السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يسرنا ما سمعنا، وما رأينا من هذه العناية بأولاد المسلمين، والاجتهاد في تعليمهم، وفي تربيتهم التربية الصالحة، وفي حثهم على العلم، وحثهم على الحفظ، وحثهم من بعد ذلك على العمل؛ فإن هذا من أفضل الأعمال، ومن أولاها بالعناية، وذلك: أولا: أن المسلم مسئول عن ذريته، وعن أولاده، وعمن تحت يده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته } ؛ بمعنى أنه محاسب على تفريطه وإهماله معهم، وبأنه أيضا مهتم أو يجب أن يهتم بإصلاح أولاده ومن تحت يده. ولا شك أن هذا من طبيعة كل بشر أنه يهتم ويفرح بصلاح أولاده، وبتربيتهم التربية الصالحة؛ ولأجل ذلك ذكر الله تعالى عن أنبيائه اهتمامهم بأولادهم، قال الله تعالى عن إبراهيم { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } فاهتم بذريته وبأولاده، وحذر أن يقعوا في الشرك، ودعا لهم أيضا لما قال الله له: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } وحكى الله عنه أنه قال: { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } ؛ أي وفي ذريتي من يقيمون الصلاة، وذلك بلا شك دليل على اهتمامه بذريته. وهكذا أيضا نبينا صلى الله عليه وسلم ما عاش له إلا ابنته فاطمة فهو يقول: { إن فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما أذاها } وكذلك لما مات ابنه إبراهيم قال: { وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون } فهذا ونحوه دليل على أن الله ركز في قلوب الآباء محبة الأولاد، والحرص على تربيتهم التربية الصالحة. ولا شك أن الطفل يخرج إلى الدنيا وهو جاهل لا يعرف شيئا، قال الله تعالى: { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ } ؛ أي أعطاكم ما تتعلمون به، وما تتفقهون به، وما يمكنكم أن تدركوا به ما تحتاجون إليه من السمع والبصر والفؤاد، واللسان، وسائر الحركات. ولا شك أيضا أن كل طفل ينشأ على ما تعوده، وعلى ما تلقاه من أبويه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: { كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء } وهذا مذكور عند قوله تعالى: { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } . فإذا كان الأبوان مهتمين بأولادهما ذكورا وإناثا؛ كان ذلك من أسباب الصلاح، ومن أسباب الاستقامة، ومن أسباب الخير والفلاح؛ لذلك نوصي إخواننا أن يربوا أولادهم تربية صالحة، يربوهم على حفظ القرآن، أو ما تيسر منه؛ وذلك لأن القرآن هو أشرف العلوم، ومتى أحبه الولد في صغره فإنه يحب العمل به. إذا وفق الله الأطفال في صغرهم، وقرءوا القرآن، وقرءوا واهتموا بحفظه، وبالعمل به، وبتطبيقه؛ أُشْرِبَتْهُ قلوبهم، وأحبته نفوسهم، وصاروا بذلك قدوة حسنة لأهليهم ولآبائهم؛ فيكون ذلك من أسباب سعادتهم؛ وذلك لأنهم إذا أحبوا القرآن أكثروا من تلاوته، وأكثروا من تدبره ومن العمل به، وأكثروا من اتباع ما جاء فيه؛ فيكونون بذلك موفقين يعملون بتعاليمه، فترى الشاب الذي نشأ على معرفة القرآن، وعلى محبته، وعلى قراءته -تراه يحافظ على الصلوات، ويألف المساجد، ويقرأ القرآن، ويقرأ العلم، ويحب الأحاديث النبوية ويتدبرها، ويجالس أهل الخير وأهل الاستقامة. وكذلك أيضا يكون له مكانة في أهله؛ يحترمونه ويقدمونه زيادة على ما شرعه الله تعالى، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم من تقدمه وتقديمه، كما عرف بأنه إذا كان قارئا للقرآن قدم في الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله } ؛ يعني ولو كان أصغرهم إذا كان أقرأهم؛ يعني أكثرهم أخذا للقرآن، فهذا دليل على شرفه. كذلك أيضا من أسباب استقامته إذا تربى على العلم الذي هو العلم الشريف، العلم الذي هو ميراث الأنبياء. الأنبياء عليهم السلام ميراثهم العلم، من أخذه أخذ بحظ وافر. فإذا وفق الله الطفل، وتعلم الحديث، والسنة النبوية؛ نشأ على عقيدة سليمة، وعلى فطرة مستقيمة، ونشأ على العبادة فأحبها وأحب العمل بها، يقرأ الأحاديث النبوية ويقرأ ما فيها من الأحكام والفوائد والعلوم؛ فيكون بذلك من حملة العلم، وإذا كان من حملة العلم نفع نفسه، ونفع أهله حتى من كان أكبر منه ينفعهم، فيرشدهم، يعلمهم العبادات، ويعلمهم الواجبات، ويعلمهم المحرمات؛ فيستفيدون منه. وهذا هو الواقع كثيرا عند ما نرى كثيرا من الجهال ولو كانوا كبار الأسنان، ولو كانوا في السبعين أو الثمانين من أعمارهم، وهم لا يحسنون كثيرا من العبادات، ولا يعرفون كثيرا من الأحكام، وإنما يسترشدون بأولادهم ذكورا وإناثا، فتجد الوالد يقول: يا ولدي كيف أفعل في كذا؟ وكيف أترك كذا؟ ما حكم التعامل بكذا وكذا؟ فيستفيد الوالد من أولاده، لما أنه اعتنى بهم. فهو يقول: يا أولادي أنا قد كبرت سني، وضعف حفظي، وضعفت مقدرتي على التحمل، وعلى العمل، ولكن أنتم لا تزالون في سن التقبل، وفي سن الحفظ، وفي سن العلم، وكذلك أيضا عندكم شيء من الفراغ، وأنا منشغل بما أنا مهتم به من أمور معاشي؛ فأنتم أيها الأولاد عليكم أن تتعلموا وأن تبذلوا ما تستطيعونه من الوقت في أن تحصلوا على فوائد علمية تنتفعون بها، وتنفعون بها من بعدكم ومن قبلكم. فهذا من آثار التوصية بالعلم، والحرص على تقبله، والحرص على الاستفادة من هذه المعلومات. ومعلوم أيضا أننا في هذه الأزمنة قد وفق الله أهل هذه البلاد ودولتنا الرشيدة -إن شاء الله- للعناية بأولاد المسلمين، وتربيتهم التربية الصالحة، وتعليمهم، وليس هذا موجودا إلا في هذه البلاد فيما نعلم؛ يعني تعليم الأولاد ذكورا وإناثا من حين يبلغ الولد السادسة أو السابعة، وهو يلقى عناية وَيُعَلَّم ويتعلم. المعلمون تعينهم الدولة، وتجري لهم المرتبات، والمتعلمون تكفلهم وتعطيهم الكتب والمراجع ونحوها حتى يتعلموا ويتفقهوا؛ فلذلك ليس لأحد عذر في أن يبقى على جهالته. فنتواصى بأن نحرص على أولادنا، ونعلمهم ما ينفعهم ذكورا وإناثا، وإذا وفق الله الإخوة المحبين للخير، والمحبين لنفع المسلمين ونفع أهليهم وأهل بلادهم لمثل هذه الأعمال، ومنها هذه المسابقات؛ فإن المسابقة فيها مما يستفيد منها المتسابق، فالإخوة الذين بذلوا هذه المسابقات يريدون بذلك تفقه أولادكم وأهليكم، وتعرفهم على ما يفيدهم. ما قصدوا بذلك فائدة لهم، ولا مصلحة لهم، ولا قصدوا نفعهم، إنما قصدوا نفعكم ونفع أهليكم، فلا يعود عليهم هذا العمل بنفع دنيوي، ولا بمال يأخذونه منكم، ولا غير ذلك، إنما يقصدون بذلك أن يحصل التفقه في الدين، والاستفادة والفهم والمعرفة؛ فعليكم أن تشجعوهم. لا شك أنهم متى رأوا أولادكم يتسابقون إلى حل هذه الأسئلة، ورأوا نشاطهم في هذه المسابقة؛ حملهم ذلك في المستقبل على أن يواصلوا هذا العمل؛ فيعلموا أولادكم الصغار فيما بعد، وكذلك من بعدهم، ويستمرون في ذلك، ويتوالى هذا الجهد، ويكون فيه خير وأجر كبير لهم ولكم. فأجرهم أجر أخروي، يريدون الأجر من الله والثواب منه، وأنتم منفعة لكم منفعة دينية، وهي كونكم تتفقهون وتتعلمون، ويتبع العلم العمل، وكونكم أيضا أو كون أولادكم يتشجعون بحصول هذه الجوائز التي فيها شيء من المنفعة الدنيوية، وإن لم تكن مقصودة، وإنما يجب أن يكون القصد هو الفهم والاستفادة. فهذه من فوائد هذه الأعمال الخيرية؛ تتسابقوا في ذلك وتنافسوا فيه، كما أمركم الله في قوله تعالى: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } . نسأل الله أن يصلح شباب المسلمين وذريتهم، وأن يجعلهم خير خلف لخير سلف، وأن يوفقهم للأعمال الصالحة، وأن يجعلهم قرة أعين؛ أي قرة عين لآبائهم ولذرياتهم، كما نسأله سبحانه أن يثيب إخواننا القائمين على هذه المدارس وما يتبعها، وأن يجعلهم هداة مهتدين، يقولون بالحق وبه يعدلون، والله أعلم، وصلى الله على محمد . أسئـلة جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء، وجعل الله ذلك في موازين أعماله، وبارك الله فيه وفي عمله وفي علمه. س: يقول: فضيلة الشيخ حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما هو الفضل الذي ورد فيمن اهتم بتربية أبنائه على حفظ القرآن الكريم؟ وما هو جزاء من حفظ أبناءه القرآن؟ وما هو رأي فضيلتكم فيمن اهتم بتربية أبنائه لحفظ القرآن الكريم فقط، وغفل عن تجويد القرآن وتعليمه والعمل به، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟ ورد في القرآن الاهتمام بتعليم الأولاد، تعليمهم ما ينفعهم، ومن ذلك: أمرهم بالعبادات، قال الله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } ؛ وذلك لأنه إذا أمرهم بها وامتثلوها كان ذلك سببا في صلاحهم واستقامتهم، ومدح الله إسماعيل بقوله: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } . فيدل على أن الاهتمام بتربية الأولاد أنه أمر نبوي، كذلك تربيتهم على حفظ القرآن الكريم؛ وذلك أنهم إذا حفظوه أصبحوا قدوة حسنة ينتفعون بالقرآن ويحفظونه. هناك حديث ذكره العلماء كالنووي في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن: " أن الولد إذا قرأ القرآن وحفظه وعمل به؛ ألبس الله أبويه حلتين من حلل الجنة" فما ظنكم بمن عمل بهذا؟ فإذا حفظ أبناءه القرآن كان هذا من جزائه في الآخرة، يقول الأبوان: بم حصلنا على هذه الحلل؟ فيقال: بحفظ أبنائكم القرآن. ولا شك أن الواجب على الآباء أن يهتموا لأولادهم بحفظ القرآن، وكذلك بالعمل بالقرآن؛ فإن العمل هو ثمرة العلم، فلا بد أن الوالد يتابع أولاده، فالمعلمون مثلا إذا علموا ولدك شروط الوضوء فأنت تعلمهم الوضوء بالفعل، إذا علموا أولادكم شروط الصلاة وأركانها فأنتم تعلمونهم كيفية الصلاة بالفعل. وأما تجويد القرآن فإنه من التوابع؛ بمعنى أنه إذا قرأ القرآن وعمل به؛ كفاه ذلك وإن لم يكن مجودا التجويد الذي عليه هذا الاصطلاح، ولكن يأخذه شيئا فشيئا. س: تقول: إننا نحبك في الله، وندعو لك بأن يكتب الله سبحانه وتعالى لك الأجر على هذه الزيارة، والسؤال هو كما يلي: ما هو أفضل كتاب للمبتدئين في طلب العلم في التفسير والفقه والتوحيد وعلوم الحديث، حفظكم الله ورعاكم؟ أحبكم الله، وجعلنا جميعا من المتحابين في الله، ونحن والحمد لله يسرنا إذا زرنا بلادا ورأينا منهم الاهتمام والاحتفاء والفرح والحرص على الاستفادة. ونوصيكم أيها الطلبة، بأخذ العلوم من مبادئها كما تأخذون ذلك في المدارس الابتدائية، فإذا أخذ العلم من مبدئه وفقه ربه وسدده. ففي باب العقيدة، أو الاعتقاد نوصيك بأن تحفظ " ثلاثة الأصول "؛ فإنها علم جم، وكذلك تحفظ " العقيدة الواسطية " لابن تيمية أو تفهمها وتقرأ في شروحها، وكذلك " كتاب التوحيد " الذي ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. ونوصيكم أن تقرءوا الحديث من مبادئه كالأربعين النووية إذا تيسر حفظها، ثم عمدة الأحكام؛ فهي أحاديث صحيحة. كذلك أيضا في الأحكام: عمدة الفقه. هذه مبادئ العلوم إذا يسر الله وحفظها طالب العلم تفقه في دينه. وهكذا مبادئ العلوم التي يحتاج إليها في العلوم التي يستعان بها، ففي العربية: متن الآجرومية، وفي الفرائض: متن الرحبية، وفي المصطلح: متن النخبة، وما أشبهها من المتون. س: يقول: في هذا الزمان كثر عقوق الوالدين من الأبناء؛ لذا أرجو منكم النصيحة لهؤلاء الأبناء؟ ننصح الآباء بأن يربوا أولادهم تربية صالحة، إذا بلغ الطفل مثلا أربع سنين فإن على والده أن يلقنه معرفة " الأصول الثلاثة "، وكذلك أيضا يلقنه معرفة الواجبات الدينية، والمحرمات، ويتعاهده في صغره. وكذلك يتفقده عن الجلساء فينهاه عن جلساء السوء الذين يفسدونه، ويحثه على جلساء الخير، ويربيه على القرآن، وعلى السنة، ويربيه على الطهارة، وعلى الصلاة، ويبعده عن آلات اللهو، عن سماع الأغاني، وعن رؤية الأفلام الخليعة، والصور الفاتنة، وما أشبه ذلك، ويطهر بيته عن هذه الآلات، فهذا ونحوه من أسباب استقامة الأولاد. أما الذين يغفلون عن أولادهم، ويتركون تربيتهم لغيرهم؛ يترك الوالد أولاده فيتولى تربيتهم الفسقة؛ فيوقعونهم في شرب المسكرات وفي شرب الدخان، وفي تعاطي المخدرات، ويجتذبونهم إلى أماكن الفساد، فإن الولد والحال هذه غالبا يكون عاصيا لله، وإذا كان عاصيا لله كان عاصيا لأبويه عاقا له. فنقول: إذا اشتكى إلينا أحد، وقال: إن أولادي يعصونني ويعقونني، فماذا نقول لهم؟ نقول: أنتم فرطتم، أنتم أهملتم، أنتم غفلتم عنهم في صغرهم فأفسدهم غيركم. فخذوا بأيديهم في الصغر قبل أن يأخذ بأيديهم من يفسدهم. نقول: تذكر أيها الابن، تذكروا أيها الأولاد شفقة آبائكم عليكم، آباؤكم وأمهاتكم أشفقوا عليكم في صغركم فربوكم التربية الصالحة، وعلموكم، وأنفقوا عليكم، وتعبوا عليكم، يحرصون بكل ما يستطيعون على أن يحصلوا لكم الطعام اللذيذ، والكسوة الرقيقة المفيدة، والمسكنة الوطيئة، والمركب السهل، وكل ما تتمنون، يحرصون على أن يحصلوا لكم على ما تحبون. فلا تقابلوا هذا بعصيانهم، ولا تقابلوهم بكفران معروفهم وفضلهم؛ فتتعرضوا لعقوبة الله، بروا آباءكم تبركم أبناؤكم. العقوق لا شك أنه سبب لانقطاع الخير، وسبب للعقوبة الدنيوية وسبب للعقوبة الأخروية، فالعاق لوالديه يكون والعياذ بالله محروم من الخير، ومعرضا للشر والعياذ بالله. س: تقول: نود من فضيلتكم التكلم عن أخطار الدش وفقكم الله؟ هو من المصائب في هذه الأزمنة، أرسله إلينا أعداؤنا، أرسلوا هذا البث المباشر وهذه القنوات الفضائية، وقصدوا بذلك أن يفسدوا أولادنا وبناتنا، وأن يفسدوا أخلاقنا، وأن يصدونا عن الخير؛ وذلك لأن هذه القنوات، وهذه الأجهزة ما تشتمل على خير، ما يرسلون فيها تعليمنا صناعاتهم؛ حتى لا نتعلمها فننافسهم، ولا تعليم شيء من علومهم التي تفوقوا بها، أو عرفوا بها ما يبثونها. إنما يبثون إلينا ما يفسد الأخلاق، فيبثون صور العراة رجالا ونساء، وكذلك يبثون شيئا يدل على تفوقهم علينا؛ حتى نحتقر أنفسنا، فتجد كثيرا من الشباب الذين يتابعون هذه القنوات وهذه الدشوش ونحوها يحتقرون