتعد عنها؛ فإنها لا تأتي إلا بشر، ولقد كان أوائلنا قبل خمسين سنة أو نحوها عندما وجد أولها وهو المذياع الذي هو الراديو، أنكروا ذلك؛ حتى كانوا لا يدخلون على بيت قد أدخل صاحبه به هذا الراديو؛ وذلك لأنه لا .. ضرر، وما فيه من الأخبار فإنها غير محققة، فكانوا يهجرون من أدخل هذا الجهاز الذي هو جهاز عادي. وبعد مدة جاء ما هو أفظع منه ألا وهو التلفاز الذي ترى فيه الصور، وتسمع فيه الأصوات، فكان ذلك الأول سهلا يسيرا عند هذا الثاني؛ فتسارع الناس إليه أكثر من تسارعهم إلى الراديو، وأدخلوه في بيوتهم بدون ترو، وادعوا أن هذا تقدما، وأن فيه فوائد، وأنه وأنه، وما علموا بأنهم في أفعالهم هذه يخدشون عقيدتهم، وأنههم يأتون بمعتقدهم بما يفسد عليهم أخلاقهم إلا ما شاء الله؛ ولكن كان خيرا بالنسبة إلى ما حدث بعده. جاءت بعده أجهزة ما يسمى بالسينما، وما يسمى بالفيديو، فتسارع الناس إليها؛ فصاروا يشترون أفلاما مصورة في أشرطة أفلام الفيديو، وصاروا ينشرونها ويتفكهون بالنظر إليها؛ أصوات جميلة، وصور فاتنة خادعة لمن نظر إليها؛ فكان ذلك من أكبر الفتن. ومع ذلك استصغرها الناس بعد ما جاء هذا الجهاز الفاتن الذي يأتي بواسطة هذه القنوات الفضائية. لما جاءت هذه القنوات وما فيها من هذه المنكرات لم يتورع عنها أولئك الفسقة، ولا أولئك ضعفاء الإيمان. لم يتورعوا عنها، ولم يتوقفوا في إدخالها والنظر إليها؛ بل تسارعوا وتسابقوا وصاروا يفتخرون بذلك ولا يتوقفون. لا شك أن هذا كله من ضعف العقيدة، ومن ضعف الإيمان؛ ولو كان هناك إيمان قوي؛ ولو كانوا صادقين في إيمانهم وفي عبادتهم لحجزهم هذا الإيمان عن أن يتمادوا في هذه المنكرات التي تقدح في عقائدهم وفي أخلاقهم. لقد كثرت الشرور بواسطة هذه القنوات أو بأسبابها؛ فكثر الزنى حتى بين المحارم فضلا عن غير المحارم كما سمعنا. وكثر أيضا اختطاف النساء من الشوارع ومن الأسواق ونحوها. وكثرت المواعيد؛ كثر أن كثيرا من النساء تتصل بحبيبها، وتعده موعدا في المكان الفلاني. لماذا؟! لأنها لا تستطيع التحمل والصبر، وهي ترى هذه الصور وهذه الشبهات أو هذه الشهوات التي أمامها. وكثر شرب الخمور؛ وذلك لأنهم يشاهدون من يتعاطها، أو يسمعون من يمدحها. وكثرة السرقات؛ وذلك لأنهم يشاهدون في هذه الصور حيل أولئك اللصوص والحرامية، وما يسلكونه من الحيل التي يتخلصون بها من أن يمسكوا أو يقبض عليهم؛ فيأخذون أموال الناس اختلاسا أو سرقة أو بحيلة من الحيل. وهكذا أيضا حيلهم فيما يتخلصون به من الوقائع إذا وقعوا في حادثة، أو في أمر من الأمور. كل هذا بواسطة هذه القنوات وما أشبهها، وبواسطة ما يسمعونه في إذاعات أولئك الأعداء الذين يعلمون الأمة الإسلامية بأفعالهم وبأقوالهم ما يوقع المسلمين في الشرور، وما يصرفهم عن الخير. فهذا ونحوه مما يحمل المسلم على أن يطهر منزله عن هذه الأجهزة الفاتنة، ويحمله على أن يطهر قلبه وعقيدته، يحمي نفسه أولا ويحمي أولاده الذين هم فلذات كبده ذكورا وإناثا؛ حتى لا يقعوا في الشرور والفساد، ويحمي امرأته؛ حتى لا تخونه في فراشه، وكذلك يحمي نفسه؛ حتى لا يقع في هذه المحرمات. فمتى طهر المسلم منزله عن هذه المنكرات؛ سلم دينه، وسلم عقله، وسلمت أخلاقه. هكذا نتواصى بذلك؛ لنكون إن شاء الله من الممتثلين. نسأل الله أن يحمي علينا أسماعنا وأبصارنا وعقولنا عن مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن. نسأله سبحانه ألا يزيغ قلوبنا بعد إذا هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الواهب. نستمع بعد ذلك إلى الأسئلة. جزاكم الله خيرا، وأثابكم الله. