ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذر من ذلك ففي الصحيح ذكرت أم سلمة وأم حبيبة وهن من أمهات المؤمنين هاجرن إلى الحبشة وكانت الحبشة التي هي الآن ما يعرف بأثيوبيا كانت في ملك النصارى، كان النجاشي ومن حوله من النصارى، إلا أن الله هدى أصحمة النجاشي وأسلم، ولكن من حوله كلهم على دين النصارى؛ { فذكرت أم سلمة وأم حبيبة كنيسة رأينها بأرض الحبشة } -معبدا للنصارى- وذكرن ما فيها من الصور، أي أن فيها تصاوير؛ { فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح؛ بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله } هكذا أخبر بأنهم شرار الخلق . إذا مات فيهم سيد أو عبد صالح؛ صوروا صورته، ونصبوها قبالة قبره، وعمدوا إلى قبره، وبنوا عليه، أو دفنوه في هذا المعبد الذي هو الكنائس، فيبنون حوله كنيسة يعني معبدا، ويصورون صورته؛ فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين فتنة القبور، وفتنة التماثيل ، فإن صورته إذا كانت منصوبة أمام المصلين وأمام الداعين كان لها وقع في النفوس، واعتقاد أنها صورة ولي، وأن هذا الذي صور في هذا له مكانة، كذلك أيضا إذا كان قبره في ذلك المصلى، الذي يصلى فيه؛ فإنه يكون بذلك محل تقديس، ومحل توقير، يعتقدون أن له أهمية، وأن له مكانة؛ فيؤدي ذلك إلى أنهم يعبدونه مع الله، يجعلون له شيئا من حق الله تعالى من أنواع العبادة؛ فيكونون بذلك مشركين. وثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن من فعل ذلك ففي الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت { لما نُزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها فقال: وهو كذلك لعن الله أو لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خُشي أو خَشي أن يتخذ مسجدا } هذا في سياق الموت، يعني في حالة سياق الموت، لم يغفل عن نصح أمته، عرف أنه سوف يموت كما مات الأنبياء قبله، وأنه يُخشى أن يتخذ قبره مسجدا؛ فلذلك لعن من فعل ذلك . اليهود والنصارى كانوا على أديان فاليهود على شريعة موسى وعندهم التوراة التي أنزلها الله على موسى والنصارى على شريعة عيسى وعندهم الإنجيل الذي أُنزل على عيسى وكان فيهم أنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي فكان إذا مات منهم نبي؛ دفنوه في موضع وجعلوا مكانه مصلى يقصدونه للصلاة عنده، أو كذلك بنوا حوله بناية ككنيسة أو صومعة أو بيعة تكون متعبدا لهم؛ استحقوا بذلك اللعن الذي: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى ، وكذلك أيضا في الحديث الصحيح عن سمرة قال: { سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك } . فهكذا نهى عن ذلك قبل أن يموت بخمس، في آخر حياته نهى عن اتخاذ القبور مساجد، وكذلك أيضا ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم – قال: { إن من شرار الناس من تدركهم الساعة، وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد } جعلهم من شرار الناس، معلوم أن الذين تدركهم الساعة لا خير فيهم، كما ورد في الحديث أنها { لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله } فجعل مثلهم الذين يتخذون القبور مساجد . يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- فقد نهى عن ذلك في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق من فعل ذلك، والصلاة عندها من ذلك وإن لم يبن مسجدا . وهو معنى قولها: خُشي أن يتخذ مسجدا، فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا؛ فكل موضع قصد للصلاة؛ فإنه مسجد، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا، وإن لم يكن مبنيا، واستدل بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } أي: مكانا للسجود فيه وللصلاة فيه، فكل موضع يقصد للصلاة فيه؛ فإنه يسمى مسجدا. ينبه بذلك إلى أن أهل زمانه يقصدون القبور ليصلوا عندها، ويعتقدون أن الصلاة عند ذلك القبر أفضل من الصلاة في المساجد، وأن ذلك الميت يرفع صلاتهم، ويشفع في قبولها وفي مضاعفتها، هذا من جهة، ثم تمادى بهم الأمر إلى أن صاروا يقصدون القبر للدعاء عنده، ويقولون إذا دعونا الله عند هذا القبر أو عند هذا السيد؛ قُبلت دعوتنا، أي شَفع لنا، حتى يقبلها الله، ويستجيب لنا، ويعطينا ما سألنا، فكان ذلك أيضا من أسباب الفتن . |