تكلم بعد ذلك على العلو: علــو قـهــر وعـلـو شــان جـل عــن الأضــداد والأعــوان علو القهر: يعني الغلبة، قال الله تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } يعني: القاهر لهم، الغالب لهم، المتصرف فيهم، فهو القاهر فوق عباده يعني: المتغلب عليهم. القهر قد يوصف به الإنسان؛ كما في قول فرعون { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } يعني: غالبون متسيطرون، متسلطون عليهم: { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } ففوقية فرعون يعني: غلبته لهم؛ لبني إسرائيل ونحوهم. وكذلك علو الشأن، له علو القهر وعلو القدر، وعلو الذات، علو الشأن: هو علو القدر، موصوفا به الرب تعالى؛ علو الشأن. وهذا أيضا قد يوصف به المخلوق كما في قول فرعون { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } يعني: علو شأن وعلو قدر يعني: أنا أعلى قدرا من هؤلاء؛ من موسى ومن معه، يقول ذلك ليرفع نفسه. معلوم أن الأشياء تتفاوت في قدرها؛ فأنت تقول: الذهب أعلى من الفضة، وتقول: الجواهر بعضها أعلى من بعض، ومعلوم أنها تتفاوت تفاوتا عظيما، فالرب تعالى له علو القدر، فلا نسبة بين الرب وبين هذه المعبودات من دونه؛ ولهذا ذُكر أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ظهر في بلدة فيها قبور تعبد من دون الله، فكانوا يحضرون إلى قبر يقولون: إنه قبر زيد بن الخطاب مع أنه مخلوق، فينادونه يا زيد اغفر لنا، يا زيد ارزقنا، يا زيد انصرنا، فكان الشيخ يحضر معهم ليوبخهم، ويقول: الله أعلى من زيد الله أقدر من زيد الله أغلب من زيد ولا يقدرون على أن يقولوا: كذبت، فيرجعون إلى أنفسهم باللائمة، فالله تعالى له علو الشأن: ..................................... جـل عــن الأضــداد والأعــوان أي: تنزه وتعاظم عن أن يكون له أعوان، أو يكون له أضداد الأضداد: هم الأشباه، الضد هو ضد الشيء: هو ما يضاده وما يكون مضايقا له ونحو ذلك، والأعوان: المساعدون، الله تعالى لم يتخذ في خلق السماوات والأرض أعوانا؛ وذلك لأنه: إنما يقول للشيء كن فيكون، الكل تحت تصرفه وتقديره. كـذا لــه العـلــو والفـوقيــة علــى عـبــاده بــلا كيفيـــة هذه مسألة العلو، الذي هو الفوقية على عباده، يعني: علو الذات. علو الذات: يعني كونه أعلى من خلقه وأرفع منهم، وهذه الصفة هي التي أنكرها المعطلة، ولا يزالون ينكرونها، ويدعون أن الله في كل مكان- تعالى الله عن قولهم- ويسمون من يثبتها مجسما، يقولون: أنتم مشبهة، وأنتم مجسمة، وأنتم ممثلة ونحو ذلك، إذا أثبتنا صفة العلو لله تعالى الذي هو علو الفوقية. ونحن نقول:الأدلة واضحة فليس لنا أن نخالفها وأن نقول: إنها مؤولة أو نسلط عليها أقوال المتأولين. وقد ذكر العلماء أدلة صفة العلو لله تعالى الذي هو علو الذات، ونظمها ابن القيم في منظومته " النونية "، وقسمها إلى واحد وعشرين نوعا، يعني: جعلها حاصرة للأدلة التي فيها دلالة على صفة الله تعالى بالعلو، وأنه العلي الأعلى، وابتدأها بآيات الاستواء في قوله: أولها استواء الرب فوق العـرش فـي سبع أتت في محـكـم الـقـــرآن وكذلـك اطــردت بــلا لام ولــو كانت بمعنـى اللام فــي الأذهــان لأتت بهـا فـي موضـع كي يحمل الـ باقـي عليهـا وهـو ذو إمكـــان يعني آيات الاستواء جاءت في سبع آيات، في سبعة مواضع، وكذلك اطردت بلا لام، ليس فيها اللام التي زادوها، الذين يقولون: استوى بمعني استولى، فإنها زيادة في كلام الله تعالى، وقد شبهها ابن القيم بزيادة اليهود لما قيل لهم: { وَقُولُوا حِطَّةٌ } قالوا: حنطة، فيقول ابن القيم نـون اليهــود ولام جهمـيٍ همــا في وحي رب العرش زائدتــان ليس هناك دليل على أن استوى بمعني استولى، قد أطال العلماء في الرد عليهم في لفظ الاستواء، وتكلم على ذلك المؤلف الذي هو الحكمي في شرحه لهذه المنظومة: " معارج القبول "، وأورد الكثير من أدلة صفة العلو لله تعالى، منها: آيات العلو؛ كقوله تعالى: { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } { إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } { إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى } فإنها عامة للعلو بأنواعه. ومنها: آيات النزول آيات الإنزال؛ كقوله: { مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ } { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ } { تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } { تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ؛ فإن النزول لا يكون إلا من فوق، الإنزال لا يكون إلا من فوق فأخبر بأن هذه منزلة من الله تعالى؛ فدل على أنه العلي الأعلى، ودل على أن من صفاته أنه هو العالي فوق عباده، الذي ينزل المخلوقات منه. ومنها: آيات الصعود كقوله: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } ومنها: آيات العروج كقوله تعالى: { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ } والعروج: هو الرقي، ومنها: آيات الرفع كقوله تعالى: { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ } وقوله: { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } . ومنها: ما ذكره الله تعالى عن فرعون أنه قال: { ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى } دل على أن موسى أخبره بأن إلهه فوق العرش، وأنه فوق السماوات العلا، فلذلك أراد أن يصعد إلى السماء؛ حتى ينظر هل موسى صادق أم لا ؟ قال: { وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ } . ومنها صفة الظهور في قوله تعالى: { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } والحاصل أنه أوصلها إلى نحو واحد وعشرين نوعا. وكذلك الأحاديث الكثيرة في ذلك، وبكل حال فإن هذه هي عقيدة أهل السنة: أنهم يؤمنون بأن الله تعالى هو ربهم، وأنه هو العلي الأعلى، وأما الأشاعرة، والمعتزلة، والصوفية، ونحوهم، فإنهم يدعون أن ربهم تعالى في كل مكان بذاته، ولا ينزهون الله تعالى عن الأماكن، بل يقولون: إنه في كل مكان، وأقوالهم متخالفة. |