فعلى هذا علينا أن نغتنم أوقاتنا، وأن نكثر من الحسنات، وأن نكثر من الصالحات؛ ما دام في العمر مهلة فإن المستقبل لا يدري الإنسان ما الله فاعل به. العمر شيء قد مضى، ولا يدري ماذا اكتسب فيه، وربما يكون قد أتى بما يحبط أعماله أو ينقصها. وكذلك أيضا المستقبل لا يدري هل يدركه أم لا؟ يقول الله تعالى: { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } فإذا كان الإنسان لا يدري هل يعيش إلى الصباح؟ هل يقوم من مجلسه هذا، أم لا يقوم؛ بل يأتيه أجله؟ فالمستقبل لا يدري ما الله تعالى فاعل فيه، والذي قد مضى قد ختم عليه؛ خيره وشره، وما بقي إلا الوقت الذي هو فيه. ليس لك يا ابن آدم إلا ساعتك الراهنة التي أنت فيها؛ فعليك أن تنتهز الفرص، وأن تغتنمه قبل أن تتغير حالتك، ولا تقدر على أن تتدارك ما قد مضى. ورد في حديث في اغتنام الأوقات يقول صلى الله عليه وسلم: { اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، ودنياك قبل آخرتك، وغناك قبل فقرك } اغتنم هذه قبل أن تتغير؛ فالشباب الذي أنت فيه هذه القوة، وهذه المنعة وهذه الصحة لا تدوم؛ لا بد أنه يأتيك بعدها ما يغيرها، فاغتنم شبابك؛ ما دمت في هذه السن القوية التي أعطاك الله تعالى هذه القوة. اغتنم شبابك قبل هرمك؛ فإنه سوف يتغير الشباب إلى هرم. كذلك اغتنم صحتك قبل سقمك ؛ فأنت الآن صحيح، وأنت قوي البنية وقوي البدن، فاغتنم هذه الصحة؛ فإنها قد تتغير؛ يتغير ما أنت فيه إلى ضعف، يقول الله تعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً } فهذا الضعف الذي يأتي الإنسان هو من إما مرض يعرض له، وإما شيخوخة وكبر لا يقدر على أن يردها؛ فيغتنم ما دام في قوته، وما دام في صحته؛ قبل أن تتغير الصحة إلى مرض. شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك. ما دمت غنيا فاغتنم وأنفق مما أعطاك الله تعالى، وكذلك أيضا ما دمت فارغا اغتنم وقت فراغك قبل أن تتغير إلى ما يغيرها؛ فقد يأتيك ما يشغلك عن العبادة وعن العلم، وعن الاستفادة وما أشبه ذلك. وجاء أيضا في حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: { بادروا بالأعمال سبعا: هل تنتظرون إلا هرما مفندا؟ أو مرضا مفسدا؟ أو موتا مجهزا؟ أو فقرا منسيا؟ أو غنى مطغيا؟ أو الدجال؟ فشر غائب ينتظر، أو الساعة؟ فالساعة أدهى وأمر } هل تنتظرون إلا هذه؟ يعني: أنها تأتيكم ولا بد، فالإنسان -مثلا- في حالة صحته قد تتغير إلى مرض. وكذلك أيضا في حالة قوته قد تتغير إلى ضعف؛ في حالة غناه قد تتغير إلى فقر، ففي حالة فقره قد تتغير إلى غنى، ولكن ذلك الغنى يكون مطغيا له؛ فعليه أن يغتنم هذه الأوقات؛ حتى يكون بذلك من الذين انتهزوا أوقاتهم، واستغلوها في طاعة الله تعالى. { هل تنتظرون إلا فقرا منسيا؟ أو غنى مطغيا؟ أو مرضا مفسدا؟ أو هرما مفندا؟ أو موتا مجهزا؟ أو الدجال؟ فشر غائب ينتظر، أو الساعة؟ فالساعة أدهى وأمر } فإذا كان الإنسان في صحة؛ فلا يأمن أن يتبدل ذلك إلى غيره، وهكذا. نقول: إننا في هذه الأيام؛ في مثل هذه الأوقات التي هي أوقات فراغ غالبا؛ فراغ للطلاب ونحوهم، وفراغ للمدرسين وللموجهين ونحوهم، وإذا كان هذا فراغ فإن علينا أن نحرص على أن نستغله في الشيء الذي ينفعنا، والذي يعود علينا بالفائدة، نمتثل قول الله تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } إذا فرغت أي: كان عندك فراغ، فلا يضيع عليك هذا الفراغ؛ بل عليك أن تصرفه في عبادة الله سبحانه وتعالى، وهذا هو معنى النصَب، أي: أن تنصَب، وتتعب في عبادة الله سبحانه وتعالى وفي طاعته، ولا تضيع عليك أوقاتك سبهللا؛ فتندم عندما يأتيك الأجل، وتتمنى وتقول: { رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } . |