ينزه الرب -سبحانه وتعالى- عن هذا، عن أن يكون له شبيه، يعني من يشبهه في ذاته أو في صفاته أو في بعضها، ننزه الله تعالى عن أن يكون له مثيل أو شبيه، ولهذا ينزه الله تعالى نفسه عن ذلك، قال الله تعالى: { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } الند هو الشبيه، النديد والند والشبيه { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } لا أندادا في ذاته، ولا أندادا في صفاته، ولا أندادا في عبادته، ولا أندادا في خلقه وتقديره وتدبيره، { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وقال تعالى: { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } أي: لا تجعلوا له مثيلا، ولا تقولوا مثله كمثل كذا وكذا. القبوريون في زماننا يضربون لله الأمثال، وذكر لي بعض مشائخنا أنه كان بمكة قبل فتح مكة في عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله- ورأى إنسانا يتواضع، ورآه بعد ذلك يدعو وإذا هو يقول: يا عباس عم رسول الله أنقذنا، يا عبد الله بن عباس اشفع لنا، يا حسين بن علي اشفع لنا، يا حمزة بن عبد المطلب أنقذنا، اشفع لنا. فنصحه وقال له: إنك دعوت غير الله. ذلك القبوري أخذ يجادل ويقول: أنت إذا كان لك حاجة عند ملككم لا تقدر على الدخول عليه، فلا بد أنك تتوسل بشفعاء حوله، فتطلب من الوزير أن يدخلك، وتطلب من الوزير الثاني أو من البواب أو من الحرس أو من الخدم ونحوهم أن يشفعوا لك عنده، فهؤلاء الصحابة والسادة مقربون عند الله فيشفعون لنا عند الله، نحن مذنبون لا بد أننا نتوسل بهم حتى يشفعوا لنا عند الله. وأخذ يبرر موقفه. فقال له ذلك العالم: إنك قد شبهت الله بخلقه، الملوك في الدنيا بشر لا يعلمون الغيب، الله تعالى يعلم الغيب، لا يحتاج إلى أن يعرِّفه أحد، فهو أعلم بي وبك من هؤلاء الشفعاء ومن هؤلاء السادة الذين أنت تتوسل بهم، أليس هؤلاء قد شبهوا الله، شبهوه بملوك الدنيا؟ .................................. .... طبع أولا في مجلد واحد طبعة قديمة، ثم طبع أخيرا في مجلدين على نفقة عبد العزيز محمد الجميح -جزاه الله خيرا- رد هذا الرد "غاية الأماني" ما كتبه أحد من أئمة الدعوة ولا من مشائخ نجد ألفه عالم عراقي هو محمود شكري الألوسي من العراق ولكن لما أنه تبين له الحق نصره، وقال بالحق وصرح به، فهذا دليل على أن لكل قوم وارث، فالمشركون الأولون يعبدون الأموات والملائكة وعيسى وعزيرا واللات ونحوهم من الصالحين، ماذا يقولون؟ { وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ } ويقولون: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } . كما قرر ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في رسالته القيمة التي سماها "كشف الشبهات"، وهي رسالة نفيسة قرر فيها الحق أتم تقرير، ولم يقدر أهل زمانه أن ينكروها، وجاء متمعلم -أي في هذه الأيام- ورد عليها، زيدي يقال له: حسين المالكي يذهب مذهب الزيدية أو الرافضة، أخذ ينتصر للقبوريين ويرد على جبل وعلم من الأعلام، فيقال له: " أطرق كرا إن النعــام فـي القــــرى " أطرق يا حسين فلست أهلا أن ترافع هؤلاء الأئمة الأعلام ولا أن تنتقدهم، لم يقدر على الرد على هذه الرسالة أعلام الأئمة، وكذلك فصحاء المشركين القبوريين في زمانه، وذلك لوضوح أدلتها، حتى تجيء أنت أيها الفدم وترد عليها، لا شك أن هذا من قلة عقله، يردد أو يقول: إن الشيخ دائما يردد هذه الآية { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } نقول: حقا أن هذه مقالتهم، وأن هذه مقالتك أنت والقبوريون الذين في زمانك والذين قبلك، فعليك أن تتوارى وأن تستر نفسك. قوله: "ولا شبيه له". حقا أن الله تعالى ليس له شبيه، لا شبيه له، من العجب أن النفاة المعطلة الآن يسموننا مشبهة، يقولون: إنكم شبهتم بإثباتكم للصفات. ويسموننا حشوية، ولعلكم قرأتم بعض ما كتبه الإباضي مفتي عمان يقال له أحمد بن حمد الخليلي وكذلك بعض تلاميذه الذين انخدعوا بتقريراته، فله رسالة سماها "الحق الدامغ"، وكذلك رسالة أخرى في نفي الرؤية يسميها -مع الأسف- "سقط القناع"، ومع الأسف يحمل على أئمة الدعوة، ويحمل على أمرائها من آل سعود -رحمهم الله- فيقول: إنهم يقتلون المسلمين، يقتلون المسلمين بغير حق، أنهم قاتلوا في كذا وقاتلوا في كذا قوما لم يكونوا كفارا، وهكذا. لا شك أن هذا ممن انخدع بما هو عليه، ومع ذلك يسمينا مشبهة وحشوية، ونحن ننفي التشبيه، يقول أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني -رحمه الله- صاحب كتاب الهداية في عقيدة له -لعل بعضكم قرأها- قـالوا فهـل للـه عنـدك مشـبه قلت المشـبه فـي الجحـيم الموقد قالوا فتزعم أنْ على العرش استوى قلت الصـواب كذاك أخـبر سـيدي قـالوا فمـا معنى استوائه قل لـنا فـأجبتهـم هـذا سـؤال المعتـدي قالـوا النـزول فقلـت ناقلـه لنـا قـوم هـم نقلوا شـريعة أحـمـد قـالـوا فكـيف نزولـه فـأجبتهم لـم ينقـل التكـييف لي في مسنـد هكذا، هذا هو قول أهل السنة أنهم ينفون التشبيه، ولكن عند المعتزلة أن من أثبت لله صفة فإنه مشبه، ولذلك يقول أحد مشاهير المعتزلة- وهو الزمخشري الذي هو -مع الأسف- فصيح بليغ ولكن ما نفعه علمه، فيقول في أبيات له يرد على أهل السنة الذين يقولون: إن الله ينزل بلا كيف، وأنه يجيء بلا كيف، وأنه على العرش بلا كيف، وأنه يُرى بلا كيف. فيقول: قـد شـبهوه بخلقـه فتخـوفـوا شنــع الـورى فتستروا بالبلكفــة يريد بقولهم بلا كيف. فنحن نقول: إن الله تعالى ليس له شبيه، قال الله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } بعض آية من سورة الشورى رد الله تعالى فيها على المشبهة، ورد فيها على المعطلة، فأولها قوله: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } أي: ليس له مثل ولا يماثله شيء من خلقه، وآخرها رد على المعطلة: { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } . وقد ثقل آخر هذه الآية على المعطلة، ذكروا أن ابن أبي دؤاد أحد المعتزلة اقترح على الخليفة المأمون أن يكتب على كسوة الكعبة: "ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم"، يغير الآية أي يحرفها حتى لا يثبت السميع البصير، ولكن علم المأمون أن الناس لا يوافقون على ذلك، وأنهم يعتبرون ذلك تحريفا لكلام الله. كذلك "ولا نظير له" أي: لا مثل له ولا نظير، وفي سورة سبأ آية يقول العلماء كابن القيم وشيخ الإسلام: إنها قطعت جذور الشرك. قطعت جذوره، ما هي هذه الآية؟ آية واحدة أو آية وبعض آية هي قول الله تعالى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ } مثقال ذرة ملك استقلال، { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } . فتكلم على هذه الآية شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان، ونقل كلامه الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في باب الشفاعة قوله: قال أبو العباس نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكون عونا لله، فقوله: { لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } قد يقولون: إذا لم يكونوا يملكون فقد يكونون شركاء، قد يكونون شركاء، فقال: { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ } أي: ليسوا شركاء لله ولو في مثقال ذرة، قد يقول قائلهم: إنهم ليسوا يملكون وإنهم ليسوا شركاء ولكن إنهم قد يكونون أعوانا، أعوانا لله، فقال: { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ } أي: معين، فإذا انتفى أن يكونوا مالكين أو يكونوا شركاء أو يكونوا أعوانا فماذا بقي؟ قد يقولون: إنهم شفعاء، فقال الله: { وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } فانقطعت شبهاتهم. ثم قال: "ولا ولد له ولا والد". قال الله تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } . نفى أن يكون له ولد، لماذا؟ لأن الولد عادة يشبه أباه، والله تعالى ليس له من يشبهه، فليس له شبيه، ليس له مشبه، تعالى لم يكن له ولد، ولم يكن له والد، ولما كان المشركون يثبتون لله تعالى الولد عند ذلك جاء في القرآن الوعيد الشديد لهم، والإنكار البليغ على إثباتهم لله ولدا، فجاء مثل قول الله تعالى: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا } يعني شيئا عظيما كبيرا { تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا } . يعني أن هذا قول عظيم لما قال المشركون إن الملائكة بنات الله، وكذلك قالت النصارى: المسيح ابن الله. وقالت اليهود: عزير ابن الله. فكان هذا القول في غاية التنقص، أنكره الله إنكارا شديدا: { أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } وهكذا أيضا ليس له والد { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد } بل هو سبحانه قديم لم يُسبق بعدم. "ولا صاحبة له" أي: ليس له صاحبة أي زوجة، قال الله تعالى خبرا عن مؤمني الجن: { وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا } أي حظ ربنا، الجد الحظ، { وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا } هكذا صاحبة يعني امرأة، وقال تعالى: { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ } يعني لم يكن له زوجة، فنفى أن يكون له صاحبة، وأن يكون له ولد. "ولا شريك له"، الشريك: المشارك، يعني ليس له مشارك في أسمائه، أسماؤه –سبحانه- تختص به، قال تعالى: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } أي: من يستحق أن يسمى كاسمه؟ وليس له أيضا شريك في ملكه، بل الملك ملكه وحده، كذلك أيضا ليس له شريك في استحقاقه العبادة، لا شريك له في عبادته، كما أنه ليس له شريك في ملكه، وذلك لأن الشريك يكون مشاركا لغيره، ولذلك سمى الله تعالى دعاء غيره شركا. فالشرك مشتق من الشراكة، وذلك لأن أولئك يجعلون العبادة مشتركة، فيدعون الله ويدعون غيره، يشرِّكون الله مع غيره، فيرجونه ويرجون غيره فيكونون قد شرَّكوا غيره في الرجاء، ويتوكلون عليه وعلى غيره فيكونون قد شرَّكوا غيره في الرجاء وفي الخوف وفي التوكل ونحو ذلك، هذا سبب تسمية الشرك شركا لأنهم يجعلون العبادات مشتركة، فيجعلون لله شريكا، شريكا في عبادته وهو –سبحانه- المستحق للعبادة، ليس له شريك في العبادة، وليس له شريك في الملك. هذه الصفات تتعلق بالتوحيد، توحيد العبادة: لا إله غيره، وتوحيد الصفات: لا شبيه له، وتوحيد الذات: لا ولد له ولا والد ولا صاحبة له ولا شريك له، جملة "لا شريك له" عامة، أي: لا شريك له في العبادة فتدخل في توحيد العبادة، ولا شريك له في الصفات فتدخل في توحيد الصفات، ولا شريك له في ذاته -يعني من يشبهه في ذاته- فتكون نافية للشريك في الأسماء والصفات والذات والعبودية. |