ونقول: أيها الآباء، عليكم أن تشجعوهم، عليكم أن تشجعوا هؤلاء الإخوة الذين جاهدوا والذين اجتهدوا في تأسيس هذه المدارس، وأن تروهم من أنفسكم ما يسرهم؛ فإنهم كلما رأوا منكم ما يسرهم من متابعتكم لأولادكم وتشجيعهم -كان ذلك حافزًا لهم على المواصلة لهذه الأعمال الخيرية، وعلى الاحتساب فيها، وعلى عدم الملل وعدم الكلل، وهذا مما يحصل لكم به النفع في كون أولادكم يعتنون بالقرآن ويعملون به ويكونون من أهل القرآن الذين يعملون بما أمرهم الله تعالى. بخلاف ما إذا غفلتم وتركتم أولادكم يلعبون، وتركتم لهم الحبل على الغارب، ونسيتم ولايتكم عليهم ومسئوليتكم، ونسيتم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- { كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته } أو جلبتم لهم ما يضرهم، وشغلتموهم بما يصدهم عن الخير؛ فإنهم يكونون شجًّا في حلوقكم، ويكونون وبالًا عليكم، ويعرضون عن القرآن، وإذا أعرضوا عنه فإنهم يستحقون العذاب؛ قال الله تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } ؛ أي من أعرض عن ذكر الله، ومن جملة ذكر الله تعالى: القرآن؛ فإن الله تعالى سماه الذكر في قوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . فالذكر: هو هذا القرآن؛ لأنه يذكر بمن أنزله، يذكر بالرب الذي هو كلامه، فإذا أعرضوا عنه خُشي أن تعمهم هذه الآيات وما أشبهها من الآي، والآيات التي فيها وعيد شديد لمن اشتغل بدنياه، واشتغل بشهواته. ومعلوم أن الأولاد يعتبرون قرة أعين لآبائهم وأمهاتهم، ينفعهم إذا رأوا أولادهم صالحين مستقيمين، إذا رأوهم يحفظون القرآن، ورأوهم يواظبون عليه، ورأوهم يتلونه حق تلاوته، كما أمر الله بقوله: { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } ورأوهم أيضًا يحافظون على الصلاة، ويبكرون إليها، ويحافظون على صلاة الجماعة، ويألفون المساجد؛ لأن فيها حلقات العلم، ولأن فيها حلقات القرآن، ويحبون كلام الله تعالى، ويجتهدون في تعلم العلم النافع الذي يفيدهم، إذا رأوهم كذلك فإنهم تقر بذلك أعينهم؛ فالولد قرة عين، كما في قول الله تعالى حكاية عن المؤمنين أنهم قالوا: { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } ؛ أي اجعلهم قرة أعين لنا تقر بهم أعيننا. فإذا أهملهم الأولياء وتركوهم بدون تربية وبدون تعليم فإن هناك من يوقعهم في الآفات وفي المصائب، ويوقعهم في المعاصي، وفي المكروهات، والمحرمات، أو يوقعهم في إضاعة الأوقات سبهللًا بدون فائدة؛ فليجتهد كل من ولَّاه الله تعالى ولاية على أحد من أولياء من أولاده؛ يجتهد في تعليمه كلام الله تعالى، في أن ينضم إلى هذه المدارس الخيرية، وأن يتعلم في وقت فراغه ما تيسر من القرآن. ومعلوم أيضًا أنه لا يعوقه ذلك عن الاجتهاد في الدراسات النظامية لا يعوقه؛ بل إننا نشاهد كثيرًا من الذين تفوقوا في حفظ القرآن أنهم يتفوقون أيضًا في الدراسات؛ فيكونون سابقين في دراساتهم في جميع المراحل يواصلون دراستهم المتوسطة وفي الثانوية وفي الجامعة، ومع ذلك هم يوالونه ويواصلون دراستهم في القرآن وفي الحلقات، ولا يشغلهم هذا عن هذا؛ بل يكون هذا حافزا لهم؛ وذلك لأنهم يشعرون بفضل الوقت، ويعرفون أن إضاعته حسرة، وأن الإنسان إذا ضيع وقته فيما لا فائدة فيه يعتبر قد خسر ذلك الوقت، ولو كان قليلًا ولو كان ساعة أو نصف ساعة لم يستفد فيها فإنها تكون عليهم حسرة؛ تكون حسرة عليهم يتمنون أنهم اشتغلوها في شيء ينفعهم. فإذا كان الأولاد تربوا على النظر في الأفلام الخليعة والصور الفاتنة، أو تربوا على اللهو واللعب، أو على سماع القيل والقال، أو على سماع الغناء والزمر، أو على مخالطة أهل اللهو واللعب الذين لا فائدة في مخالطتهم؛ بل في ذلك مضرة- فإنهم يخسرون أعمارهم، يخسرون مستقبل أعمارهم؛ وذلك لأن هذا الوقت الذي هم فيه، الذي هو مستقبل العمر هو ريحانة الإنسان، وهو ريعان شبابه، وهو الذي يكون فيه رابحًا أو خاسرًا، فإن شغله في القرآن والسنة والعلم النافع ربح؛ حيث إنه يرسخ هذا القرآن، وترسخ هذه المعلومات في ذاكرته؛ فيكون دائمًا مستحضرًا لها دائمًا. وهذا هو ما ذكره العلماء -رحمهم الله- من أنه يُربى الإنسان على العلم والقرآن في صغره، فذكروا أن أولياء الأمور يبدءون تعليم أبنائهم بالقرآن؛ يبدءونهم به حتى يستظهروه في السنة الخامسة أو السادسة ونحوها، كثير من العلماء يقولون: إن فلانا أخر تعليم أولاده حتى بلغوا السادسة؛ يعتبرون ذلك إهمالًا إذا لم يلحقوا بالكتاب من الكتاتيب وفي التعلم إلا في السنة السادسة يعتبرون ذلك إهمالًا، ولا شك أنه في حالة الصغر يكون حاد الذهن عادة، ويكون قوي الذاكرة وقوي الحفظ، كما يقول القائل: العلم في الصغر كالنقش في الحجر. ويقول بعضهم: وإن مـن أدبتـه فـي الصِّبا كالعود يُسقى الماء في غرسه كالعود، من أدبته في الصبا، وعلمته فإنه مثل العود الذي يُسقى الماء؛ فإنه ينبت وينمو ويكبر ويتكامل، بخلاف ما إذا تُرك حتى يصلب عوده؛ فإنه يصعب بعد ذلك تليينه، يقول بعضهم: إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تليـن إذا كانت من الخشب فما دام تحت ولاية أبيه، وما دام تحت سيطرته؛ فإن عليه أن يراعيه وأن يتولاه، وأن يجتهد في تربيته، وكذلك أيضًا الشاب ما دام قد كفاه أبوه مئونة الطلب؛ مئونة الكسب قد كفاه مئونة التكسب فهو ينفق عليه، الوالد يكسب ويتعب ويعرق جبينه في جمع الرزق الذي يقوت به أولاده، وأولاده صغار مفرغون، فما دام أنه مفرغ ليس عنده ما يشغله فإن عليه أن ينشغل بما ينفعه، وأهم ما ينفعه هو تعلمه في القرآن الكريم. ثم نقول أيضًا: إن علينا أن نعلمهم مع القرآن معاني القرآن؛ فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا تعلموا عشر آيات يتعلمون معناها وما فيها؛ فيتعلمون القرآن والعلم والعمل جميعًا، وهذا أيضًا يسير -والحمد لله- سيما إذا كانوا قد عرفوا مبادئ الدراسة في المرحلة الابتدائية، وما أشبهها؛ فإنهم يعرفون المعاني بمجرد ما يسمعونها، وبمجرد ما تُفسر لهم؛ فيكونون قد جمعوا بين حفظ القرآن وحفظ معانيه، وبعد ذلك يسهل عليهم تطبيقه والعمل به؛ فيكونون قد جمعوا بين العلم والعمل، فهكذا نتواصى أيها الإخوة. أيها الشباب، بادروا بحفظ القرآن واستمروا عليه، وأيها الأولياء، عليكم بمتابعة أولادكم وبِحَثِّهِمْ وتحريضهم وتشجيعهم بما تبذلونه لهم؛ حتى يواصلوا، وأيها المحسنون المتبرعون، وأيها المدرسون، كلكم احتَسِبوا الأجر في ذلك، واحتسبوا أنكم بذلك نافعون لإخوانكم ولأولاد إخوانكم، وأن لكم من الأجر مثل أجور من تبعكم ومن اهتدى بهداكم. نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، نسأله سبحانه أن يجعلنا من حملة القرآن وحفظته والعاملين عليه، وأن يجعله شاهدًا لنا لا شاهدًا علينا، وحجة لنا لا حجة علينا، وأن يجعله ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، .. صدرهم كما نسأله سبحانه أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويصلح أحوال المسلمين، ويصلح أئمتنا وقادتنا وولاة أمورنا إنه على كل شيء قدير، والله أعلم، وصلى الله على محمد . أسئـلة شكر الله لسماحة الشيخ على هذه الكلمات الطيبات، وأسأل الله -جل وعلا- أن ينفعنا جميعا بها. أيها الإخوة نزولا عند بعض الكثير من الإخوة، واستجابة لما وعدناهم به نستأذن الشيخ في طرح بعض الأسئلة القليلة، ونختم بها إن شاء الله، ...يا سماحة الشيخ للإجابة عليها ليتسنى للجميع.. وقصرنا الحقيقة الأسئلة على أحكام الحج؛ لأن هذه الأيام هي مناسبة موسمية بمناسبة الحج. س: يقول السائل: فضيلة الشيخ، إذا بدأ المسلم مناسك الحج بالوقوف بعرفة مباشرة، وأكمل النسك بعدها فما رأيكم جزاكم الله خيرًا؟ نقول: لا بد قبل ذلك من الإحرام؛ فيحرم من الميقات، ويلبي، وينشغل بالذكر، فإذا لم يتمكن من الذهاب إلى منى في اليوم الثامن، أو ليلة التاسع، وتوجه إلى عرفة رأسًا وعمل ما بعد عرفة تم حجه إن شاء الله. س: يقول: الاقتراض لأداء الحج بشرط أنه سوف يقوم بسداد المبلغ بعد استلام الراتب مباشرة فما الحكم في ذلك؟ يجوز ذلك؛ كما يجوز الاقتراض لغير ذلك من الأسفار، فسفره إلى الرياض قد يكون أشق من سفره إلى مكة فإذا كان يقترض لسفره للرياض فلا مانع من أن يقترض لسفره إلى مكة لأداء الحج إذا كان عارفا بأنه سيوفي هذا القرض. س: هل يجوز عمل طواف الوداع والمبيت في مكة بسبب أن السن كبير، والسفر الساعة السابعة صباحًا من مكة إلى الدولة المسافر إليها -دولة من الدول خارج البلاد؟ من المشهور أنه إذا وادع فإنه لا يبيت بمكة ؛ بل يبيت خارج حدود الحرم ؛ يعني إذا خرج عن الحدود كأن يبيت في التنعيم أو في الجموم أو في الحديبية هذا هو الأولى، وإن شق عليه وبات بعد الوداع فهو معذور، إذا كان كبير السن وشق عليه إعادة الوداع. س: يقول: أريد الحج أنا والوالدة فهل يكون الهدي واحدا؟ لا يكون واحدًا؛ فكل من تمتع، أو قرن فإن عليه هديا، فإذا كان هو تمتع وأمه تمتعت فعلى كل واحد منهما هدي، الذي هو واحدة من الغنم، أو سُبع بدنة، أو سُبع بقرة. س: ما حكم رمي الجمرات عن المرأة وهي قادرة؟ إذا خُشي عليها من الزحام والتكشف جاز ذلك، وأما إذا كانت قادرة أولى لها أن ترمي وتؤخر الرمي إلى الليل؛ حتى تباشر العمل بنفسها. س: أحسن إليكم، هل يجب على من يريد الحج أن يستأذن من جميع من يطلبون بالدين علما بأنه يعتقد عدم رفضهم لذلك؟ لا يجب ذلك، سيما إذا كان لا يستأذنهم إذا سافر إلى الطائف ولا يستأذنهم إن سافر إلى جدة أو إلى الرياض فإذا كان لا يستأذنهم، ويعرف أنهم لا يشق عليهم، ولا يمنعونه؛ فإنهم لا يمنعونه من السفر إلى مكة . س: أحسن الله إليكم، رجل تجاوز الميقات؛ لأنه غير مقيم، وأحرم بالحج متمتعًا من جدة وصام يومًا واحدًا في الحج وتسعة أيام بعد رجوعه إلى وطنه، فما حكم حج هذا، وماذا عليه أفتونا مأجورين؟ عليه دم عن مجاوزة الميقات؛ حيث إنه أحرم من جدة فعليه دم؛ لأنه ترك واجبًا، وأما دم التمتع فإن عليه أن يصوم ثلاثة أيام بالحج وسبعة إذا رجع، وحيث لم يتيسر له صيام .. الثلاثة، وإنما صام يومًا واحدا فلعله معذور. س: يقول: جزاكم الله خيرًا، نرجو الهدوء؛ حتى يستفاد من الفتاوى؛ يعني رجاء الامتناع عن الكلام -جزاكم الله خيرا-. رجل بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد؛ ولكثرة الزحام رجع إلى بيته ..في الطائف وقال: سوف أكمل باقي المناسك في العام التالي فما الحكم، وماذا عليه؟ معناه أنه ترك المبيت بمنى أيام منى وترك الرمي؛ فيكون قد ترك واجبين، ويمكن أيضًا أنه ترك طواف الوداع؛ فيكون ترك ثلاثة واجبات، وكل واجب عليه دم، وإن كان لم يطف طواف الإفاضة، ولم يسع فمعناه أيضًا أنه ترك ركنين؛ فيكون بذلك قد بقي على إحرامه؛ أي لم يتحلل إذا كان فقط رمى وحلق ولم يفعل بقية المناسك، إلا الطواف والسعي، وكالمبيت وتكملة الرمي؛ فيكون ترك ركنين، فنقول له: إنك باق على إحرامك، ووطؤك لزوجتك حرام؛ لأنك ما تحللت التحلل الثاني؛ فواجب عليك أن ترجع وتطوف وتسعى ساعة ما تعلم، وإذا وطئت قبل أن تطوف فعليك دم، عليك بدنة؛ حيث فعلت هذا المحظور قبل أن تتحلل، وعليك دمان عن ترك المبيت وترك الرمي. س: هل يجوز أن أحج عن أبي وأبي ميت ؟ يجوز ذلك ويكون هذا حجا؛ يعني تطوعًا إذا كان قد قضى فرضه، وإن كان لم يقض فرضه فإن عليك أن تحج عنه من ماله، فإن لم يكن له مال فلك أن تحج عنه من مالك، ولك أجر على بِرِّك بوالدك. س: ما الحكم عند رمي الجمرات لو لم تسقط الحصاة في الحوض أو الشاخص؛ وذلك لكثرة الزحام الشديد؟ عليه أن يوجهه نحو المرمى، فإذا لم يتأكد فلا حرج عليه إذا وجهها تكفي، وأما إذا تحقق أنها سقطت دونه فإن عليه أن يعيدها، وإن فاته اليوم أعادها في اليوم الثاني بعد ..، وإن ترك حصاتين أو ثلاثا فإن العلماء يجعلون عليك عن كل حصاة طعام مسكين إلا إذا كان قد تحقق من ست جمرات فالست تكفي نعم. س: فضيلة الشيخ، هناك ظاهرة تنتشر كثيرا، وربما تكون عند بعض الصالحين: وهو أن الكثير منهم يلبس ثياب شفافة وتحتها سراويل؛ بحيث إن الثياب تصف البشرة وتحدد معالم السرة تحت الثوب فما الحكم في ذلك في الصلاة؟ لا تصح الصلاة؛ إذا كان ذلك الثوب شفافًا بحيث يشف عن الجسد، وبحيث يرى لون الجسد من بياض أو حمرة أو سواد؛ فإذا كان كذلك فالصلاة غير صحيحة، وأما إذا كان لا يصف البشرة فيتسامح فيه. ختاما نقول: شكر الله لسماحتكم وأثابكم. |