بعد ذلك يقول: والطاعةُ لِأَئِمَّةِ المسلمين وولاة أمورهم وعلمائهم فريضة. يعني: أئمة المسلمين، الولاة الذين يتولون أمورهم، أمر الله تعالى بطاعتهم إذا كانت لا تُخَالِفُ أمر الله تعالى، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } ويقول الله تعالى: { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } ؛ فأولو الأمر ولاة الأمور لهم حق السمع والطاعة، قال النبي-صلى الله عليه وسلم- { اسمع وأطع، وإن ضُرِب ظهرك وأُخِذَ مالك } ؛ يعني أن في الطاعة لولاة الأمور خيرا، وفي مخالفتهم والخروج عليهم شر. وقد حصل أن كثرت الفتن لما كَثُرَ الذين يخرجون عن طاعة ولاة الأمور، ولو ظهر من بعض ولاة الأمور شَيْءٌ من المخالفات، ولو عُثِرَ على شيء من المعاصي ونحوها لا يجوز الخروج عليهم. والقتال الذي حصل في القرن الأول، وفي القرن الثاني بسبب كثرة الفتن، بسبب الذين يخرجون على ولاة الأمور، جاء أن النبي-صلى الله عليه وسلم- بايع الصحابة على السمع والطاعة، بايعوه على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والْعُسْرِ واليسر، والأثرة عليهم، وألا ينازعوا الأمر أهله، { إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان } . ولما ذكر بعض الأمراء قالوا: يا رسول الله! الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ونحوه، ألا نقاتلهم، قال: { لا ما صلوا، ما أقاموا فيكم الصلاة } فجعلهم والحال هذه ولاة لهم، ونهى عن نزع اليد من الطاعة، قال: { مَنْ خلع الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتته ميتة جاهلية } هكذا يعني لا يجوز أن يمدح ولكن كان ما كان، ذكر أن ميتته ميتة جاهلية لأنه فارق جماعة المسلمين. لذلك أئمة المسلمين وولاة أمورهم وعلماؤهم تجب طاعتهم، يجب أن الأئمة يطيعونهم لا يعصونهم؛ ففي معصيتهم مفاسد كثيرة، ومخالفات وفتن وقتال وشقاق ونحو ذلك، لما أن الأئمة الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام مالكًا شاهدوا ما حدث في أول الأمر من كثرة الفتن؛ صاروا لا يُشَجِّعُون ولا يجيزون لأحد أن يخرج على ولاة الأمر ولو كان مظلومًا. واتِّبَاعُ السلف الصالح واقتفاء آثارهم واجب. السلف الصالح: هم ولاة الأمور يعني وعلماء الأمة؛ يعني الصحابة -رضي الله عنهم- وعلماء التابعين والأئمة الأربعة وأهل زمانهم وحُفَّاظ زمانهم؛ الذين حفظوا الأمة حفظوا عليهم ما ورثوه ميراث نبيهم -صلى الله عليه وسلم- حفظ الله تعالى بهم الإسلام، نقلوا لنا السنة إلى أن دونت والحمد لله، فكتب الصحيحين جاءت بواسطتهم، نقلوها بأسانيدهم الثابتة، وكذلك المصنفات، وكذلك التفاسير وما أشبهها نُقِلَتْ بواسطتهم، وكذلك أيضًا نقلت أعمالهم أعمال الصحابة وأعمال التابعين ونحوهم اشتهرت ونقلت. فنتبع السلف الصالح الذي أمر النبي-صلى الله عليه وسلم- باتباعهم، وكذلك أيضًا مدحهم الله تعالى، فسر بهم قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } يعني من اتبعهم إلى يوم الدين بإحسان فإنه يحشر معهم، فعلينا أن نتبعهم ونقتفي آثارهم ونعمل بأعمالهم. وسبب الحثِّ على ذلك أنه جاءت في زمانهم بدع، وكذلك انتشرت البدع وكثر الخلاف الذي تفرقت لأجله الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، إلى فرق كثيرة، فعلى هذا نتبع طريقة النبي-صلى الله عليه وسلم- وطريقة أصحابه؛ لما أخبر بأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة أخبر بأنهم:" مَنْ كان على مثل ما هو عليه وصحابته"، سيرة الصحابة موجودة والحمد لله؛ يعني تراجمهم موجودة وفضائلهم وأعمالهم، والصحابة والتابعون وتابعو التابعين من الأئمة، سيرتهم موجودة محفوظة مُدَوَّنَة موجودة في كتب التراجم ونحوها، اعتني بها العلماء، فعلينا أن نَتَّبِعَهُمْ ونسير على نهجهم، ونحبهم حتى نحشر معهم. وأما الْفِرَقُ المخالفة فلا نلتفت إليهم؛ ذلك لأنهم خالفوا طريقة السلف، وخالفوا سيرة الصحابة، وابتدعوا بِدَعًا ما أنزل الله بها من سلطان، وبِدَعُهُم وشبهاتهم لا تقوم لِلْحَقِّ أبدًا، إذا جاءوا بشبهة فإن أهل العلم يُبْطِلُونها، ولذلك لَمَّا أَلَّفَ شيخ الإسلام "الحموية" ذكر في آخرها ذلك أن أولئك المخالفين عندهم شبهات، ولكن لا يركن إليها، وأنشد البيت الذي يقول فيه: حُجَـجٌ تهافَـتُ كالزُّجَـاج تخالهـا حقًّـا, وكـلٌّ كاســرٌ مكســورُ شَبَّهَهُمْ بالزجاجات، إذا أخذت زجاجتين وضربت إحداهما بالأخرى انكسرتا؛ فيقول: إن شبهاتهم مثل هذه، حجج وشبهات تنكسر وتضمحل. ولما ذكر ابن القيم -رحمه الله- بعضا من شبهاتهم؛ شبه شبهاتهم بِمَثَلٍ يقول فيه: واضـرب لهـم مثلًا بعميان خَلَـوْا فـي ظلمـةٍ لا يهتــدون سـبيلا فتصـادمـوا بـأكفهم وعِصِيِّهِــمْ ضـربًا يُدِيرُ رَحَـى القتال طويـلا حـتى إذا ملـوا القتــال رأيتهـم مشجوجًا أو مبعوجًـا أو مقتـولا فتسـامع العميـان ثـم تقـابلـوا للصُّلْـح, فازداد الصياح عويـلا!! يعني أنهم هذه أمثلة، أمثالهم يعني: كأنهم عميان يَضْرِبُ بعضهم بعضًا، ويصطدم بعضهم ببعض، هذه شبهاتهم فلا يلتفت إليهم، نتبع طريقة السلف. الذين خالفوا هذه الطريقة كثيرون، ويوجد لهم مؤلفات؛ فمنهم القاضي الذي اشتهر بالهمداني عبد الجبار الهمداني من علماء المعتزلة، خدم مذهب المعتزلة، وأفنى فيه حياته، وألَّفَ فيه كتابًا كبيرًا سماه: الْمُغْنِي، يعني: في شبهات المعتزلة، وفي حججهم، ومع الأسف اعتنى به بعض ورثتهم في سوريا وخدموه وحققوه وطُبِعَ في أربعة عشر مجلدًا، كله شبهات لا أصل له؛ فلا ينبغي أن تقرأ كتبهم، وكذلك كتابه الذي أشرنا إليه وسماه: متشابه القرآن، حرَّف فيه القرآن؛ يعني الآيات التي تُخَالِفُ معتقدهم، وله كتاب أيضًا يسميه: الأصول الخمسة، التي هي أصول المعتزلة، وأشباه ذلك كثير. على طريقته كثيرٌ موجودون من المعتزلة في الشام ونحوه، منهم رجل يقال له عبد الله الحبشي ظهر قريبا، وصار يُؤَلِّفُ لهم رسائل يُبَيِّنُ لهم الطريقة التي يريدها، ويحب أن يكونوا عليها، وضَلَّ به خلقٌ كثيرٌ حتى قالوا: إن الذين انخدعوا به واتبعوا ما هو عليه نحو مائة ألف في لبنان وما حول ذلك، دليل على أن لكل قوم وارثًا. وكذلك على طريقتهم الرافضة الذين في المنطقة الشرقية وفي غيرها هم على هذه الطريقة، فعلينا أن نتبع السلف وأن نستغفر لهم، الاستغفار لهم مطلوب. ترك الجدال في الدين بغير حق وأن نترك الجدال والْمِرَاء في الدين؛ يعني مجادلة هؤلاء، كان كثير من السلف إذا جاءوا إليه فقالوا: نريد أن نخاصمك، يقول: ابتعدوا عني لا أريدكم، وينهى تلاميذه يقول: لا تجالسوا فلانا المبتدع، لا تجالسوا فلانًا الذي ينكر رؤية الله، أو الذي يقول: إن كلام الله مخلوق، أو الذي ينكر صفات الله تعالى صفات السمع والبصر وما أشبهها، لا تجالسوهم فإنهم قد يفتنونكم ويلقون في قلوبكم شبهات ولا تجادلوهم. الله تعالى نهى عن الجدال إلا بالتي هي أحسن، { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ؛ فترك الجدال في الدين وترك المراء فيه واجب، وكذلك ترك كل ما أحدثه المحدثون واجب على الأمة؛ كل ما أحدث المحدثون يعني البدع والمحدثات وهي كثيرة؛ يعني لا تلتفت إليهم؛ بل نقبل على عقيدة المسلمين وعقيدة أهل السنة، ولا نقرأ في شيء من كتبهم لما فيها من الضلال. ومعلوم أن عقائدهم هناك مَنْ يعتقدها وهناك من ينشرها، فهنا كتاب اسمه الإرشاد للجويني الذي يُسَمَّى إمام الحرمين، كله من علم الجدل، وكله في علم الكلام، فكانوا مشايخنا ينصحونا عن قراءته، وكذلك أيضا: كتب العقائد، في كثير من العقائد حتى المختصرات فيها كثير من المخالفات التي تخالف مُعْتَقَدَ أهل السنة؛ ولو كان بعضها فيه موافقة لذلك، فمن ذلك: العقائد النَّسَفِيَّة، ومع الأسف فإنها قد شُرِحَتْ شروحا كثيرة؛ العقائد النسفية، وكذلك منظومة يقال لها الخريدة، وعقيدة اسمها الشيبانية أيضًا؛ ولكن الذين شرحوها أفسدوها، فيها بعض الأبيات التي فيها شيء من المخالفة تُنْتَقَدُ عليه مثل قوله لما ذكر الاستواء قال: ولا حَلَّ في شـيءٍ تعالى, ولم يـزلْ غنيًّـا حميدًا دائمَ الْعِـزِّ سَرْمَــدَا بعد أن ذكر أن الله تعالى مستوٍ على عرشه لكن تأول ذلك والله يعفو عنا وعنه، وبكل حال فنجتنب هذه، ونقتصر على كتب أهل السنة. بيان فضل علوم الدين والشريعة الخاتمة التي هنا: واعلم أن أولى العلوم - هذا المقطع إضافة المعلق والمحقق الذي هو الحلبي يقول: أضفته من آخر الرسالة. "واعلم أن أَوْلَى العلوم وأفضلها وأقربها إلى الله تعالى عِلْمُ دينه وشرائعه"، وصحيح أن أفضل العلوم وأولاها أن يُهْتَمَّ به علم الشريعة؛ ولكن لا نقول: إن بقية العلوم لا يجوز تعلمها؛ فإنها من العلوم التي تكون نافعة- ولو كانت دنيوية، ولو كانت ينتفع بها في أمور خاصة في الدنيا؛ علم الحساب، وعلم الهندسة، وعلم الأحياء. وعلم الكيمياء، كان الأولون يَنْهَوْنَ عن علم الكيمياء ولكن ذكر المتأخرون أنه فيه فوائد، وأنه يحصل منه شيء من المصلحة، وإنما فقط قالوا لأنه يشغل عن غيره. علم المنطق أباحوا تَعَلُّمَهُ لمن يعرف العقيدة السلفية، ولذلك شيخ الإسلام تعلم علم المنطق، ورد عليهم في كتابه الرد على المنطقين، وفي كتابه ( نقض المنطق )، الرد على المنطقيين، ما قرأناه ولكن إذا قرأناه لا نفهمه، وذلك لأنه على اصطلاحات المنطقيين، الذين قرءوا في المنطق يفهمونه. كذلك أيضًا علم الفلسفة كانوا يَنْهَوْن عنه؛ وإن كان بعضهم أباحه لأن فيه شيئا من العلوم التي قد يُسْتَفَادُ منها، ولكن تركه أَوْلَى وأفضل، كذلك أيضًا علوم الآلة هذه من التمام؛ يعني علم النحو وعلم الصرف وعلم اللغة لا شك أنها من أهم المهمات، وإن كانت يؤخذ منها بقدر الحاجة. فعلم الشريعة والدين هو ما أمر الله تعالى به أو نهى عنه أو دعا إليه أو حض عليه في كتابه وعلى لسان نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- هذا هو علم الشريعة، وكذلك الفهم فيه يعني الذين رزقهم الله تعالى فهم وتعقلوا وتفهموا هذا أيضًا مما يستفاد منه؛ هذا من علم الشريعة؛ يعني كون الإنسان يستنبط الأحكام من الأدلة، وكذلك الاهتمام برعايته والعمل به والعلم أفضل الأعمال، العلم يعني تعلم العلم من أفضل القربات، فهو أفضل الأعمال. أقرب العلماء إلى الله تعالى وأولاهم به أكثرهم له خشية وفيما عنده رغبة. يعني الذين يخشون الله تعالى، فإذا لم يكن العالم ممن يخشى الله فإنه لا ينفعه علمه؛ ولذلك قال الله تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } . والعلم دليل إلى الخيرات وقائد إليها؛ يعني العلم الشرعي الذي هو العلم بأحكام الله، هو دليل إلى الخيرات وقائد إليها. واللجأ أي الرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه-صلى الله عليه وسلم- واتباع سبيل المؤمنين هذا هو طريق النجاة أيضًا. وخير القرون من خير أمة أخرجت للناس نجاة اتباع سبيل المؤمنين، واتباع طريق الصحابة واتباع التابعين، لأنهم خير أمة أخرجت للناس، نجاة؛ يعني نجاة من البدع، ونجاة من الهلاك، ففي المفزع إلى ذلك العصمة؛ يعني من فزع إلى ذلك عصمه الله تعالى. وفي اتباع السلف الصالح النجاة؛ يعني الصحابة والتابعون وتابعوهم؛ اتباعهم والسير على نهجهم النجاة. وهم القدوة في تأويل ما تأولوه لكن نقول: إنهم ما ظهر فيهم التأويل وما جاء التأويل إلا من بعدهم، وتأويلهم إنما هو تفسير واستخراج ما استنبطوه؛ يعني من النصوص التي يستنبطون منها كثيرا من الفوائد. وإذا اختلفوا في الفروع والحوادث لم يخرج من جماعتهم، قد يكون بينهم اختلاف ولكن اختلاف في الفروع وأما في الأصول فإنهم لم يختلفوا. الأئمة الأربعة أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة لم يذكر بينهم اختلاف في الأصول يعني في علم العقيدة؛ إنما اختلفوا في الفروع يعني في بعض أحكام الصلاة وما أشبهها، واختلفوا أيضًا في الحوادث التي تتجدد. ولا يجب الخروج عن جماعتهم؛ يعني عن مجموعهم لأن الحق لا يخرج عن الأئمة الأربعة وأهل زمانهم يعني هذا هو الصحيح، وإن كان هناك أئمة في زمانهم أيضًا لهم اجتهاداتهم كسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي ونحوهم. يقول: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } ؛ أخذا من الآية الكريمة في سورة الأعراف، أن هذا قول أهل الجنة يقولون إذا دخلوا الجنة: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أسئـلة س: يقول السائل: هل الإباضية يدخلون في جملة المسلمين؟ وهل يوجد لهم مخالفات لأهل السنة والجماعة غير إنكار الرؤية والقول بخلق القرآن؟ وما مخالفاتهم لنا في العبادة؟ يعدون من جملة المسلمين، يتسمون بذلك وهم بقية الخوارج؛ ولكن ما كان الخوارج يعتقدون هذه الاعتقادات، من عقيدة الخوارج: التكفير بالذنوب؛ أن من يشرب الخمر فإنه يقتل ويحكم بكفره، هؤلاء يعتقدون أيضًا أن الكبائر تُخْرِجُ من الملة ولكن في دولتهم ما طبقوا هذا، يذكر الذين ذهبوا إلى عمان أن الْخُمُور تُبَاع علانية، وأنها تُشْرَب علانية، وأنه لا يقام هناك حد، مما يدل على أنهم لم يتمسكوا بمعتقدهم الذي يقولون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون. الكتاب الذي ذكرناه عن الخليلي ذكر فيه ثلاث مسائل؛ الأولى: إنكار الرؤية، وهذا دليل على أنهم ينكرون بقية الصفات التي ينكرها المعتزلة؛ ينكرون السمع والبصر والعلم والقدرة، ويُنكرون الرحمة والمحبة والغضب والرضا والكراهية والأسف وغير ذلك من صفات الله تعالى، ويُنكرون أيضًا كما تنكر المعتزلة بل والأشعرية صفة العلو وصفة الاستواء وصفة المجيء والنزول وما أشبه ذلك. وينكرون أيضًا القرآن؛ أن الله تعالى لا يتكلم؛ فقالوا: إن القرآن كلام مخلوق، فالكتاب ضمنه أن القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى، وضمنه أيضًا نفي القدرة نفي قدرة الله تعالى على أفعال العباد وهذا قول المعتزلة. س: يقول السائل: هل الإباضية يُجَوِّزُون نكاح المحارم، وكذلك زواج اللواط؟ لا يجيزون ذلك بمعتقدهم؛ ولكن يمكن أن يقع ذلك عندهم بحكم أن الدين عندهم ضعيف. س: يقول السائل: ما قول هل السنة في رؤية الله تعالى في المنام هل هي ممكنة وواقعة أم لا؟ وما صحة ما جاء عن الإمام أحمد في ذلك؟ صحيح أن الرؤية في المنام ممكنة؛ ولكن لا تدل على أن الله تعالى على تلك الصفة؛ يعني يكشف للإنسان في المنام أنه رأى ربه ولكن لا يدل على أن الله على تلك الكيفية؛ فإنه ليس كمثله شيء. س: يقول السائل: هل المطلوب منا الإعراض عن محاورة ومناقشة أهل البدع بالْكُلِّيَّة أم بتوضيح الحق لهم بالتي هي أحسن؟ إن كان قادرا على إيضاح الحق فعليه أن يُوَضِّحَهُ وعليه أن يُبْطِلَ شبهاتهم، وإنما المبتدءون مثلا والعامة ننصحهم ألا يدخلوا معهم وألا يسمعوا كلامهم. س: يقول السائل: هل الذين منعوا الزكاة وقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه كفروا كفرًا أكبر أم أصغر؟ لا شك أنهم جحدوها، ومَنْ جحد شيئًا معلوما من الدين بالضرورة حكم بكفره، هكذا قاتلهم أبو بكر لأنهم جحدوها؛ جحدوا وجوبها، ولو أن إنسانًا جحد وجوب الصلاة كفر؛ حتى ولو كان يصلي، إذا قال: هذه الصلاة غلط، ولا فائدة فيها، الرسول أخطأ عندما أمر بها، واللهُ أَتْعَبَ الناس، الذي فرضها وأمر بها، أتعبنا وكلفنا وشغلنا، هذه الصلاة شاغلة!!! نسمع هذا من كثير، نعوذ بالله! ولا شك أن هذا داخِلٌ في الكفر؛ لِأَنَّهُمْ يَطْعَنُون على الشَّرْعِ. س: يقول السائل: ما معنى قوله-صلى الله عليه وسلم- { وألا ننازع الأمر أهله } ؟ يعني: ولاة الأمر لا ننازعهم، يعني: لا نطلب أن يكون لنا الأمر؛ فنقول: أنا أحق منك أيها الملك أو أيها الأمير، أنا أولى أن أكون أميرا وأنت لا تصلح وما أشبهه. س: يقول السائل: هل في الحديث الذي ذكره فضيلتكم وهو أن الملائكة لا تعرف عصاة الموحدين وأهل الكبائر الذين دخلوا النار إلا بآثار السجود فيخرجونهم. هل فيه دليل على أن تارك الصلاة كافرٌ كُفْرًا أَكْبَر؟ هكذا قالوا، جاءت الأحاديث في كفره كفرًا مطلقًا وأنه في النار، جاء في الحديث المشهور قوله-صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الصلوات الخمس: { مَنْ حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومَنْ لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة يوم القيامة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأُبَيِّ بن خَلَف } فدل ذلك على أنهم إذا كانوا لا يُصَلُّون أصلا ولو قالوا بألسنتهم: إن الصلاة واجبة، أو أنها ركن؛ فإن ذلك كفرٌ منهم، ثم يدل على ذلك أنه الذين يخرجون من النار من أهل التوحيد هم الْمُصَلُّون. س: يقول السائل: ما رأي فضيلتكم في كتاب الروح؟ كتاب الروح لابن القيم كتاب قَيِّمٌ، كتاب مفيد؛ لكنه -رحمه الله- تساهل في النقل لتلك الحكايات التي نقلها من كتب ابن أبي الدنيا وغيره يعني حكايات ومنامات ونحو ذلك قد ينكرها بعضهم؛ ولكن كأنه جزم بها، ورأى أن فيها مواعظ، وهو من الكتب المفيدة، سيما في آخره. س: يقول السائل: أنا رجل تجاوزت الخمسين من العمر وأعاني من أمراض القلب والضغط، وابني طالب بالسنة الأولى الجامعية ويرغب في ترك الدراسة، والذهاب للجهاد في سبيل الله، وأني أطلب منه الاستمرار في الدراسة حتى ينتهي من دراسته والوقوف بجانبي وبجانب إخوته الصغار، وهو يرفض إكمال دراسته الجامعية بحجة أن الجهاد أهم من الدراسة، وأهم من طاعة الوالدين، أفتونا مأجورين: هل أسمح له بالجهاد أم لا؟ وإذا لم أسمح له بالجهاد أكون مُذْنِبًا في حق الدين؟ نرى أن عليه طاعة والده، قال النبي-صلى الله عليه وسلم- { رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين } فلا يسافر إلا إذا رضي عنه أبواه. س: يقول السائل: في سنة من السنوات مرضت مرضًا شديدا، وعندما كنت في ضيقة من المرض رجعت إلى الله تعالى ونذرت نذرًا بقولي: إذا الله عافاني سوف أتصدق بكسور راتبي على المستحقين. والمقصود بكسور راتبي بقناعتي في ذلك الوقت ما زاد على صافي الألف مثل راتب أربع آلاف ومائة وأربع آلاف ومائتين، يقول: وعافاني الله تعالى وحتى مرور عشرين سنة ولم أفِ بالنذر، وقد راجعت الجهة وطلبت منهم حساب كسور رواتبي في ذلك وحتى قبل حوالي سنة بلغ مجموع المبلغ حوالي مائتي ألف ولما أخبرت بعض الزملاء قالوا اسأل أحد العلماء في ذلك ليفتيك. في هذا كان عليه أن يخرجها في حينها؛ ولكن لما بلغت هذا المبلغ قد يصعب عليه، في هذه الحال لعله أن يتصدق بما يتيسر، ولعله يكفر كفارة يمين عن ذلك النذر. س: يقول السائل: صلاة الخوف هل لها أذان وإقامة؟ يؤذنون أذانًا يسمع المسلمين الذين حولهم، ثم إن الإمام يقسمهم قسمين طائفة يصلون معه وطائفة يحرسونهم من العدو، ويقيمون لهما. س: يقول السائل: ما هو حكم صلاة الجماعة مع بيان قول الفقهاء والقول الراجح؟ واجبة، الأدلة على ذلك واضحة، يستدل من الآيات بقوله: { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } ومن الأحاديث بقوله-صلى الله عليه وسلم- { هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب } والأدلة كثيرة توجد في كتاب الصلاة لابن القيم وغيره. س: يقول: أنا طالب في كلية الصيدلة، ومن ضمن المواد التي ندرسها إجراء بعض التجارب على الحيوانات كالفئران والأرانب والضفادع، وتكون بعض التجارب بحقن مواد سامة أو أدوية تسبب بعض التشنجات لهذه الحيوانات، وبعض الأحيان تكون طريقة قتلها فيها نوع من الغلظة كضرب رأس الضفدع بقوة على حافة الطاولة لكي يموت، فما حكم هذه التجارب خصوصا أني سمعت حديثًا فيه نهى عن قتل الضفدع؟ إذا كان للفائدة أنه يستفاد منه التحاليل ومعرفة بعض الأشياء التي يستفاد منها للعلاج والطب؛ فلا مانع من ذلك، قد جرى ذكر تشريح الأرنب عند سماحة شيخنا الشيخ ابن باز -رحمه الله- فلم يَرَ في ذلك منكرًا لأن فيه فائدة، ولو كان مثلا يشنجونها، أو يضربونها بإبرة، بحيث إنها يغمى عليها ثم يشقون بطنها، وينظرون نبض القلب، وحركة بعض الأعضاء، وحركة العروق وجريانها، ويقيسون ذلك على تشريح الإنسان. س: يقول السائل: عندنا في الجامعة نسبة كبيرة وملحوظة من الطلاب المنتسبين إلى الرافضة؛ فكيف نتعامل معهم عندما يطلبون مثلا منا بعض المذكرات أو أي نوع من المساعدة وهل نسلم عليهم؟ صحيح أنهم متمكنون في بعض الجامعات، ونرى إغلاظ الكلام معهم، وعدم لين الكلام حولهم بعد نصيحتهم أفرادًا وجماعات، وبعد ذكر بعض مثالبهم وأقوالهم في الصحابة ونحو ذلك، وأما السَّلَام عليهم فلا يُبْدَءُون بالسلام؛ ولكن إذا سَلَّمُوا يُقَال: عليكم أو وعليكم ونحو ذلك. س: يقول السائل: لقد بِعْتُ ذهبا قيمته عشرة آلاف ريال بزيادة ثلاثة آلاف بشرط الدفع بعد مرور الحول عليه. لا يجوز بيع الذهب بالدراهم إلا يدًا بيد. يجوز بغير الدراهم فلو بعت الذهب بثياب، أو بعته بأكياس، أو بعته بِكَرَاتين يعني من المعلبات أو نحوها مؤجلا؛ يعني كان الذهب يساوي مثلًا مائة كرتون من الصابون فبعته بمائة وعشرون دينا يجوز ذلك، وأما إذا كان يساوي مثلا عشرين ألف وتبيعه بواحد وعشرين دينا أو بخمسة وعشرين ألف دينا هذا لا يجوز، جاء في الحديث أن بيع الذهب بالفضة أو ما يقوم مقامها لا بد أن يكون يدًا بيد. س: يقول السائل: جاءنا مولود سقط ميتا، مات في بطن أمه، مخلق طوله شبر، فأخذه والدي فدفنه في الجدار -جدار بيتنا القديم- ولم يُصَلِّ عليه، والآن له أكثر من عشرين عاما هل علينا إثم؟ كان إذا أتم أربعة أشهر وبدأ في الخامس في بطن أمه وهو حي ثم سقط فإنه يُصَلَّى عليه، فأما إذا كان أقل من أربعة أشهر فلا، والظاهر ما دام أنه طوله شبر دليل على أنه قد تم الأربعة أشهر وزاد عليها، يمكن خمسة أو نحوها، بكل حال ما فعلوه خطأ، وعليهم الاستغفار، والله تعالى يُحْيِي الموتى. س: يقول: هل الطهارة في الطواف طواف العمرة واجبة أم سنة؟ وماذا علي إذا طفت بغير طهارة؟ نرى أنها واجبة، وأن القول بعدم وجوبها مخالف للأدلة؛ ولو اجتهد فيه بعض المجتهدين، ومن طاف لحج أو لعمرة طواف الإفاضة أو طواف العمرة وهو محدث فإنه لا يجزيه، عليه أن يعيد العمرة، وعليه أن يعيد الطواف إذا كان في مكة الطواف الواجب؛ يعني الذي هو ركن كطواف الإفاضة، أو واجب كطواف الوداع. س: يقول السائل: لي أقارب يخرجون مع جماعة التبليغ؛ فنصحتهم بعدم الخروج معهم، فقالوا: إنهم من أهل السنة والجماعة، وأن طريقتهم لا شيء فيها، فهل هذا كلام صحيح؟ ينظر في أولئك الذين يخرج معهم؛ فإذا كانوا من الصوفية علامتهم أنهم يطوفون بالقبور، وعلامتهم أنهم يدعون الأموات ويتمسحون بحيطان بعض القبور الموجود؛ يعني: أصل جماعة التبليغ فرقة نشئوا في الهند والباكستان وكان فيهم تصوف؛ فكانوا إذا خرجوا لا ينكرون الشرك؛ بل يذهبون إلى قبر السيد فلان ويطوفون به ويتمسحون به ويدعونه من دون الله، وما أشبه ذلك، وكذلك أيضًا لهم عبادات خاصة ودعوات خاصة، عقيدة حيث إنهم يعتقدون أن الأولياء أفضل من الأنبياء، وأن الولي يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، يطلع على اللوح المحفوظ، إذا كانوا مثل هؤلاء فنبرأ إلى الله وننصحه ألا يَخْرُجَ معهم، وأما إذا كانوا لا يطوفون بالقبور ولا يدعون الأموات، وأنهم من أهل السنة، وأنه إذا خرج معه رق قلبه واستعان وأعانوه على الصلاة آخر الليل، وعلى المحافظة عليها وعلى الأوراد والأذكار؛ فلا نمنعه من ذلك، ذلك وأنهم وإن أخذوا طريقة أهل الهند ونحوهم في الخروج؛ فإنهم ما أخذوا طريقتهم في دعاء الأموات ونحوهم. س: يقول السائل: تشارك بعض الفتيات في المنتديات الإسلامية عبر الإنترنت بموضوعات مفيدة، ويُوَقِّعْنَ تحتها بأسماء مُذَكَّرة، وذلك تجنبا لما قد يصلها من ردود فيها إحراج أو لين في القول، ولكن بعض المشاركين يقول إن هذا كذب وتدليس، وعلى البنات أن يكشفن عن جنسهن ويستخدمن ضمير المؤنث في كتاباتهن، ما توجيه فضيلتكم في ذلك؟ أرى أنه لا مانع من أن تذكر اسمها باسم مذكر كأخيها أو أبيها أو قريبها أو زوجها حتى لا تشهر نفسها في هذه الأجهزة، حتى إذا جاء لها رد عبر هذه الشبكة ونحو ذلك يتلقاه قريبها صاحب الاسم. س: بهذا أيها الإخوة نأتي إلى ختام درس فضيلة شيخنا في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة، والحمد لله عز وجل أولا وآخرًا على توفيقه وتيسيره وإعانته، ونسأل الله عز وجل أن يجزي شيخنا خير الجزاء، وأن يُطِيل في عمره على طاعته. |