الواجب على المسلم أن يحسن الظن، من آداب الإسلام: حسن الظن، حسن الظن بالأخ المسلم. كيف تحسن الظن به؟ إذا كنت تعرف سلامة عقيدته، وتعرف سلامة فطرته وأنه ابن الفطرة وابن البلد، وأنك وإياه قد نشأتم في بيئة واحدة وفي مجتمع واحد، وعرفت دروسه وعرفت قراءته ومن قرأ عليه، وقرأت في مؤلفاته أو فيما كتب عنه أو فيما نقل عنه، وسمعت نصيحته أو خطبته أو درسه أو غير ذلك، وعرفت أنه على العقيدة السليمة والفطرة المستقيمة، فبعد ذلك تحبه، ثم تحسن الظن به. فإذا جاءك من ينقل لك نقلا عن أخيك فلان بأنه غلط في كذا أو أنه قال كذا وكذا، فماذا يكون موقفك منه؟ هذا الناقل يكون من الوشاة. روي أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- فقال: إن فلانا قال كذا وكذا وكذا. وشاية ونميمة ينقلها إلى عمر ماذا قال عمر -رضي الله عنه-؟ عرض عليه ثلاثة أشياء، فقال: نحن نبحث، فإن كنت صادقا واعتذر عذرناه، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت أعفيناك. فقال: بل العفو. يعني: عرف مثلا أنه إذا بحث معه فقد يكون هذا الناقل وهذا النمام يكون كاذبا وزائدا في الكلام، فتكون عليه العقوبة، وإذا كان صادقا فيكون نماما، والنمام قد ذمه الله بقوله تعالى: { هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } وإذا كان يريد العفو فالسلامة أولى. فإذاً هذا الذي ينقل لك عن أخيك الصالح، ينقل لك أنه قال كذا وكذا، لا يخلو أن يكون نماما، والنمام قد ورد أنه معذب يستحق العذاب لقوله -عليه الصلاة والسلام- { لا يدخل الجنة نمام } وفي رواية: { لا يدخل الجنة قتات } وهو النمام، وقال -عليه الصلاة والسلام- { ألا أخبركم ما العضه } ؟ يعني: نوع من السحر. { ألا أخبركم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس } فجعل النميمة من السحر أو شبيها بالسحر. إذًا متى جاءك إنسان ونقل لك عن أخ لك مسلم محب نقل لك مقالة أنه يقول بكذا وبكذا، فهو لا شك أنه غير متثبت فعليك أن تسيء الظن به، ثم إذا كانت صحيحة فعليك أن تحسن الظن بذلك القائل وتلتمس له عذرا أيا كانت تلك المقالة، فتقول: لعل له عذرا، لعل عذره كذا وكذا وكذا. وروي عن بعض السلف أنه قال: لا تظن بكلمة صدرت من أخيك شرا وأنت تجد لها في الخير محملا. لو كان لها محمل واحد خير وعشرة محامل شر احملها على المحمل الخير؛ لأنك تحسن الظن بصاحبها وتعرف أنه من أهل الخير ومن أهل النصيحة ومن أهل المودة، وأنه لا يتعمد أن يزل ولا أن يطعن في مسلم ولا أن يكفر مسلما ولا أن يقترف ذنبا ولا أن يتعمد ذلة أو خطرة، إذا كان هذه حالة المسلم فإن هذا هو الواجب أن يحسن الظن. وليس حسن الظن خاصا بالآخرة؛ بل في الدنيا. يعني: من عقيدة المسلم أن يكون حسن الظن، حسن الظن بربه بمعنى: أنه يظن بربه خيرا: أنه يغفر له، وأنه يعفو عنه السيئات، وأنه يكفر عنه الخطايا، ويرفع له الدرجات، ويجزل له المثوبة ونحو ذلك. وكذلك أيضا يحسن الظن بإخوته، فيظن بهم الظن الحسن الذي يؤدي بهم إلى الخير ويدفعهم إليه، ويدلهم على ما فيه خير لهم وفيه صلاح لهم واستقامة. هذا هو من الآداب الشرعية. متى كان المسلمون كذلك -إن شاء الله- استقامت حالتهم واجتمعت كلمتهم. ولا شك أنا مأمورون بأن نكون على كلمة واحدة مجتمعين حتى لا تقوى أعداؤنا علينا ويبطشوا بنا ويذلونا. ولا شك أيضا أن من الآداب الشرعية والأخلاق الشرعية من أهمها: تبادل النصيحة التي ذكرنا أنها من آثار المحبة. وتكون النصيحة لكل فرد كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها للولاة وللعامة، النصيحة لولاة الأمور والنصيحة لعامة الأمور. وولاة الأمور عام في كل من كان له ولاية في أمر من الأمور، فإمام المسجد والٍ من الولاة فتنصحه وكذلك مؤذن المسجد، وكذلك مثلا رب الأسرة وكذلك أمير الأسرة، وهكذا أمير البلدة، وهكذا مدير المدرسة أو المدرس نفسه لأنه ولي على أمر من الأمور، وهكذا أيضا الكتاب والموظفون ونحوهم، كل منهم يعتبرون ولاة أمر. فلهم حق في أن ننصحهم، وأن نبين لهم. وهذا من الآداب الشرعية. نصيحتهم لا بد أنه يكون لها تأثير، وهي من آثار محبتهم. معلوم أنه لا بد أن يقع من أحدهم خطأ وخلل إما عمد وإما زلة وغير تعمد، فلكل منهم حق علينا أن ننصحه فهو من الآداب الشرعية. وإذا قمنا بنصيحتهم وإرشادهم وأمرهم بالخير ودلالتهم عليه استقاموا بذلك أو استقام بعضهم، وباستقامتهم يحصل عز ونصر وتقوية للمسلمين جميعا، وهو من المواعظ التي أمرنا بها، أمرنا مثلا بالموعظة في قوله تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أمرنا بالتذكير في قوله: { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } ذكر، أمرنا بالإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } أمرنا بالدلالة على الخير: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ } الدعوة إلى الله تعالى، أمرنا بالصبر على ما يصيبنا: { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } بعد قوله: { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } نصبر على ذلك كله. كل هذا من الآداب الشرعية التي إذا تأدبنا بها -إن شاء الله- رجي أن تستقيم أحوالنا وأن تعود لنا قوتنا ومعنويتنا. |