فنقول: إنَّ هذه نِعَمُ الله تعالى علينا؛ يجب علينا أن نتعلم؛ فنتعلم بالسمع؛ نستمع إلى الفوائد والنصائح والخطب، وكل ما طريقه السمع في أشرطة، أو في إذاعة إسلامية، أو غَيْرِها حتى نتعلم. وكذا نستعمل العقول في التَّفَهُّمِ؛ كل كلام نسمعه نَعْرِضُه على عقولنا، ونتفهم فيه ونتعقله حتى نستفيد مما نسمعه، بخلاف ما إذا سمعنا، ولكن لم نتفقه؛ كالذين قال الله عنهم: { فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } وكذلك أيضا نقرأ ونكتب ونتعلم بما نراه، ونستعمل الأبصار فيما خُلِقَتْ له، وكذلك أيضا نسأل؛ نسأل ونستفصل: نستفصل عما أشكل علينا. خَصَّ الله الإنسان بالكلام ؛ بالنطق، فالبهائم ما تَنْطِقُ ولا تتكلم؛ ولذلك يكون لسان الإنسان الذي يُعَبِّرُ به عما في نفسه نِعْمَة عظيمة، أي: أنه قيمته: عقله ولسانه؛ فإذا صلح فقد صلح كله. رُوِيَ في حكمة لقمان لقمان كان مملوكا، وقال له سيده: اذْبَحْ هذه الشاة، وأعطني أحسن ما فيها؛ فأعطاه القلب واللسان! وفي اليوم الثاني قال له: اذبح هذه الشاة، وأعطني أقبح ما فيها، أَشْيَنَ ما فيها؛ فأعطاه القلب واللسان! فقال: كيف ذلك؟! فقال: إذا صلح القلب واللسان فهما أحسن شيء، وإذا فسد القلب واللسان فهما أقبح شيء. ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في القلب: { ألا وإن في الجسد مُضْغَةً إذا صَلُحَتْ صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله } فالقلب واللسان قيمة الإنسان، يقول الشاعر الجاهلي: لسان الفتى نصفٌ ونصـف فـؤاده فلـم يبـق إلا صورةُ اللحم والـدمِ لسانك لك المملوك ما دمتَ صامتًا وأنت له المـملـوك حـين التَّكَلُّـمِ فاللسان يُعَبِّرُ عما في القلب؛ فيكون يدل على قيمة الإنسان، أنت تجهل الإنسان؛ فإذا تكلم عَرَفْتَ قَدْرَهُ، وعَرَفْتَ مَنْ هُوَ، وعَرَفْتَ ما يُحْسِنُه، تعرف ذلك من كلامه؛ كما ذُكِرَ أنَّ رجلا كان يُجَالِسُ أبا حنيفة رحمه الله ولا يسأل، والإمام أبو حنيفة يحترمه، ويقبض رجليه، مع أن ذلك يَشُقُّ عليه، فقال له مرة: لماذا لا تسأل كما يسأل غيرك؟ ولماذا لا تستفصل؟ فقال: أسألك عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: { إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم } أقول: إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، ولم تغرب الشمس، فهل أُفْطِرُ؟!! فَعَجِبَ من سؤاله؛ لأنه لا يمكن أن الشمس تبقى مع إقبال الليل وإدبار النهار! فترك سؤاله، وأخذ يَمُدُّ رِجْلَهُ، فيقال: الآن مَدَّ الشيخُ رِجْلَهُ؛ دلَّ ذلك على عدم فقهه. لا شك أن قيمة الإنسان ما يتكلم به، وما يعقله؛ ولذلك يقول مَنْ يَحُثُّ على التعلم: واعـلـم بـأن العـلـم بـالتعلـمِ والحفـظِ والإتـقـان والتـفـهـمِ والعلـمُ قـد يُـرْزَقُـهُ الصـغـيرُ في سِـنِّـهِ ويُحـرم الـكـبـيرُ فإنـمـا المـرء بأصـغـريــهِ ليـس بـرجـليـهِ ولا يـديــهِ لسـانـه وقـلبــه الـمـركـبُ فـي صـدره وذاك خَـلْـقٌ عَجَـبُ فنقول: عليك أن تُعمل هذه الحواس التي أعطاك الله تعالى في التعلم والاستفادة : اللسان في السؤال والاستفادة، والعين في القراءة والكتابة، والأذن في الاستماع والإنصات، والقلب في التعقل والتفهم، وبقية الجوارح تكون خَدَمًا لهذه الجوارح، لهذه الأدوات. |