المسلمين والإسلام، ويستصغرون أمر المسلمين، ولا يرون للإسلام ولأهله فضلا ولا شيئا من العمل، ويعظم في قلوبهم وفي نفوسهم أولئك الكفرة. ويقولون: هؤلاء هم الذين تفوقوا، وهم الذين عرفوا، وهم الذين عملوا، ونحن متأخرون أخرنا اشتغالنا بالقرآن، وأخرنا اشتغالنا بالأحاديث، وأخرنا اشتغالنا بالعلوم الدينية، وما أشبه ذلك. هكذا يتخيلون. وإذا كان كذلك فإن هذه من الحيل التي يفسدون بها علينا أولادنا وذرياتنا؛ فاجتهد أيها الأب في إبعاد هذه الأجهزة عن مجتمعك وعن أسرتك، وستجد ما يشغلهم من العلوم النافعة في دينهم، أو في دنياهم. س: يقول: فضيلة الشيخ كثير من الشباب -هداهم الله- يحصل منهم تكاسل وتهاون عن حضور صلاة الجماعة في المسجد، وخاصة صلاة الفجر، نأمل من فضيلتكم أثابكم الله توجيه كلمة عن أهمية إقامة صلاة الجماعة مع جماعة المسلمين بالمسجد؟ نقول: وهذا أيضا قد يكون السبب فيه تفريط الآباء؛ الأب إذا ربى أولاده كما أمروا، وكما أمر فإنها تهون عليهم وتسهل عليهم، ويحبون هذه العبادة. تذكروا قول النبي -صلى الله عليهم وسلم- { مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر } فلو أن الأب إذا بلغ الولد سبع سنين علمه الصلاة، أخذ بيده، وذهب به إلى المسجد؛ فلا يبلغ العشر إلا وهو يحب الصلاة ويألفها، وتسهل عليه، ويعرف مكانتها، ويعرف قدرها. وأما إذا تساهل معه فإنه إذا بلغ العشر وهو لا يصلي ثقلت عليه، وصعب عليه أن يأتي إليها دفعة واحدة. فلذلك نقول: أيها الآباء، اعتنوا بأولادكم في الصغر؛ حتى ينفعوكم ويطيعوا ربهم في الكبر، ونقول أيضا: أيها الأبناء، أيها الأولاد تذكروا أنكم خلقتم للعبادة، وأن من عبادة الله إقامة هذه الصلاة التي هي عمود الإسلام كما تعرفون فحافظوا عليها، وحافظوا على جماعتها، امتثلوا قول الله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } أي في جملتهم. وتذكروا أن الإسلام جاء بإقامتها جماعة في المساجد، وأن صلاة الجماعة لازمة وواجبة على من سمع النداء ولم يكن له عذر. تذكروا أن الذين لا يأتون إلى الصلاة وهم يسمعون النداء بدون عذر؛ يكونون محرومين من السجود في الآخرة، اقرءوا قوله تعالى: { وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ } ؛ يعني في الدنيا يدعون إلى السجود وهم يستطيعون ولكنهم لا يجيئون، فإذا دعوا إلى السجود في الآخرة لم يقدروا، كلما أراد أن يسجد أحدهم انقلب على قفاه، فيدل ذلك على حرمانه. ثم نوصيكم آباء وأبناء بأن تحافظوا على صلاة الفجر؛ فإنها من أهم الصلاة، ورد في الحديث: { من حافظ على البردين دخل الجنة } ؛ يعني العصر والفجر، وقال صلى الله عليه وسلم: { من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله } ؛ يعني في جوار الله، { فإياكم أن يطلبكم الله من ذمته بشيء } . ونوصيكم أن تعطوا أنفسكم حظها من النوم، تنامون مبكرين؛ وذلك لأن الليل هو محل النوم، قال الله تعالى: { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا } ؛ يعني ظلمة يلبس الأرض فيكون محلا للراحة والنوم، فإذا سهر الولد سيما الذي عمره دون الثلاثين أو قريبا أو نحوها، إذا سهر إلى الساعة العاشرة، والحادية عشر صعب عليه أن يستيقظ للصلاة. أما إذا نام في العاشرة أو في التاسعة؛ أي في أول الليل سهل عليه أن يؤدي الصلاة مع الجماعة. نشكر فضيلة الشيخ على هذه الكلمات الطيبة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها. |