فنتواصى بأن نعمل بما عَلَّمَنَا الله تعالى، وأن لا نكتم شيئا من العلم الشرعي الذي أخذه الله تعالى علينا، وائتمننا عليه، بل نجهر به، ونقول به، مهما كانت الحاجة، في حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره بسبع، يقول: { أمرني بحب المساكين، والدنو منهم، وأمرني أن أقول الحق - وإن كان مُرًّا - وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم..... } إلى آخر ما ذكره، فأخذ عليه { أن لا يخاف في الله لومة لائم } يعني: يجهر بالحق، ويقوله ولو تضرر به، ولو حصل له إيذاء في ذات الله تعالى، فإن ذلك يرفع مكانته عند ربه، وكذلك عند عباد الله الصالحين، إذا جهر بالحق، وأعلنه، ولم يخف في الله لومة لائم، هكذا تكون حالة الذين يخافون الله تعالى، ويخشونه، ولا يخشون أحدا غيره، الذين مدحهم الله تعالى بقوله: { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ } ولا يخشون أحدا غيره، لا يخشون إلا الله سبحانه وتعالى، يعملون بقول الله تعالى: { فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } وبقوله تعالى: { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ } فإن الخشية، والخوف من أجلِّ العبادات، ومن خاف من الناس فإنه يكون معرضا لهذا الوعيد، وأيضا لا ينفعه ذلك، سيما إذا التمس ما عند الناس بما عند الله تعالى. تعرفون الحديث الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- { من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس } وفي رواية: { عاد حامده من الناس له ذاما } وبخه على أنه يرضي الناس بسخط الله تعالى، يقول: أماشي أهل زماني، وأفعل كما يفعلون، وأرضيهم ولو كان في ذلك مخالفة للعلم، ولو كان في ذلك قول بغير ما أعتقده، وبغير ما أعلمه؛ فإني إذا لم أوافقهم على ذلك نبذوني، ولم يكن لي مكانة عندهم، أو نبذني جماهيرهم، أو ما أشبه ذلك، فإنه ولا بد أن الله تعالى يقلب قلوبهم، فيلقي فيها له البغضاء، كما ورد في الحديث الصحيح: { إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل ثم ينادي في الملائكة: إن الله يحب فلانا فأحبوه. فيحبه أهل السماوات، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبدا نادى جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه. فيبغضه، ثم ينادي في الملائكة: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه. فيبغضه أهل السماوات، ثم توضع له البغضاء في الأرض } ويقول بعض السلف: ليتق الله أحدكم أن تلعنه قلوب الناس وهو لا يشعر، يخلو بمعاصي الله تعالى، فيلقي في قلوبهم له البغضاء. يعني: أنه إذا علم، ولكنه عمل بخلاف ما علم - ولو خلوة - كان ذلك سببا في أن الله يبغضهم إليه، وإذا عمل بطاعة الله، والتزم بها، كان ذلك سببا لأن الله يلقي في قلوبهم له المحبة، مصداق ذلك قول الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } أي: سيلقي في قلوب العباد له مودة ورحمة. هذا ما يجب أن نتعلمه، ونحن -إن شاء الله- واثقون بأن إخواننا عليهم أن يكونوا قدوة حسنة في أعمالهم، وفي علومهم. |