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الدرس في موازين حسناتنا جميعا، وأن يكفر به سيئاتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه ... وفق الله الشيخ. أسئلة كثيرة، ومعظمها مصدر بأنهم يحبونك في الله، ويدعون الله لك بالتوفيق، وهذه الأسئلة مُشَكَّلة، فمنها من يسأل سؤالا خاصا به، ومنهم من يسأل سؤالا بعيدا عن المحاضرة، ومنها أسئلة تتعلق بالمحاضرة. فأصحاب الأسئلة الخاصة بإمكانهم أن يسألوا الشيخ أو يراسلوه كيف شاءوا، ولا نستطيع أن نرد هذا الكم الكبير من الأسئلة لأن الوقت يدهمنا ولا نستطيع الرد عليها. س: سؤال يقول: فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله. أرجو إلقاء الضوء حول من يقول: إنني لم أشاهد القنوات الفضائية إلا بغرض الأخبار العالمية التي تبث مباشرة، أو المباريات الرياضية التي لا يظهر فيها إلا الرجال؛ فما حكمها؟ حرام أن نتفرج على الأخبار العالمية، وهذه المباريات؟ هذا ليس بصحيح. فأولا- أن الأخبار يمكن أن تتلقاها من الإذاعة الوطنية أو من الإذاعات الأخرى الصوتية، تقتصر على نشرة الأخبار؛ ولو كان في بعضها شيء من الإجمال ففي الآخر شيء من التفصيل، ويمكن أخذها أيضا من النشرات والصحف. فأما أن تقتني هذه الأجهزة التي هي أدوات استقبال القنوات الفضائية لأجل الأخبار، أو لأجل الاطلاع على ما في العالم، أو لأجل الأخبار الرياضية أو ما أشبه ذلك؛ فإن هذا ليس بضروري. فننصحك بأن تنزه وتطهر منزلك، وأن لا تتعرض لهذه الفتن؛ فالأخبار الرياضية أو ما أشبهها تجدها في غير هذه الإذاعات أو القنوات ونحوها. س: سؤال آخر يقول: بماذا يرد على من قال هذه الجملة، أو سأل هذا السؤال: "هل الإنسان مسير أم مخير"؟ هذا يتعلق بالقدر، فنقول: إن الإنسان مقدرة عليه أعماله، ولا يعمل عملا إلا بعد مشيئة الله تعالى؛ ولكن أعطاه الله قدرة يستطيع بها مزاولة الأعمال فتنسب إليه أعماله، فيقال: عمل فلان حسنة يجازى عليها، وعمل سيئة يجازى عليها؛ ولذلك يضيف الله الأعمال إليه { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } ؛ مع أنها لا تكون إلا بقضاء الله وبقدره. فيقال: هو مسير من حيث إنه لا يفعل إلا بعد مشيئة الله، وهو مخير حيث إنه يقدر على مزاولة الأعمال بالقدرة التي مكنه الله بها. س: جزاك الله خيرا. هل يجوز التعلق بالملتزم بين الحجر الأسود وباب الكعبة ثم الدعاء؟ وهل الدعاء في هذا المكان وعلى هذه الحالة مستجاب؟ ورد في الدعاء في الملتزم حديث مسلسل بالإجابة؛ أعني كل واحد من الرواة يقول: إني دعوت في ذلك المكان فاستجيب لي، وآخر من سمعته شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تسلسل إليه هذا الحديث شيخا عن شيخ كل واحد يقول: دعوت الله فاستجيب لي. وصورة الدعاء فيه أن يضع يديه على جدار الكعبة بين الباب وبين الركن الذي هو الحجر الأسود ويدعو. أو يقف قريبا من ذلك، ويدعو، يرجى أن يستجاب له دعاؤه. يمكن أنه لا يستجاب الدعاء إلا بأسباب؛ من جملتها الإخلاص. ومن جملتها الدعوات الصادقة، والأعمال الصالحة، والبعد عن المعاصي والمحرمات، والتغذي بالمباحات وترك المحرمات، وما أشبهها. س: أفادكم الله. ما رأي فضيلتكم في الجمعيات التي تعمل بين الناس؛ حيث يتفق جماعة من الناس على أن يدفع كل واحد منهم مائة ريال كل شهر مثلا، ثم يأخذ المبلغ المدفوع بعد تجميعه شخصٌ منهم، وهكذا كل شهر يكون الدور على واحد منهم. هل هي من القرض الذي يجر نفعا؟ جائزة، وليس فيها محظور. الغالب أنها تكون بين العاملين في إدارة واحدة كمدرسين أو نحوهم، يرون أن بعضا من زملائهم بهم حاجة إلى قضاء دين أو إلى زواج، أو إلى تأسيس منزل أو إلى عمارة أو نحو ذلك، فيجمعون كل شهر عشرين ألفا أو ثلاثين ألفا، ويأخذها أحدهم، ثم يجمعونها في الشهر الثاني فيعطونها آخر إلى أن تدور عليهم، وليس في ذلك قرض جر نفعا؛ وإنما فيه قرض نفع المقترض، ولم يعد على المقرِض بمنفعة؛ وإنما فيه توسعة على إخوانه. جزاك الله خيرا. رجل جاء والإمام يصلي صلاة الظهر، وهو يريد أن يصلي صلاة الفجر؛ لأنه نام عنها، ولم يستيقظ إلا وقت صلاة الظهر. دخل المسجد والإمام يسوي الصفوف، فماذا يعمل؟ ينوي صلاة الفجر؟ أم يصلي معه الظهر؟ الصحيح أنه يصلي وحده، يكبر في زاوية المسجد، ويصلي ركعتين ينويهما صلاة الفجر، ثم يدخل معهم في صلاة الظهر. هذا هو الذي نختاره. هناك من العلماء من يقول: يصلي معهم ركعتين، ثم يتشهد ويسلم، وينويها فجرا له، ثم يدخل معهم في بقية صلاتهم وينويها ظهرا، ويكمل ما فاته، ولكل اجتهاده. والمختار أنه يصلي وحده. .. الشركات لجأت في هذه الأزمنة إلى ما سموه بنظام التأجير المنتهي بالتمليك، وهذا وقع فيه كثير من الناس. المشائخ يمنعون منه؛ وذلك لأنه ليس بيعا ولا إجارة؛ فلذلك لم يوافقوا فيه إلا أنه لم يصدر فيه فتوى صريحة موقعة من المشائخ. قد عرضت على اللجنة وعلى هيئة كبار العلماء قبل سنتين؛ ولكن كلما عزموا على إصدار فتوى جاءهم من يشبه عليهم من أهل الشركات ويبرر لهم أفعالهم. فنحن نقول: عليك ألا تتعامل بهذه المعاملة؛ بل تشتري شراء صحيحا؛ إذا احتجت إلى شراء سيارة بالأجل فتكون مؤجلة إلى أقساط؛ أي كل شهر يحل قسط، أو كل سنة يحل قسط، ويحدد ذلك قسط، وتكون السيارة رهنا لأهلها لبقية الأقساط، وهذا هو الذي كانوا يعملونه سابقا. س: سؤال: امرأة تقول أو رجل يقول: إن أمه تقول: أنها أرضعت امرأة أكثر من ثلاثة أيام كما تقول؛ فهل يجوز لي أن أعتبر هذه الرضاعة صحيحة؟ أم لا بد من شهادة أم البنت بذلك؟ يؤمر بشهادة المرضعة وتقبل شهادتها؛ ولو كانت واحدة، كما قبل النبي صلى الله عليه وسلم، أو أمر بقبول شهادة أمة سوداء، لما تزوج عقبة بن عامر امرأة يقال لها أم يحيى فجاءتهم أمة سوداء، وقالت: إني أرضعت عقبة والتي تزوج ففارقها لأجل قول هذه المرأة. فإذا تأكدت أنها أرضعت هذا الطفل ثلاثة أيام، فالغالب أنه يرضع في كل يوم مرتين أو ثلاث مرات فيكون ولدا لها. س: السؤال الذي قبل الأخير يقول: والدي رحمه الله تعالى توفي منذ سنتين تقريبا، وأراه دائما في المنام يطلب مني أن أفعل أشياء معينة وهي تأتي كذلك في كل حلم؛ فهل يجب علي فعل ما أمرني به في المنام؟ ومن هذه الأمور: يطلب مني التصدق بملابس لأشخاص معينين؟ لا شك أن الأحلام غالبا تتمثل بحديث النفس، إن الإنسان في يقظته يحدث نفسه بأبيه، ويحدث نفسه بتكيف صورة أبيه ويتمثل له، فإذا نام تمثلت له تلك الصورة التي يحدث بها نفسه في اليقظة. فأقول: لا يلزم تنفيذ هذه الكلمات التي دلت عليها هذه الرؤيا؛ فإنها أحلام ليل، والغالب أنها لا حقيقة لها؛ ولكن لا مانع من الصدقة؛ أن تتصدق عن أبيك إذا كنت موسرا، أو تتصدق بملابسه أو بشيء من ماله؛ وإن كان المال قد انتقل إلى الورثة فالصدقة تصل إلى الميت وينتفع بها. س: هذا السؤال الأخير. يقول: أنا شاب متزوج ولله الحمد، وفي بيت أهل زوجتي دش أحضره والدها؛ فماذا تنصحهن؟ هل أمنع زوجتي من الذهاب عند أهلها؟ أو ماذا؟ لا شك أن هذا من المفاسد، فإذا طلبت الزيارة فلا تزور إلا وأنت معها، وعليكم أن تتحفظوا، وتشترطوا عليهم إذا دخلتم أن يغلقوا هذا الجهاز ولا يفتحوه وأنتم عندهم، أو كذلك تشترط عليهم امرأتك؛ حتى لا تحصل مفسدة مما يذاع في هذا الدش. أيها الأحبة، في ختام هذه المحاضرة، وفي هذا اللقاء الطيب، نشكر لشيخنا الفاضل ما قدمه من نصائح، ونشكر لكم استماعكم وإنصاتكم، وبقي علينا أن نتوجه جميعا إلى الله بخالص الدعاء أن يتقبل منا حسناتنا وأعمالنا، وأن يكفر سيئاتنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |