يقول بعد ذلك: والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وكل ذلك قد قدره الله ربنا. الإيمان بالقدر يدخل فيه علم الله، وهو أن نؤمن بأن الله عالم بكل شئ، وأنه كتب كل ما سوف يكون، علم كل ما يحدث وكتبه كله، كل ما يحدث فإنه مكتوب، ثم هذا العلم وهذه الكتابة أنكرها القدرية الأولون وقالوا: إن الله لا يعلم الأشياء حتى تحدث؛ فلا يعلم ما في غد، ولا يعلم هل هذا الإنسان سعيد؟ أم شقي؟ ولا يعلم بماذا يُختم له به؟ ولم يكتب ذلك، إنما الأمر أُنُف. هؤلاء غلاة القدرية يقول فيهم الشافعي رحمه الله: "ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خُصموا، وإن جحدوه كفروا". يعني سلوهم، أتقرون بأن الله تعالى عالم؟ فإذا اعترفوا بذلك قيل لهم: ما الفرق بين علم الماضي والسابق، والآتي؟ فإذًا يخصمون وإن جحدوا علم الله كفروا. الطائفة الثانية: الذين ينكرون قدرة الله فيقولون: إن الله ليس على كل شئ قدير، هؤلاء أيضا يخصمون بقدرة الله يقول الإمام أحمد القدر قدرة الله يعني: كل ما في الوجود فهو حادث بقدرة تعالى، فنؤمن بالقدر خيره وشره: { ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك } وقبل ذلك أنت مأمور بأن تتحفظ، وأن تحترز عن الآفات ونحوها، وإذا أصابك شئ فلا تقل لو أني، لو أني، لو أني فعلت؛ لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل هذا قدر الله وما شاء فعل، ويقول الله تعالى: { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } . فالقدر خيره وشره وحلوه ومره كله من الله سبحانه وتعالى، كل ذلك قد قدره الله ربنا؛ قال تعالى: { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا } أي: قدر لكل إنسان أجلا، وقدر له عملًا، وأمره وجعله ميسرا لما خلق له، فمقادر الأمور بيده، بيده مقادير الأمور فهو الذي يقدر على هذا الإنسان ما يقدره من الحوادث ونحوها، مقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، مصدر كل الحوادث عن قضائه وقدره، علم كل شئ قبل كونه؛ يعلم ما سوف يوجد ويعلم من سوف يولد، ويعلم ما سيعملون ويعلم أعمالهم قبل أن يعملوها، علم كل شئ قبل وجوده؛ فجرى على قدره، جرى كل إلى ما قدره عليه. لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به، كل كلمة فإن الله تعالى قد علمها، وكل فعل وكل حركة؛ فإن الله تعالى قد علمها، سبق علمه به؛ قال الله تعالى: { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } كيف لا يعلم خلقه؟ أليسوا خلقه؟ كيف لا يعلم أحوالهم، وأعمالهم، وأقوالهم، ونياتهم وضمائرهم؟ عليم بذلك. يضل من يشاء فيخذله بعدله، الذين أضلهم علم الله أنهم ليسوا أهلا للهداية فحرمهم الهداية ولم يظلمهم: { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ولكن أضلهم بمعنى أنه خلى بينهم وبين أنفسهم فأطاعوا أنفسهم وأطاعوا أعداءهم فضلوا عن سواء السبيل، وذلك بعلم الله تعالى وبتقديره، ولا يظلمهم، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله؛ الذين هداهم وأقبل بقلوبهم على طاعته لا شك أنهم خلق من خلقه، وأنه تفضل عليهم، وأقبل بقلوبهم على طاعته، وقذف في قلوبهم الرحمة وهداهم وسددهم، وذلك فضل منه؛ فأنت أيها المهتدي قد أنعم الله عليك؛ فاشكر الله تعالى على هذه الهداية. وكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علم الله تعالى وتقديره، من شقي أو سعيد، { كل ميسر لما خلق له } ؛ ففي الحديث لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: { ما منكم أحد إلا وقد كتب أو علم مقعده من الجنة أو النار قالوا: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له قال تعالى: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } } فأخبر بأنه يسر لهؤلاء ويسر لهؤلاء، وجعل منهم عمل، هؤلاء هذا صدق بالحسنى، ذكر الله أنه أعطى واتقى وصدق بالحسنى، وذكر أن الآخر بخل واستغنى وكذب؛ فنسب إليه هذه الأفعال ثم ذكر أن هذا يسره لليسرى وهذا يسره للعسرى: { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } . تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد: رد على المعتزلة الذين يقولون: إن كفر الكفار ليس بإرادة الله، إن الله ما أراد أنه يعصى ولكن الكفار هم الذين أرادوا، فغلبت إرادتهم إرادة الله، وغلبت مشيئتهم مشيئة الله، الله تعالى يقول، يقول تعالى: { إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } إذا شاء الله تعالى هداهم جميعا. لا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يكون لأحد غنى عنه، لا يستغني أحد عن فضله ولا عن عطائه وتوفيقه والذين استغنوا عن الله تعالى فإنه وكلهم؛ وكلهم إلى أنفسهم. أو يكون خالق لشيء إلا هو: الله خالق العباد، وخالق حركاتهم، ولو شاء ما تحرك منهم عرق، فحركاتهم مخلوقة لله تعالى، ولكنه سبحانه أعطاهم قدرة يباشرون بها الأعمال، ليس هناك خالق إلا هو . رب العباد ورب أعمالهم أي: مالكهم ومالك أعمالهم، والمقدر لحركاتهم ولآجالهم، فهو سبحانه خالق كل شيء، ومالك كل شيء، المقدر لحركاتهم يعني: طاعاتهم ومعاصيهم. |