وأما أهل المعاصي فإنهم وإن نعموا في الظاهر؛ فإن المعاصي تذلهم، وتهينهم، حتى قال الحسن بن أبي الحسن البصري –رحمه الله- يذكر أهل المعاصي فيقول: إنهم وإن طقطقت بهم النعال أو البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعاصي لا يفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يُذِل من عصاه. بمعنى أن أهل المعاصي والعكوف على الملاهي والأغاني، وما أشبهها، في الحقيقة أنهم أذلاء، وأن المعاصي أذلتهم وأهانتهم، ويقول بعض العلماء أو العباد: إني لأعصي الله؛ فأعرف ذلك في خُلق دابتي وامرأتي. يعني: من آثار المعصية أن أثر المعصية يظهر حتى في خُلق المرأة، أن يُسِلط الله عليه بعض من يؤذيه أو يظهر عليه؛ فيتفكر ما السبب؟ فلا يجد سببا إلا أنه فعل معصية واحدة، فهذا هو حقيقة الحياة الطيبة. وأما التوسع في الدنيا وفي الممتلكات، وما أشبهها، فمعلوم أنه يشترك في ذلك البر والفاجر، يقول بعض العلماء: الدنيا عرض حاضر، يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك عادل. الدنيا يريد به متاع الدنيا، هو عرض يشترك فيه المؤمنون والكافرون، كلهم مشتركون في أن هذا متنعم، وأن هذا متنعم، وهذا عنده ثروة، وهذا عنده ثروة، وهذا عنده شهوات أو أموال، وهذا كذلك مع أن هذا بر، وهذا فاجر، هذا مؤمن وهذا كافر، دليل على أنها ليست مقصدا، ليست الدنيا ومتاعها مقصدا أساسيا ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء } . لكنهــا واللـه أحـقر عنــده مـن ذا الجنـاح قاصـر الطـيران ما قيمة جناح البعوضة؟ هل له قيمة؟ جناح الناموسة هل له قيمة؟ وهل يساوي شيئا؟ فلو كانت الدنيا تساوي هذا الجناح؛ لحرم منها الكفار؛ لأن الكفار أعداؤه، أعداء دينه وأعداء عباده، ولكن الدنيا أحقر عند الله من هذا الجناح؛ فلذلك أعطاها من أعطاها، ولذلك ورد في الحديث: أن { الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر } المؤمن كأنه فيها سجين؛ لأنه ينتظر الآخرة وينتظر الثواب عند الله، وأما الكافر فإنه جعلها هي جنته وجعلها لذته. |