بعد ذلك تكلم على الرؤية: وأنــه يـــرى بلا إنكــار فـي جنـة الفردوس بالأبصار كـل يـراه رؤيـــة العيـان كمـا أتـى في محكم القـرآن وفـي حـديث ســـيد الأنـام من غـير ما شك ولا إيهــام رؤيــة حـق ليس يمترونهـا كالشمس صحوا لا سحاب دونها وخـص بالرؤيــة أوليــاؤه فضيلـة وحجــبوا أعــداؤه هذه الأبيات الخمسة تتعلق بإثبات الرؤية، وقد أنكرها المعتزلة، وأقر بها الأشاعرة؛ ولكن لم يقروا بها رؤية حقيقة، وإنما جعلوها رؤية قلبية، رؤية مكاشفات ونحوها، وقد جعلها أهل السنة من الأدلة على إثبات صفة العلو لله -سبحانه وتعالى- وذلك لأنكم تثبتونها، فيلزمكم إما أن تنفوها، وإما أن تثبتوها وتثبتوا صفة العلو والفوقية لله - سبحانه وتعالى- كما يشاء، وإذا أثبتموها ونفيتم العلو فقد تناقضت أقوالكم. أثبتوها كأنهم لم يقدروا على أن يردوا على السلف ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله كثير من الأشاعرة على المذهب الشافعي، وقد اشتهر عن الشافعي رحمه الله أنه أثبت رؤية الله، واستدل بقوله تعالى: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } وقال: إذا حجب الكفار؛ دل على أن المؤمنين غير محجوبين، لو كانوا محجوبين؛ لم يكن هناك فرق بين أولياء الله وأعدائه؛ الكل محجوبون، هكذا استدل، اشتهر ذلك عنه، فقيل لهم: أتكفرون الشافعي ؟ أنتم تكفرون من يثبت هذه الصفات، أتخطئونه أتضللونه؟ لا يقدرون على ذلك فعند ذلك أثبتوا رؤية. ولكن لم يثبتوا رؤية حقيقية، وإنما أثبتوها وهمية، قالوا: إنها بمعنى المكاشفات، يعني أنها رؤية قلبية بحيث أنه يكشف لقلبه فيتلذذ بتلك المكاشفات، وأما الرؤية البصرية عيانا فإنها لا تثبت؛ لأنهم ينفون أن يكون الله تعالى فوق العباد، وينفون أن يكون الله تعالى في جهة العلو، أو يكون الله مستويا على العرش كما يشاء، ويحرفون ما جاء من الآيات التي في إثبات العلو، ويحملونها على أن العلو علو القدر، أو علو القهر والغلبة، ويحملون الاستواء على أنه الاستيلاء، ويستدلون ببيت ينسبونه إلى الأخطل . قد اسـتوى بشـر على العراق من غير سـيف أو دم مهـراق والحاصل أنه صعب عليهم إثبات الرؤية الحقيقية؛ فأثبتوها ولكن جعلوها رؤية وهمية. أما المعتزلة فأنكروها إنكارا كليا، ولا يبالون أن يخالفوا الإمام الشافعي أو الإمام أحمد أو غيرهم من الأئمة؛ لأنهم أنكروا جميع الصفات. أما أهل السنة والجماعة فقد أثبتوا هذه الرؤية، وجعلوها ميزة وفضيلة، فضيلة وكرامة لأولياء الله -سبحانه وتعالى- وقد تكاثرت الأدلة على إثباتها. تكلم عليها ابن القيم رحمه الله في كتابه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" الذي تكلم فيه عن الجنة، وتكلم عليها أيضا في كثير من كتبه، وتكلم عليها أيضا الشارح – المؤلف - في شرحه أورد الآيات، وأورد الأحاديث أخذا مما ذكره ابن القيم في " حادي الأرواح " وغيره. المعتزلة يكررون دلالة الاستدلال بآيتين: الآية الأولى في سورة الأنعام: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ } . والآية الثانية في سورة الأعراف، وهي قوله لموسى { لَنْ تَرَانِي } لما { قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } وقد بين ابن القيم - رحمه الله- أن في الآيتين دلالة على إثبات الرؤية لا على نفيها؛ فإن قوله: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } الإدراك: هو الإحاطة، وهو غير الرؤية؛ ولهذا ذكر الله الفرق بينهما في قصة موسى وبني إسرائيل، قال -تعالى- في سورة الشعراء: { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } تراءى: كل منهما يرى الآخر فقالوا: { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } فقال: كلا لا تُدرَكون، فدل على أن هناك رؤية وهناك إدراك، أثبت الله الرؤية ونفى الإدراك. لا شك أن هذا دليل على أن الرؤية شيء غير الإدراك، فسروا الإدراك بأنه الإحاطة، أي لا تحيطوا به؛ فيكون المعنى إذا رأته الأبصار فإنها لا تحيط به، ولا تدرك ماهيته ولا تدرك كنهه، وسئل ابن عباس عن هذه الآية؛ فقال: ألست ترى القمر؟ فقالوا: بلى . قال: أكله؟ -يعني أتراه كله؟- قال: لا. قال: فذلك الإدراك. النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل بالقمر في حديث جرير قال: { إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تمارون في رؤيته أو لا تضارون في رؤيته } وفي رواية: { إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، أو لا تضارون في رؤيته } قال العلماء: إن هذا تمثيل للرؤية بالرؤية، ليس تمثيلا للمرئي بالمرئي، ليس تمثيلا لله تعالى بالقمر، فابن عباس يقول: ألست ترى القمر؟ قال: بلى. قال: أكله؟ أتراه كله؟ قال: لا قال: فذلك الإدراك، فإذا رأوا ربهم فإنما يرون ما يبدو لهم منه كما يشاء، ولا يدركون كنهه، ولا يدركون ماهيته. نحن نرى القمر ولكن هل ندري ما ماهيته؟ ما ماهيته التي هو منها؟، هل هو من تراب؟ هل هو من حجارة؟ هل هو من زجاج؟ هل هو من حديد؟ لا ندري، فهذا هو الإدراك، يعني عدم علمنا بماهية القمر، فالإدراك شيء زائد على الرؤية. فمعنى الآية أن الله تعالى أثبت أو أنه - سبحانه وتعالى- تمدح بأنه لا تدركه الأبصار، وهذا على وجه التمدح، يقول ابن القيم إن الآية سيقت على وجه التمدح، والتمدح لا يكون بنفي، لا يمدح الشيء بالنفي، فإنه يشبه المعدوم، المعدوم ليس بشيء ولا يرى. فهل يمدح المعدوم؟ إذا قيل: إنه لا يرى، ليس بشيء حتى يمدح بأنه لا يرى، فالله – سبحانه وتعالى - مدح نفسه، والمدح لا يكون إلا بالصفات الثبوتية، لا يكون بالصفات السلبية؛ فدل على أنه أراد بذلك، أنه لعظمته وجلاله وكبريائه إذا رأته الأبصار في يوم القيامة، أو رأته في الجنة، فإنه لعظمته لا تحيط به هذه الأبصار، كما أنهم إذا رأوا السماء فلا يحيطون بها لا يرونها من كل جهاتها، وإنما يرون ما يقابلهم منها. فكذلك إذا تبدى لهم الرب – تعالى - في الجنة إنما يرون منه ما يبدو لهم، أو ما أبرز لهم كما يشاء؛ فبذلك يثبت أن الآية دليل على إثبات الرؤية لا على نفيها، وذلك لأنها سيقت للتمدح، هكذا استدلوا بها. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: أنا ألتزم أن كل من استدل بحق على باطله؛ أن أرد باطله من ذلك الدليل، فهذه الآية يستدلون بها على باطلهم، ففيها رد لباطلهم، ترد على باطلهم؛ لأن الآية حق. استدل بها كبير أو رئيس المعتزلة قديما القاضي عبد الجبار في كتابه الذي سماه متشابه القرآن والذي طبع في مجلدين بتحقيق عدنان محمد زرزور يظهر أن زرزور هذا أنه على عقيدة المعتزلة؛ ففي تحقيقه لهذا الكتاب أيده وقرره مع أن عبد الجبار تسلط على آيات الصفات، وأولها وحرفها تحريفا بليغا، ثم إن زرزور أيضا ألف له رسالة وسماها متشابه القرآن هكذا ومشى فيها على ما مشى عليه عبد الجبار ؛ ولكنه اختصر، واقتصر على بعض الآيات التي ذكرها عبد الجبار ؛ فيدل على أنه على مثل هذا المعتقد، هو استدل بهذه الآية. واستدل بها أيضا مفتي الإباضية الحالي الذي يسمى أحمد الخليلي في كتابه الذي ذكرنا، والذي سماه الحق الدامغ؛ وذلك أنه فسر الإدراك باللحوق: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } أي لا تلحقه، وهذا تفسير بعيد، ذكرنا أن كتابه هذا ضمنه ثلاث مسائل: الأولى: نفي الرؤية تسلط على الآيات، وبالغ في ردها، وكذلك الأحاديث، الأحاديث صريحة؛ ولكن يقول: إنها متناقضة فلا نقبلها، ولو كانت في الصحيحين. ثم المسألة الثانية: خلق القرآن. والمسألة الثالثة: إنكار قدرة الله على أفعال العباد. ثم هناك في قطر شيخ يظهر أنه -إن شاء الله- من أهل السنة عبد الرحيم الطحان ألقى محاضرة في إثبات الرؤية، وذكر أدلتها، ووضح تلك الأدلة، وكان إذا تكلم في موضوع وفاه حقه، انتشرت هذه المحاضرة في أشرطة، ووصلت إلى عمان فكبرت على هذا المفتي الذي هو الخليلي وصعبت عليه صراحتها؛ فألقى محاضرة في الرد عليها، وتأول الآيات وتأول الأحاديث في تلك المحاضرة، ثم إنه فرغها في كتيب، وسماه وسقط القناع ، طبع هذا الكتيب حوله، يريد بذلك ألا تنتشر هذه المقالة فيما بينهم؛ لأن عندهم هناك من تأثروا بمعتقد أهل السنة؛ حيث قرءوا كثيرا من كتب أهل السنة؛ فتركوا معتقد الإباضية، الذي هو معتقد أشعري؛ فخاف أنه يفشو ذلك المعتقد عندهم ويبطل اعتقادهم؛ فرد بهذا الرد، ولكنه رد ضعيف. فالحاصل أن هذا دليل على أن لكل قوم وارث، وأنهم لا يزالون يكتبون في خلاف السنة، ورأيت قبل ثلاثين سنة أو نحوها رسالة نوقشت في الماجستير، وأعطيت درجة امتياز، ألفتها امرأة من أهل تلك البلاد في نفي الرؤية، كلها رسالة كاملة في نفي الرؤية، حرفت الآيات والأدلة وتكلمت عليها بكلام قوي في ردها وناقشها أمثال هؤلاء المعتزلة وقبلوها، ومع ذلك أدلتها متهافتة. والحاصل أن هذا دليل على أن هذا المعتقد متمكن، يعني معتقد الأشعرية، ومعتقد الرافضة. فالأشعرية يثبتون رؤية ليست حقيقية وهي مكاشفات، والمعتزلة، والإباضية، والرافضة على معتقد المعتزلة ينفون الرؤية نفيا كليا، ويسلطون على أدلتها التأويلات البعيدة، أو الرد لها ردا كليا. فمن أدلة أهل السنة هذه الآية؛ لأنها تمدح، أخبر الله تعالى بأنه لعظمته، إذا رأته الأبصار؛ فإنها لا تحيط به، ومن أدلتهم أيضا آية الأعراف، قول الله تعالى عن موسى { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } هذه الآية يستدل المعتزلة منها بقوله: { لَنْ تَرَانِي } ولكن لا يتأملون الآية - يعني تتمة الآية - فيحتج عليهم أهل السنة؛ بل والأشعرية الذين يثبتون الرؤية، يحتجون عليهم بأدلة من الآية. فأولا: أن موسى نبي الله وكليمه ورسوله، يسأل الرؤية فيقول: { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ } أفتظنون موسى جاهلا بربه؟ فهل موسى أجهل بالله من علمائكم؟ متى كان علماؤكم أعلم بالله تعالى من موسى الذي كلمه تكليما؟ لا شك أن هذا تنقص لأولياء الله سبحانه. كيف تُجَهِّلون موسى وتقولون: إنه لا يدري ما يجب لله، وما لا يجوز عليه؟ لا شك أن هذا طعن فيه. كذلك أن الله تعالى ما عاتب موسى ولا وبخه ولا أنكر عليه، عاتب الله نوحا لما قال: { إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي } فقال الله: { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } وأما موسى فلم ينكر عليه بل قال: { لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } فالله تعالى ما قال: إني لا أُرى، لست بمرئي، لا تمكن رؤيتي؛ بل قال: { لَنْ تَرَانِي } يعني في الدنيا؛ وذلك لضعف البشر؛ فالبشر بشر ضعيف الخلقة وضعيف البنية، لا يتحمل أن يثبت لرؤية الرب سبحانه وتعالى ولهذا قال الله: { وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } استقرار الجبل ممكن، فإذا كان ممكنا فالله تعالى علق رؤية موسى عليه، كأن الجواب إن الجبل أقوى منك، وأشد منك، فانظر إليه فإذا استقر الجبل فإنك سوف تراني، فدل على أن الرؤية ممكنة. ثم قال: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } تجلى الرب تعالى للجبل وإذا جاز أن يتجلى للجبل فكيف لا يتجلى لعباده في الجنة ويعطيهم قوة فيتمكنون من رؤيته كما يشاء؟ فهذا وجه دلالة الآية، أنها دالة على إثبات الرؤية. الخليلي في كتابه: الحق الدامغ، لما ذكر اختصار كلام ابن القيم ورأى أنه بليغ، ذهب إلى شبهة أخرى فقال: إنه ما قال ذلك ما قال: { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ } إلا ليوبخ قومه الذين قالوا: { أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً } { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } أراد بذلك أن يوبخهم، ويبين لهم أن الرؤية غير ممكنة، هكذا حاول أن يجيب عن الآية. وهذا عجب، قول بعيد، فموسى عندما سأل الرؤية كان بعيدا عن قومه، قد كلمه الله تعالى على الطور يقول تعالى: { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } وذكر أنه واعد قومه أربعين ليلة، ذهب عن قومه أربعين ليلة: { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } وفي غيبته اتخذوا العجل، قال الله: { وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ } { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ } فأين موسى ؟ وأين قومه؟ لا شك أنه كان بعيدا عنهم، فكيف يقول: { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ } ؟ ليوبخهم! ولكن يحاول هؤلاء النفاة. الأدلة كثيرة، منها وأصرحها قوله – تعالى - { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } الكلمة الأولى: ناضرة بالضاد من النضارة التي هي البهاء والحسن، كقوله تعالى: { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } والكلمة الثانية: بالظاء أي من النظر الذي هو النظر بالبصر { نَاظِرَةٌ } وجعل الله تعالى الوجوه حتى يذكر أنها في غاية النضارة والحسن والجمال، وأن الأعين في الوجوه، وجوه - يعني بالأعين - والآية قد تكلموا عليها، وحرفها المعتزلة تحريفات عجيبة. ومن الأدلة استدلال الشافعي -كما ذكرنا- { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } . ومن الأدلة تفسير الزيادة في قول الله – تعالى - { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله -تعالى-. واستدل أيضا بقوله -تعالى- { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } أن المزيد هو فسر بالنظر إلى وجه الله تعالى وغير ذلك من الاستنباطات. وأما الأحاديث فسرد ابن القيم نحو ثلاثين حديثا، عن ثلاثين من الصحابة، منها أحاديث في الصحيحين، وأحاديث في أحد الصحيحين، وبعضها خارج الصحيحين، وبعضها فيه ضعف شديد؛ ولكنه يتقوى بغيره، لما ذكر حديث جرير الذي في الصحيحين: { إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر - أو كما ترون القمر ليلة البدر- فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا } رواه جرير بن عبد الله ورواه عن جرير قيس بن أبي حازم ورواه عن قيس إسماعيل بن أبي خالد وتابع إسماعيل أربعة أو خمسة رووه عن قيس وأما الذين رووه عن إسماعيل بن أبي خالد فسرد منهم نحو خمسين راويا من السلف، منهم مشاهير الأئمة، رووه وأقروه، رواه مالك بن أنس والليث بن سعد وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشعيب بن أبي حمزة وأكابر العلماء في ذلك الزمان، وأقروه، فهل تقولون: إن هؤلاء كلهم مشبهة؟! وهل تقولون: إن هؤلاء كلهم حشوية -كما يعبر الخليلي ونحوه-؟ أنهم كل من أثبت الصفات، يسميهم حشوية، فمعناه أن السلف كلهم الذين أقروا هذا الحديث، أنهم حشوية، واشتهر بينهم - المعتزلة ونحوهم - لا يقبلونه لأنهم يقولون: إنه خبر آحاد، يعني ما رواه إلا جرير وما رواه عن جرير إلا قيس ولكن إذا كان ثابتا في الصحيحين، تلقته الأمة بالقبول؛ فلا إنكار عليه، وهم لا يحتجون بأخبار الآحاد، وصنف واحد من الإباضية كتابا سماه: السيف الحاد على من يحتج بأخبار الآحاد، وطبع الكتاب هناك، ووزع سرا في الحرم المكي قبل عشر سنين، واشتهر هذا الكتاب، ورد عليه بعض التلاميذ ردا بليغا، ولكن مؤلفه غضب من ذلك الرد، ورد على الرد في مجلدين- ويمكن أنه يزيد- وكلامه هراء، وكلام لا حقيقة له، وهكذا يكون كلام أهل الباطل. يقول: كل يراه رؤية العيان - يعني أهل الجنة - ولعله يريد رؤيتهم له إذا نزل يوم القيامة للفصل، أن كلهم يراه رؤية العيان: كل يـراه رؤيـــة العيــان كمـا أتـى في محكم القـرآن وفـي حـديث ســيد الأنــام من غير ما شـك ولا إيهــام يعني: جاء في محكم الآيات وجاء في أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- . رؤيــة حـق ليس يمترونهـا كالشمس صحوا لا سحاب دونها كما جاء في حديث أبي هريرة { أن أناسا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في رؤية الشمس صحوا ليس دونها سحاب؟! قالوا: لا. هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟! قالوا: لا. قال فإنكم ترونه كذلك } ثم ساق الحديث الطويل وكان أبو سعيد جالسا عنده لا ينكر عليه شيئا إلى آخره. يقول: وخـص بالرؤيــة أوليــاؤه فضيلـة وحجــبوا أعــداؤه يعني: أن أولياءه هم الذين يرونه في الجنة، وأما أعداؤه فإنهم عن ربهم محجوبون. |