معلوم أن الإنسان في أول عمره وفي قوة شبابه لا بد أن يكون له دافع إلى شيء من اللهو ومن اللعب، هذا شيء نشاهده حتى ونحن في الصغر، يشاهد أن من طبيعة الشاب محبة شيء من اللهو ومن المرح والفرح ونحو ذلك، ولكن هذا -غالبا- يكون في سن الطفولة إلى قرب المراهقة، ولعل الحكمة في ذلك أن الله تعالى جعل في طبائع الصغار محبة الحركة حتى تنمو بذلك أجسامهم، أنت تشاهد الطفل مثلا ابن سنتين إلى خمس سنين تشاهده دائم الحركة لا يجلس جلوسا طويلا، لو قلت له مثلا: اجلس فجلوسا طويلا كنصف ساعة لما استطعت أن تحبسه، جعل الله في طبعه هذه الحركة فكذلك في طبع الشباب، ولكن قد يوفق الله الشاب إلى أن تنصرف همته عن هذا اللهو وعن هذا اللعب وأن ينصرف إلى الطاعة وإلى الخير، وذلك من علامات إرادة الله به خيرا، وذلك أيضا من العجائب التي تخالف العادة المألوفة أو الكثيرة؛ ولأجل ذلك ورد في الحديث: { عجب ربك من الشاب ليست له صبوة } يعني: ليس له ميل إلى اللهو وإلى اللعب، إذا رأيت الشاب المقبل على العلم والعمل, المقبل على الطاعة وعلى العبادة، المنحرف والمنصرف عن أهل اللهو وعن الباطل وأهله, الذي يرغب في الفائدة, فإنك تغبطه في هذا الزمان. أولا: أنه خالف ما العادة عليه في كثير من الشباب. ثانيا: أنه خالف الفطرة أو الغريزة التي تدفعه إلى هذا اللهو واللعب. ثالثا: أنه قوي على نفسه مع قوة الدوافع؛ وذلك لأن الدوافع في هذه الأزمنة كثيرة وكثيرة، فملك نفسه، لم تجتذبه تلك الدوافع. هناك دافع من الزملاء، هناك دافع من الكبار، هناك دافع من الصغار، هناك دافع من المغريات، هناك دافع من الملاهي، هناك دافع من الشهوات، ومع ذلك قوي على مقاومتها. إذا جاءه زملاؤه الذين في سنه أو الذين هم يدرسون معه، وقالوا: هلم معنا فلنذهب إلى الملعب الفلاني، هلم معنا فلنذهب إلى طرف البلاد حتى نرفه عن أنفسنا وحتى نَرى ونُرى وحتى نذهب هذا الوقت، رفضهم وقال: ما خلقنا للعب، كما روي ذلك عن زكريا -عليه السلام- أنه قال له الصبيان: هلم فلنلعب، فقال: يا شباب، ما خلقنا للعب، يعني: إنما خلقنا للعبادة وللعمل، لم نخلق للعب. فإذا قاله هذا الشاب فقدوته نبي من الأنبياء وهو زكريا الذي قال الله فيه: { وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا } . كذلك أيضا إذا دفعه بعض زملائه، وقالوا: هلم فلنرفه عن أنفسنا في هذا المجلس، فلنقرأ في هذه المجلات التي فيها صور والتي فيها أخبار والتي فيها وفيها، ولنتفكر في هذه الصور وكيفية خلقها وكيفية تركيبها وما أشبه ذلك، رفضهم وقال: هذا من الفتنة ونحن لا نحب أن نفتتن، لا نفتتن في ديانتنا ولا في عقولنا ولا في شهواتنا، لا نريد أن نقع في الفتنة ولا نقرب منها، لا أريدكم ولا أحب مجالستكم وأنتم عاكفون على هذه الصحف، أو على هذه المجلات التي فيها كلام سيئ أو فيها صور فاتنة أو مضلة أو ما أشبه ذلك. إذا طلب منه أهله مثلا أن يشتري لهم شيئا من الملاهي: آلات الملاهي، أشرطة أغاني، أفلام خليعة، صور فاتنة مثلا, رفض ذلك وقال: لا أريد هذا فإنه: أولا: محرم شرعا، فإن الله حرم أسباب الشر وأسباب الفساد، ونص على تحريم هذه الأشياء التي هي الصور واقتناؤها، وكذلك سماع الأغاني ونحوها. ثانيا: أنها سبب وذريعة لما وراءها وهو الفساد والشر، فتجده لا يوافق على ذلك ولو كان مجتمعه وأهله عاكفين عليها. قد يوفق الله بعض الشباب الصالح يكون أبوه وإخوته وأخواته كلهم ينظرون في هذه الآلات الفاتنة طوال ليلهم ينظرون في هذه الأفلام، وطوال أوقاتهم يقرءون في تلك الصحف الفاسدة، وطوال أوقاتهم يسمعون تلك الأشرطة الماجنة، أو يعكفون على سماع الأغاني من أي إذاعة أو ما أشبه ذلك، ولكن ذلك يحزنه ويسوءه، قذف الله في قلبه الهداية والتوفيق وألهمه رشده، وصد عن ذلك وأعرض، فهو يحاول أن يصد أهله وأن يخفف من شرهم، وأن يتوبوا ويخرجوا آلات اللهو من مجتمعهم، ويحاول أن يطهر إخوته وأن يقنعهم، فإذا لم يقتنعوا نجا بنفسه، حرص على أن ينجو بنفسه ولو أن ينفرد؛ وذلك لئلا يفتتن؛ لأن من قارب الفتنة خشي عليه أن يفتتن في دينه وفي عقيدته. كذلك أيضا قد يكون له زملاء يدفعونه إلى شيء من المنكرات, يقولون له مثلا: لماذا لا ترفه عن نفسك؟! أنت متزمت أنت متعصب أنت متشدد أنت غال في دينك, أنت.. وأنت.... لماذا لا تمشي معنا، وتفعل كفعلنا؟ إذا نظرنا وإذا هم كلهم أو غالبهم قد وقعوا في كثير من المنكرات، فيعكفون ليلهم على مسكرات أو على مخدرات أو على شرب دخان مثلا, ويسهرون طوال ليلهم وينامون قرب وقت الصلاة ولا يستيقظون إلا في الضحى، وتفوتهم الصلوات الشريفة الفاضلة وربما لا يصلون، وربما يصلون الصلاة بعد خروج وقتها- الذي يصلي منهم- ثم مع ذلك يريدون أن يفسدوك ويجعلوك في ضمنهم. ننصحك بأن تكون متعصبا لدينك، ولو قالوا: إنك متعصب، ولو قالوا: إنك متشدد, فلا تمل معهم، انج بنفسك أيها الشاب حتى تكون من الذين ينجيهم الله تعالى, والذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله. أما سمعت أن ثاني السبعة الذين يظلهم الله في ظله هو الشاب الذي نشأ في طاعة الله؟ في قوله -صلى الله عليه وسلم- { سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل, وشاب نشأ في طاعة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد, ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال, فقال: إني أخاف الله, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه } فجعل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله: { شاب نشأ في طاعة الله } وما ذاك إلا أنه خالف ما تهواه نفسه، أو خالف ما يدعوه إليه مجتمعه سيما المجتمع الفاسد الذي يكثر فيه أهل الشر وأهل الفساد، وما أكثر الدعاة إلى الفساد في هذه الأزمنة! وما أكثر ما يعيبون به المتعبد الصالح! إذا رأوه مثلا يقصر ثيابه اتهموه بأنه متعصب، إذا رأوه يستعمل السواك وهم يستعملون بدله سجائر الدخان-والعياذ بالله- عابوه بأنه متطوع وبأنه.. وبأنه... إذا رأوه يرتاد إلى المساجد تنقصوه ورأوا ذلك نقصا فيه حتى يستهزئ بعضهم -كما ينقل لنا- وإذا قال لهم: صلوا. قالوا: أنت تصلي عنا أنت بالنيابة عنا, أو صل عنا ركعتين أو ما أشبه ذلك, على وجه السخرية -والعياذ بالله-. نقول: إن الشاب الذي يفتح الله على قلبه في هذه الأزمنة مع كثرة المغريات لا شك أنه إذا حفظ نفسه وحفظ شهوته فهو ممن خالف الهوى, وممن ربط الله تعالى على قلبه. ولا شك أن هناك مغريات كثيرة للكبار والصغار، إذا صبر الإنسان على مقاومتها فهو ممن خالف هواه. فهذه المغريات هي إما شهوات وإما شبهات، فكلها بلا شك مما يكون إما فاتنا في الدين، وإما مذهبا للوقت ومضيعا للاستفادة منه، ولاشك أنها مع كثرتها قد يعجز الإنسان عن مقاومتها، ولكن تحتاج في المقاومة إلى أمور لابد أن نشير إليها باختصار، نختم بها. كيف يكون الإنسان قويا على مقاومة هذه الفتن التي أشرنا إليها، وللدعاة، الدعاة من الزملاء ونحوهم؟ والذين هذا يدعو إلى لهو، هذا يدعو إلى زنا، هذا يدعو إلى خنا، هذا يدعو إلى مسكر، هذا يدعو إلى غِنا وما أشبه ذلك. وكذلك المغريات، المغريات متيسرة: الأفلام, والصحف، والإذاعات الفاتنة وما أشبهها. وكذلك توفر الشهوات، توفر هذه الشهوات التي في متناول الأيدي، المسكرات مثلا, والدخان، والمخدرات وما أشبهها. وهكذا أيضا تيسر الأسباب التي تقرب البعيد: السيارات، والطائرات, والمكالمات الهاتفية وما أشبهها, التي يتيسر لصاحب الغرض السيء أن يتصل بمن يريده ولو كان بعيدا، لا شك أن هذه من المغريات والدوافع إلى الفساد, فتحتاج إلى ما يقاومها. أولا: نوصي من يريد المحافظة على نفسه بأن يعلم بالضرر الذي في هذه المعاصي، إذا علم الضرر فيه فإنه يتجنبه، والضرر الذي فيها ضرر على الأخلاق وضرر على الأعمال. لاشك أن الضرر على الأخلاق هو الشهرة السيئة، فإن الإنسان إذا اشتهر بأنه فاسد الخلق، بأنه يتعاطى مسكرات، أو يفعل الزنا، أو الخنا، أو اللواط أو مقدماته، أو يأذن لامرأته بالتبرج أو ما أشبه ذلك, أنه ينتشر له بين أصدقائه وبين قبيلته سمعة سيئة، الإنسان يحافظ على السمعة الحسنة ويبعد نفسه عن التهم ويبعد نفسه عن السمعة السيئة، ويحب أن ينتشر له ذكر جميل بالثناء عليه وبمدحه وبعبادته وبغيرته وحماسته وما أشبه ذلك. ثانيا: خوفه من العذاب, إذا عرف أن الله تعالى قد يعذبه على اقتراف هذه المعاصي، ولو كان لها دوافع ولو كان لها دعاة، عرف أنه يعذب عليها في الدنيا كما عذب كثيرا من الأمم على ذلك كما قص الله علينا في كتابه، ويعذب عليها في الدنيا أيضا بطمس المعرفة وبموت القلوب -والعياذ بالله- وبإذهاب الحماسة والغيرة من القلوب وما أشبه ذلك، زيادة على العذاب في الآخرة الذي هو أشد وأبقى. ألا يكون ذلك دافعا له على أن يتمسك بالحق، ويبتعد عن الباطل, وأسباب الباطل؟ كذلك عليه أن يعرف أن الله حرمها، وأن الأدلة على تحريمها معروفة مشهورة، فإذا قنع بأنها حرام، فكر وقال: كيف أقدم على أمر قد حرمه ربي؟ أليس الله تعالى هو الذي يملكنا، وهو الذي حرمها؟ إذا فعلتها ألست عاصيا لله؟ أليس من عصى الله متوعد بالعذاب كما في قوله : { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا } إذا عرف أن مآل المعصية هذه مآلها إلى العذاب الشديد فإنه بلا شك يتوب وينزع ويستغفر الله عز وجل، ولا يقدم على هذه الملاهي، ولو دفعته نفسه إلى استعمالها، فبذلك يقوى على مقاومتها، ونوصيه أيضا بتعاهد إيمانه تقوية الإيمان الذي هو الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالملائكة والكتب والرسل والبعث بعد الموت والقدر، يقوي أسباب الإيمان في قلبه؛ فإن قوة الإيمان يدفع إلى الأعمال الصالحة، ويحجز ويحمي عن المحرمات وعن الأعمال السيئة التي منها..... |