؛ وحيث إننا في هذه البلاد قد أنعم الله علينا بنعم كثيرة، أنعم الله علينا بنعمة الأمن، وقد افتقدها خلق في كثير من الدول لا يكون عندهم أمان، كذلك نعمة الرخاء، السعة في الرزق، كثير من الدول يغبطون هذه الدولة بما تتمتع به من السعة، ومن النعم، ومن الرفاهية، ومن العيش الرغيد، كذلك -أيضا- نعمة الراحة، يوجد كثير من الدول أهلها دائما أشقياء في تعب، وفي نصب، لا يستريح أحدهم للنوم وللأكل إلا سويعات، وبقية وقته يكدح، ويكد، وينشغل، فهم يغبطون أهل هذه البلاد بما هم فيه من الراحة. بقيت نعمة قد لا يعرفونها، وقد لا يعترفون بأنها نعمة، وهي نعمة الدين ونعمة الإسلام، ونعمة التوحيد، فهي أكبر النعم، فإنك -مثلا- تسير في فئام من الناس، ولا تجد التوحيد الصحيح إلا في هذه البلاد، فترى الشركيات، والتوسلات، وترى البدع، والمحدثات، فتعرف أن أهل هذه البلاد في نعمة كبرى. فنقول: إن عليهم أن يشكروا ربهم على هذه النعمة، ولكن لا يحسدون إخوانهم الذين فقدوا هذه النعم، بل يدلونهم على الوسيلة التي تخولهم لأن يكونوا شركاء في هذه النعم. وحيث جعل الله -تعالى- هذه البلاد -أيضا- بلادا ذات رغبة في المصالح الدنيوية، فيها مصالح دنيوية حملت الكثير من أهل البلاد النائية على أن نزحوا إليها، وأن تكبدوا المشاق وأنفقوا النفقات حتى حصلوا على دخول هذه البلاد، وقصدهم أن يشتغلوا، وأن يكتسبوا، وأن يحصلوا على ما يقوتهم، وما يتغذون به فتوافدوا من كثير من الدول وجاءوا راغبين في مصالح دنيوية؛ وحيث إنهم إما كفرة، وإما مبتدعة، وإما جهلة فإن واجبا علينا أن نغتنم وجودهم، وأن نبذل الجهد في تقويمهم، فإنهم تحت ولايتنا، وتحت سيطرتنا، وفي مجتمعنا وجاءوا إلينا راغبين، ويعترفون بفضلنا، ويعترفون بشرفنا، فيعترفون بما نحن فيه من النعم، ويغبطوننا بما من الله به علينا، فهم يوقروننا، ويقدروننا، ويعرفون منزلتنا، فلا يبعد إذا دعوا أن يستجيبوا إن دعوا إلى الإسلام، وهم غير مسلمين، ورغبوا فيه اهتدوا ودخلوا في الإسلام إن دعوا إلى السنة، والمذهب الصحيح، والمعتقد السليم، وبُين لهم وجه الدليل، فالأغلب أنهم يهتدون، ويقبلون السنة، ويتركون ما كانوا عليه من البدع. إن دعوا إلى التعلم، والتفقه في الدين إذا كانوا جهلة فإن هذا -أيضا- سبب في إقبالهم على التعلم؛ حتى يزيلوا ما هم فيه من النقص، فهذا ما يحملنا على أن نبذل جهدا في انتهاز الفرص، اغتنامهم؛ ذلك لأن إقامتهم قليلة، سنوات قليلة، ثم يرحلون، يمكث أحدهم سنتين أو ثلاثة، أو أربعا، أو نحوها، ثم يستغنى عنه، ويؤتى ببدله، فإذا كان موجودا بين أظهرنا، ونحن استقدمناه لحاجتنا إلى خدمته، وهو قدم لحاجته إلى أجرة يتقاضاها، وهو معترف بأننا أشرف منه، وأفضل منه، فلا يصلح أن نتغافل عنه، ونتركه على جهله، أو على بدعته، أو على كفره وشركه، ونقول: له دينه ولنا ديننا، لا يجوز مثل هذا؛ بل نأتي إليهم في أكواخهم، وفي مجتمعاتهم، ونعرض عليهم الإسلام، إذا كانوا غير مسلمين، ونبين لهم فضل الإسلام، وكذلك آثاره الطيبة على أهله، وذلك ما يسبب تقبلهم. بعد أن يوفق الداعي إلى شرح تعاليم الإسلام، ويبين أضرار الكفر، ومساوئ الأديان غير الإسلامية. فإذا كانوا مسلمين، ولاحظنا عليهم بعض البدع، حرصنا على تقويمهم، وعلى ردهم إلى السنة سواء كانت تلك البدع اعتقادية، كالتعطيل، والجبر، والإرجاء، والقدر، وكذلك البدع العملية كتغيير العبادات، وشرع عبادات غير مشروعة، وما أشبه ذلك. فكل هذا مما يحملنا على أننا نحرص على أن نبين لهم، أما إذا كانوا مسلمين، ومن أهل السنة، ليسوا مبتدعة؛ لكن معهم الجهل، سواء الجهل المركب، أو الجهل البسيط، فلا نتركهم على جهلهم، كثيرا ما يذكر لنا بعض الإخوة أنه يأتي إليهم وهم مسلمون، فيقول لهم: لماذا لا تصلون؟ فيذكروا أنهم لا يعرفون كيفية الطهارة، ولا يعرفون شروط الصلاة، بل ولا يحسنون قراءة الفاتحة، فضلا عن قراءة الأذكار، والأدعية التي في الصلاة في التشهد، والتسبيح، ونحوه. فمثل هؤلاء نشئوا في جهل، وبين أمم لا تعرف شيئا عن الإسلام، ولا عن الأعمال الإسلامية، فإذا وجدوا من يعترفون بشرفه، وفضله، فإنهم سوف يتقبلون، وهم عندهم أوقات فراغ يستريحون فيها، فإذا جاءهم الداعي في تلك المجتمعات، وألقى عليهم نصيحة رقيقة، وإن كان يحسن لغتهم، وإلا أمر من يترجمها فإن ذلك كله مما يسبب اهتداءهم، وإقبالهم على الحق، وتقبلهم. فكم قد حصل في كثير من البلاد، ومنها هذه البلاد من اهتداء كثير بواسطة الدعاة المخلصين، سواء دخولهم في الإسلام، أو توبتهم من المعاصي، أو ما أشبه ذلك. |