ذكر الله تعالى الاستواء في سبعة مواضع من القرآن: في سورة الأعراف، وفي سورة الرعد، وفي سورة طـه، وكذا في سورة الفرقان، وفي سورة السجدة، وفي سورة الحديد، وفي سورة يونس؛ يذكر الله أنه: { اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } أنه: { عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } الأمة، يعني: سلف الأمة يؤمنون بأن ذلك حقيقة، أن الله تعالى استوى على العرش، ولكنهم يتوقفون عن كيفية الاستواء فيقولون: الاستواء معلوم والكيف مجهول يعني: أن الاستواء لفظة معلومة؛ تفسر وتترجم من لغة إلى أخرى،.. ولكن لاستواء الله تعالى كيفية لا يعلمها إلا هو، الكيفية هي المجهولة، وأما حقيقة الاستواء فإنها معلومة. يقول العلماء: إذا قيد الاستواء بلفظ على فإنه العلو، العلو والارتفاع قال الله تعالى: { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } يعني: علي ظهور الإبل والسفن التي تركبونها، وقال تعالى: { وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ } يعني: السفينة سفينة نوح استوت يعني: ارتفعت على الجودي وقال تعالى: { فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ } يعني ارتفع على سوقه. فهو دليل على أن الاستواء بمعني العلو، وهذا هو قول أهل السنة، وذكر ابن القيم أن أهل السنة لهم أربعة تفاسير في هذه اللفظة، فيقول في النونية رحمه الله: هـذا وسادس عشرها إجمـاع أهـ ـل العلـم أعني حجـة الأزمـان مـن كـل صاحب سنة شهدت لـه أهـل الحـديث وعسـكر القـرآن لا عبرة بمخـالف لهــم ولــو كـانوا عديـد الشـاء والبعـران ثم يقول: ولهـم عبـارات عليهـا أربــع قـد حـررت للفـارس الطعــان وهـي استقر, وقد علا, وكـذلك ار تفـع الذي مـا فيه مـن نكـران وكـذاك قد صعـد الذي هو رابـع وأبو عبيـدة صاحـب الشيبــاني يختـار هـذا القول فـي تفسـيره أدرى مـن الجـهمي بـالقــرآن والأشـعري يقول تفسـير اسـتوى بحقيقـة اسـتولى مـن البهتـان فهكذا يفسره السلف يقولون: استوى بمعنى علا، استوي بمعنى ارتفع، استوى بمعنى استقر، استوى بمعنى صعد، وأبو عبيدة وهو معمر بن المثنى أحد علماء اللغة يقول: استوى بمعنى صعد؛ ذكر أن أناسا جاءوا إليه، وطرقوا الباب وهو في علية له، فلما عرفهم قال: استووا أي: ارتفعوا، اصعدوا. فهو يفسر استوى بمعنى صعد، استوى يعنى: صعد هكذا تفسيرهم لهذه اللفظة، ولكنهم يقولون: الاستواء معلوم ولكن له كيفية، وهذه الكيفية مجهولة؛ فلذلك نتوقف عن تكييفها، وهكذا يقولون في سائر صفاته، إذا أثبتنا لله تعالى اليد، واليمين في قول الله تعالى: { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } وفي قوله تعالى: { بِيَدِهِ الْمُلْكُ } { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } فنقول لله يد حقيقية، ولكن لا نعلم كيفيتها، الكيفية مجهولة. أثبت الله تعالى اليد، وأثبت اليمين في قوله تعالى: { وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } . وإذا أثبتنا لله تعالى العين في قوله تعالى: { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } فنثبت لله تعالى العين ولكن لا نكيفها، ونقول: العين معروفة، ولكن كيفيتها غير معلومة لنا، الكيف مجهول. وهكذا أيضًا نثبت لله أنه يجيء لفصل القضاء، وأنه ينزل في آخر كل ليلة، ونقول: النزول معلوم والكيف مجهول؛ فله كيفية مجهولة لا يعلمها إلا هو، وكذلك يقال في بقية صفاته؛ يقول ابن القيم والأشعري يقـول تفسـير استـوى بحقيقـة اسـتولى مـن البهتــان الأشعري هو أبو الحسن أبو الحسن رحمه الله كان في أول أمره معتزليًا، ثم إنه تحول وصار على طريقة ابن كلاب وأثبت لله سبع صفات ونفى الباقي، ثم في آخر عمره هداه الله تعالى، وترك هذه الطريقة واتبع طريقة الإمام أحمد وكتب على ذلك كتابه الذي سماه: "الإبانة"، وكذلك كتاب المقالات: "مقالات الإسلاميين". في كتاب الإبانة لما ذكر الاستواء، ذكر أن المعتزلة ونحوهم يقولون: استوى بمعنى استولى، فأنكر ذلك وقال: لو كان استوى بمعنى استولى ما كان الاستواء خاصًا بالعرش؛ فالاستيلاء عام فلا يجوز أن يخص العرش بالاستيلاء، نقول: الله استولى على الخلق، واستولى على الأرض، واستولى على الجبال، واستولى على الدواب وعلى الحشرات ونحوها؛ فإنه مستولٍ عليها بمعنى أنه محيط بها، وأنه قاهر لها؛ فلا يكون هناك خصوصية للعرش، وقد أجمع العلماء على أنه لا يقال: إن الله استوى على الحشوش، ولا استوى على الحشرات بل الاستواء خصه الله تعالى بالعرش. ثم إن الذين قالوا: استوى بمعنى استولى، لهم بيت يستدلون به ينسبونه إلى الأخطل أنه يقول: قـد استـوى بشـر على العـراق مـن غـير سـيف أو دم مهــراق وهذا يظهر أيضًا أنه مكذوب لا دليل عليه، وليس له إسناد صحيح، ثم لو قدر أنه عن الأخطل فالأخطل نصراني لا يستدل بكلامه؛ ولهذا قال ابن القيم ودليلهـم فـي ذاك بيـت قالــه فيمـا يقـال الأخطـل النصـرانـي يعني أنه ليس بثابت وأنه قاله هذا النصراني. ثم إن بعضهم تأولوا العرش بأنه الملك، فقالوا: استوى على العرش يعني: استوى على الملك، وليس هناك عرش استوى عليه، وهذا يخالف ما ذكره الله، فالله تعالى سماه العرش، والعرش في اللغة سرير المُلك، وقد ذكر الله تعالى جنسه؛ فقال تعالى عن بلقيس { وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا } { نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا } { أَهَكَذَا عَرْشُكِ } سرير كانت ترتفع عليه، وكذلك كان ليوسف قال تعالى: { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ } فدل على أن العرش هو السرير العظيم، وجاءت الأدلة بأن العرش مخلوق عظيم، وأنه خلقه قديما يقول ابن القيم والناس مختلفون في القلم الـذي كــتب القضاء به من الرحمن هل كان قبل العرش أم هو بعده قولان عنـد أبي العلا الهمذاني والحق أن العـرش قبـل؛ لأنه وقت الكتابـة كان ذا أركان وقد ذكر الله تعالى عظمته في قوله: { وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } { رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ } { ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ } وذكر حملته في قوله تعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } وذكر من يحف حوله في قوله: { وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ } فهل يقال في هذه الآيات كلها إنه الملك؟! لا شك أن هذا تحريف. فنؤمن بأن لله تعالى عرش عظيم لا يقدر قدره إلا هو، ونؤمن بأنه خصه بالاستواء عليه، ونؤمن بأنه مع ذلك قريب من عباده لا يخفى عليه منهم خافية. |