حـي وقـيـــوم فــلا ينـــام وجــل أن تشبهــــه الأنــــام له الحياة المطلق بحيث إنه لا يأتي عليه فناء، فهو الحي القيوم، القيوم: هو القائم على أرزاق خلقه بما يصلحهم، فلا ينام: { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } وفي الحديث: { إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه } فهو حي وقيوم فلا ينام. وجل أن يشبهه الأنام، هكذا عند أهل السنة ينفون التشبيه، فيقولون: ننزه الله عن مشابهة الأنام، يعني: الخلق، يرميهم المعتزلة بالتشبيه، وكذلك أيضا الرافضة، وكذلك الخوارج ونحوهم الموجودون، ومنهم الإباضية الذين في عمان فإنهم سلكوا مسلك التعطيل، وصاروا يصرحون بذلك، ومن جملة ما ينفونه: الرؤية في الآخرة، وينفون كلام الله تعالى، ويقولون: إن القرآن مخلوق، ونحو ذلك من أقوالهم الشنيعة. وقد كتب مفتيهم المدعو أحمد بن حمد الخليلي كتابا انتشر -مع الأسف- داخل المملكة يسميه:" الحق الدامغ " تكلم فيه على الرؤية وحرّف الآيات وأبعد في تحريفها، وحملها على محامل بعيدة، ولم يقبل الأحاديث وادعى أنها آحاد وأنها متناقضة، والمسألة الثانية: القرآن قرر بأنه مخلوق، وأن الله تعالى لا يوصف بأنه يتكلم، والمسألة الثالثة: قرر فيها مذهبه وهو أن الله لا يقدر على كل شيء؛ لا يقدر أن يهدي ولا يقدر أن يضل، بل العباد هم الذين يضلون أنفسهم، أو يهدون أنفسهم، وهكذا أيضا كان على هذه المعتقدات، هذا المعتقد الباطل، ولا شك أن فعله هذا وعقيدته على ما كان عليه المعتزلة قديما وحديثا، فهم ينكرون صفات الله تعالى، وينكرون تكلمه، وينكرون علوه وفوقيته، وينكرون نزوله، ومجيئه، وما أشبه ذلك، ويسلطون التأويلات على الآيات والنصوص. فأهل السنة يصفون الله تعالى بصفات الكمال وينزهونه عن صفات النقص، فهاهنا يقول الناظم: حي وقـيــوم فـــلا ينــــام وجل أن تـشبهــــه الأنــــام نزه الله تعالى بما نزه نفسه، قال تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } أي: ليس له مثل، { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } هذه بعض آية رد الله فيها على طائفتين: على المشبهة، والمعطلة؛ رد على المشبهة بقوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } أي: لا مثيل له، في ذاته ولا في صفاته، أي: كل ما يتخيله الذهن أو كل ما يتصوره العقل فإن الله تعالى بخلافه، وكذلك رد على المعطلة بقوله: { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } يعني: أن من صفاته السمع والبصر، وذلك رد على من نفاهما. ذكر أن بشر المريسي أو غيره من دعاة الباطل قالوا لأحد الأمراء: اكتب على كسوة الكعبة ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم، لا تكتب: { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } فإنها إبطال لمعتقدنا، اكتب: وهو العزيز الحكيم، امتنع ذلك الأمير، وقال: إن هذا تحريف لكلام الله تعالى، نقرأ الآية كما جاءت: { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الله سبحانه وتعالى نفي عن نفسه مشابهة الأنام: { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } لا تضربوا له الأمثال: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } ونحو ذلك. يقول: لا تبلغ الأوهـام كنـــه ذاتـــه ولا يكـيـف الحجــا صفــاتــه الأوهام: يعني التخيلات، لا تبلغ كنه ذاته، الكنه: هو الماهية، كنه الشيء يعني: ماهيته وما يتكون منه، فالأوهام والتخيلات والعقول لا يمكن أن تبلغ كنه ذاته وأن تتكيفه وأن تصيره، يقول بعض العلماء: كل ما خطر ببالك، وكل ما تخيلته كصفة لله تعالى، فإن الله بخلاف ذلك؛ لأنه أخبر بأنه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } . ....................................... ولا يكـيـف الحجــا صفــاتــه الحجا: هو العقل. أي: مهما فكرت العقول فإنهم لا يكيفون صفاته، فعلم الكنه، و الكيفية، اختص الله تعالى به دون خلقه، فلا أحد يقدر على أن يبلغ كنه صفة من صفاته وماهيتها. |