فالذين إذا وعظوا وذكروا نفروا، لا شك أنهم محرومون، كما قال الله تعالى في وصف إخوانهم: { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } شبههم شبها سيئا، شبههم بالحمير إذا رأت أسدا فارسا أنها تنفر منه، لا شك أن هذا مثل سوء. وهكذا أيضا وصف المعرضين بعدم التقبل في قول الله تعالى: { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ } هذه صفة المعرضين، هذه صفة الفاسقين -نعوذ بالله- إذا رأوا آية سخروا منها، وإذا ذكروا لم يتقبلوا، لم يكونوا من المؤمنين الذين يتذكرون إذا ذكروا، ويتعظون إذا وعظوا. وهكذا أيضا حكى الله عن المعرضين أنهم لا يتأثرون، وأنهم يردون النصيحة، فحكى عن قوم نوح أنهم: { قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ } يعني: أن الله تعالى هو الذي يأتيكم بما يشاء، ثم قال: { وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . فالذين حكم الله عليهم بالطرد وأشقاهم لا يتأثرون بموعظة ولا يقبلون نصيحة، كما حكى أيضا عن قوم عاد أنهم قالوا لنبيهم: { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ } . فليحذر المسلم عن مثل هذه الصفات الذميمة، وليتقبل النصيحة وليتأثر بها؛ ليكون من المؤمنين الذين ينفعهم التذكير في قول الله تعالى: { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |