وهكذا تجنب ما حرمه الله؛ فقد قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } هكذا أخبر بأنه حرم الفواحش، ولا شك أنها تعم كل ما يستفحش في العقول، وكل ما يستقبح في الفطر؛ فقد حرم فاحشة الزنا ومقدماتها؛ فيجتنبها المؤمن ليكون مطيعا لله ورسوله، ويكون من المتقين، وحرم مقدماتها؛ فحرم النظر إلى الأجنبيات، المتكشفات، والمتجملات؛ بل وحرم على النساء أن يتبرجن تبرج الجاهلية، وأن يبدين زينتهن لغير محارمهن؛ وذلك لأنه من دوافع الفواحش؛ من دوافع المحرمات التي جعلها الله أول ما بدأ به في هذه الآية: { إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } . ولا شك عباد الله أن دوافعها تعطى حكمها؛ فالذين يمدون أنظارهم إلى ما حرم الله؛ فينظرون إلى العورات، وينظرون إلى السوءات؛ لا شك أنهم يقعون في الفواحش ولا بد؛ فعليهم أن يجتنبوا ما حرم الله. كذلك أيضا لا شك عباد الله، أن الذين يتابعون هذه الصور، وهذه التماثيل الفاحشة المنكرة لا شك أنهم قد يقعون في فعل الفواحش؛ فلأجل ذلك نقول: إن من الفواحش الظاهرة النظر إلى الصور الفاتنة التي تعرض عبر ما تبثه القنوات الفضائية، التي تأتي بالإثم، وتأتي بالفحش؛ فمن أطلق نظره فيها فقد أتى فاحشة، أو مقدمة فاحشة من الفواحش الظاهرة، وإن من الفواحش النظر إلى الصور التي رسمت في كثير من المجلات الخليعة، والإكباب عليها؛ فإنه داعية من دواعي الفواحش التي حرمها الله تعالى. ومن الفواحش الباطنة مقارفة الزنا، أو مقارفة فاحشة اللواط، ولا شك أن الله تعالى حرمها، وسماها فاحشة؛ فقال تعالى: { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } وكيف لا يكون وقد رتب عليه عقاب كبير؛ رتب الله عليه مائة جلدة في قوله تعالى: { فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أمر بتشديد العقوبة على الزُّنَاة؛ وذلك لقبح الفاحشة التي يرتكبونها، وأمر بأن يعلن عقاب كل منهم، وأن تكون إقامة الحدود على مشهد من الناس؛ ليكون ذلك زاجرا عن مثل هذه الفاحشة العظيمة التي يترتب عليها منكرات ومحرمات. وهكذا أيضا فاحشة قوم لوط التي سماها الله تعالى بهذا الاسم؛ فقال تعالى عن نبيه لوط { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } أخبر تعالى بأنهم أول من أظهرها، وأول من فعلها -والعياذ بالله- فعاقبهم الله عقوبة شنيعة؛ فأمر برفع بلادهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، قال الله تعالى: { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ } . ولا شك عباد الله أن الله تعالى ما حرم هذه الفواحش إلا لما فيها من الآثام، ولما فيها من المفاسد العظيمة؛ فيتجنبها المسلم المؤمن، ويحفظ سمعه، وبصره ويحفظ قلبه، ويحفظ فرجه، ويتحفظ عن مقدمات هذه الفواحش؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: { العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان زناهما السمع، واللسان زناه النطق، واليد زناها البطش، والرجل زناها المشي، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك، أو يكذبه } فجعل هذا كلها محرمة؛ وذلك لأنها من مقدمات الفواحش. وقد ورد النهي الشديد عن النظر إلى العورات وعن النظر إلى الصور الفاتنة، وعن النظر إلى النساء المتكشفات، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { النظرة سهم مسموم من سهام إبليس } يعني: النظرة إلى النساء وزينتهن؛ وذلك لأن الله تعالى أمر بغض البصر وبحفظ الفرج محافظة، وتحرزا عن هذه المحرمات؛ فقال تعالى: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } أكد ذلك، ثم قال: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } ؛ أي: يسترن جيوبهن، ويسترن وجوههن بخمرهن: { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } إلى آخره، لا شك أن هذا كله حماية، وصيانة للمرأة، وكذلك إبعاد لهذه المنكرات ومقدماتها . ولا شك أن التساهل في هذا، وتسهيل أمر النظر، وتسهيل أمر النساء حتى يخرجن ويبدون متكشفات، أو نحو ذلك أنه من دوافع هذه المنكرات، ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على كل ما فيه صيانة وحفظ للنساء، وحفظ للفروج؛ حتى حرم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية وقال صلى الله عليه وسلم: { ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما } ؛ يعني: أنهما إذا كانا خاليين، وليسا محرمين، وليس معهما محرم؛ فالشيطان يقرب بينهما، ويدخل بينهما الشهوة من هذا، ومن هذا إلى أن تحصل المقاربة، ولو كانت المرأة تدعي العفاف، ولو كان الرجل يدعي الصيانة؛ ولكن للشيطان دخل؛ فنبينا صلى الله عليه وسلم حرم الخلوة بالأجنبية، سواء كانا في منزل، أو في سوق، أو في سيارة، أو في سفر، أو في حضر، كل ذلك صيانة للأعراض، وصيانة وحفظا للأنساب. فإذا علينا أن نحافظ عباد الله، على ما أمرنا الله تعالى بالمحافظة عليه، حتى لا نقع في الآثام ولا نقترف الإجرام. وهكذا أيضا حرم الله تعالى ما يفسد الأبدان وما يفسد العقول، وما يفسد الأديان فحرم الخمور والمسكرات، والمخدرات؛ وذلك حافظا على الأبدان، وحافظا على العقول؛ فالله سبحانه وتعالى أمر الإنسان بما فيه خير، وما فيه مصلحة، ونهى عن كل ما فيه ضرر، وما فيه مفسدة؛ فما حرم المسكرات إلا للضرر الذي يحصل من آثرها على العقول وعلى الأبدان. وكذلك أيضا يدخل فيها، أو يعم ذلك كل ما يفسد العقول؛ كالمخدرات، والدخان، والقات، والشيش، وجميع المحرمات؛ كما يسمى بالحشيش ونحوه، ولا شك عباد الله أن هذه متلفة للأموال، وأنها مفسدة للأبدان، ومفسدة للعقول، وأن أعداء الله لما علموا أن المسلمين إذا تمسكوا بدينهم فلا يقدرون على أن يتغلبوا عليهم حرصوا على أن يفشوا بينهم هذه الآفات التي تفتك بعقولهم، وتلحقهم بالمجانين، وتسلب ما فضلهم الله تعالى به من هذا التمييز، وهذا الإدراك؛ فأخذوا يرسلونها زرافات، ووحدانا، حتى فشت وتمكنت؛ فنقول: عليكم عباد الله، محافظة على أبدانكم، وعلى أموالكم، أن تحاربوا الكفار، وأن تردوا كيدهم في نحورهم، وعليكم أن تحفظوا أولادكم، وأن تحفظوا سفهاءكم؛ حتى لا يقعوا في هذه المفاسد التي تذهب معنوياتهم، والتي تقضي على إنسانياتهم؛ فيلحقون بالمجانين، أو أقل حالا. ولا شك أن التمادي في ذلك، والتساهل في أمره مما يفسد العقل، ومما يأتي على نهايته وكماله، فاجتنبوا ما حرم الله عليكم، وقد دلت الأدلة الكثيرة على تحريم الدخان، وعلى تحريم المخدرات، وما أشبهها: { فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . وهكذا أيضا قد حرم الله تعالى اللهو والباطل، وذمه وذم أهله؛ فاجتنبوه أيضا كما ذكر الله تعالى. قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ؛ فنقول: إن سماع هذه الأغاني مجلبة للشرور، وأن الأعداء الذين يبثونها عبر القنوات ما قصدوا إلا صد الناس عن الخير، فهي كما قال الله: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |