يقول في تقرير هذا التوحيد: أول واجب علـــى العـبـيـــــد معرفـة الرحـمــن بــالتوحيـــد ذُكر عن الصوفية أنهم يقولون: أول واجب على العبيد النظر، أول ما يجب عليهم: النظر، ويستدلون بالآيات التي فيها: { قُلِ انْظُرُوا } { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ } { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } وهذا فيه نقص، والصحيح: أن أول واجب على العباد أن يعرفوا ربهم: ......................................... معرفـة الرحـمــن بــالتوحيـــد معرفة الله تعالى، وأنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، وأنه رب كل شيء، وخالق كل شيء، ويكون من آثار هذه المعرفة: عبادته؛ فإن من عرف الله تعالى بآياته، وبمخلوقاته، وبمعجزات أنبيائه، وعرفه، واعترف له بأنه خالق كل شيء، ورب كل شيء، فلا بد أن يقر ويعترف بأنه المستحق للعبادة، فالله سبحانه وتعالى تعرف إلى عباده بهذه الآيات، وبهذه المخلوقات العجيبة، فتعرف إليهم بأنه الذي خلقهم، وكمل خلقهم. خلق الإنسان من أعجب آيات الله تعالى، أقرب شيء إلى الإنسان نفسه، وإذا تأمل وتفكر عرف قدرة القادر: { الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } ولعلكم أو بعضكم قرأ ما كتبه ابن القيم رحمه الله في كتابه الذي سماه:" أقسام القرآن "، عندما أتى على قوله تعالى في سورة الذاريات: { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } فقد ذكر الدلالات والآيات والعجائب التي في خلق الإنسان: { وَفِي خَلْقِكُمْ } . وتوسع في ذلك، وبين أن خلق الإنسان هو أعجب شيء في الوجود، وأنه لو تفكر؛ لو تفكر لرأى خلقه أعجب شيء فيما هو ظاهر، وفيما هو خفي، فلو تفكر في تركيب العين، وكيف ركبت، وكيف جعلت اثنتين؛ لعرف قدرة القادر سواء في الإنسان، أو في غيره، لو تفكر مثلا في أصغر المخلوقات كالبعوض؛ البعوض الذي هو أصغر شيء تجعله بين إصبعيك وتفركه ثم لا يكون منه شيء، ومع ذلك فإن لهذه البعوضة بصر تبصر به قد يكون أحد من بصر الإنسان، وكذلك أيضا حاسة السمع، وكيف يدخل الصوت في الصماخ فيسمع، وغير ذلك من عجائب خلق الإنسان. وكذلك أيضا تكلم ابن القيم على عجائب المخلوقات في كتابه الذي سماه: " مفتاح دار السعادة " وأتى بعجائب في هذه الموجودات، وبذلك نقول: إن الله تعالى تعرف إلى عباده بهذه الآيات، وبهذه العجائب، فإذا قيل لك: بما عرفت ربك؟ فقل: بآياته ومخلوقاته التي نصبها لعباده؛ فعلى هذا: أول واجب علــى العبـيـــــد معرفة الرحـمـن بــالتوحيـــد يعني: حتى يوحدوه أو معرفته: أنه الواحد في ذاته، فهو واحد في ذاته: ليس له ند، واحد في صفاته ليس له شبيه، واحد في توحيده ليس له شريك. يقول هذا النوع الذي هو معرفة الرحمن بالتوحيد: إذ هو من كـل الأوامـر أعـظــم وهو نوعـان أيــا مــن يفهــم يعني: هذا التوحيد أعظم من الأوامر، أعظم من معرفة الصلاة والزكاة ونحوها؛ لأنها عبادات بدنية أو مالية، وأما هذا النوع فإنه توحيد اعتقادي، يمتلئ به القلب، ويعرف ما يجب عليه؛ يقول: إذ هو من كـل الأوامـر أعـظــم وهو نوعـان أيــا مــن يفهــم يعني: اختار أن التوحيد نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الطلب والقصد. |