مثال لاختلاف التنوع بين السلف

معلوم أن هذا ليس اختلاف تضاد كما يظنه بعض الناس، ولكنه اختلاف تنوع ثم ذكر مثالا على ذلك وهو تفسيره للصراط المستقيم، الصراط المستقيم في سورة الفاتحة قيل: هو القرآن وقيل: هو الإسلام، وقيل: هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهل هذا اختلاف؟ الكل حق فإن من هداه الله تعالى إلى القرآن سلك به طريق النجاة ومن هداه إلى الإسلام سار على هدى، ومن هداه إلى طريق النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو على صراط سوي، القرآن أو صراط القرآن أي اتباع القرآن هو الهداية، واستدل بما ذكر في حديث علي والذي أشرنا إليه حديث علي الذي رواه الترمذي ورواه أبو نعيم أبو نعيم صاحب الحلية يتساهل في الحلية في رواية أحاديث ضعيفة، ورواه من طرق متعددة ولكن مداره على -كما قلنا- الحارث الأعور وفي الحديث يقول: { هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم } فذكرنا دلالة هذا، يعني: الدلالة على أن القرآن هو الحبل وهو الذكر وهو الصراط. فسره آخرون قالوا: اهدنا الصراط يعني الإسلام، واستدلوا بهذا الحديث وهو حديث أصح يعني حديث صحيح عن النواس بن سمعان رضي الله عنه ورواه الترمذي وغيره ولفظه: { ضرب الله مثلا صراطا مستقيما -يعني طريقا مستقيما- وعلى جنبتي الصراط سوران -سوران يعني سور من هنا وسور من هنا مرتفع هذا السور- فيهما أبواب -باب من هنا وباب من هنا وباب من هنا- مفتحة وعلى الأبواب ستور -ستاير على كل باب ستارة تستره- مرخاة وداع يدعو من فوق الصراط -يعني واقف على الصراط- يقول: أيها الناس ادخلوا الصراط -اسلكوا الصراط- ولا تَعْوَجُّوا. وداع يدعو على رأس الصراط، كلما أراد أحد أن يدخل من تلك الأبواب أو يفتحها يقول ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه ومن ولجه سقط } لأن هذا الصراط هو الذي يوصل إلى الجنة والذين يفتحون ويدخلون من على هذه الستور يكشف الستارة ويفتح هذا الباب يسقط، فإنك إن تفتحه تلجه. يقول فالصراط هو الإسلام، فالصراط هو طريق الإسلام، والسوران هذه الأسوار حدود الله يعني العقوبات التي جعلها على المعاصي زواجر، والأبواب المفتحة المحارم، المحرمات، هذا باب الزنا، وهذا باب الربا، وهذا باب الغناء، محارم الله. والداعي على الصراط كتاب الله؛ دعاه داع ادخلوا الصراط ولا تعوجوا والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب المؤمن، يعني الوعاظ الذين يعظون ويذكرون وهم الذين يقول أحدهم: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، إذا دخلت مع هذه المحرمات. يقول: هذان قولان أن الصراط المستقيم هو القرآن، أو أن الصراط المستقيم هو الإسلام، وكل واحد عليه دليل، فهذان قولان متفقان ليس بينهما تضاد؛ لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، من اتبع القرآن فإنه على الصراط السوي، ولكن كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر. يعني: الذين فسروه بأنه القرآن قالوا: القرآن هو الصراط معلوم أن من اتبعه فإنه على الصراط، والذين قالوا: هو الإسلام معلوم أن الإسلام مأخوذ من القرآن ومن السنة. له صراط يشعر بوصف ثالث يعني يمكن أن يفسر الصراط بأنه السنة والجماعة. قول من قال هو السنة والجماعة يمكن أن يفسر بأنه طريق العبودية، يمكن أن يفسر بأنه طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهل هذه الأقوال متباينة؟ ليست متباينة. الصراط المستقيم يعمها كلها .. فيكون هؤلاء الذين فسروا الصراط بأنه القرآن وبأنه السنة والجماعة وبأنه طريق العبودية وبأنه طاعة الله ورسوله وبأنه النبي صلى الله عليه وسلم ليس بينهم اختلاف، يكون كل منهم أشار إلى ذات واحدة ولكن وصفها كل واحد منهم بصفة من صفاتها، هذا هو الصنف الأول الذي هو نوع من أنواع التفاسير التي فسرها السلف. نقف عند الصنف الثاني، والله أعلم، وصلى الله على محمد . أسئـلة أحسن الله إليكم. يقول السائل: هل هناك فرق بين قواعد التفسير وأصول التفسير ؟ أصول التفسير خاصة بعلوم القرآن، يعني مثل البحث في المكي والمدني والبحث في نزول الوحي، وكيف نزل، كيف ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم والبحث عن القرآن متى كتب؟ ومتى نسخ؟، والبحث عن أئمة المفسرين وعن التفاسير التي فسر بها القرآن، وأيها أحسن؟ فهي علوم كثيرة تتعلق بالقرآن، وأَجْمَعُ من كتب فيها الزركشيُّ صاحب البرهان، مطبوع في أربعة مجلدات وكذلك تلميذه الإمام السيوطي في الإتقان فإنه توسع في ذلك وقبلهم مؤلفات كثيرة. ومن المتأخرين صاحب مناهل العرفان فإنه أيضا توسع في ذلك في مجلدين. أحسن الله إليكم ونفعنا بعلمكم. يقول السائل: ما هي كتب التفسير التي تنصحون طالب العلم بالابتداء بها ؟ ننصح بتفسير ابن جرير وابن أبي حاتم لأنهما يفسران بالمأثور وتفسير ابن كثير وتفسير البغوي وإن كان ابن جرير والبغوي فيه شيء من الإسرائيليات، ومن المتأخرين تفسير ابن سعدي تفسير بالاستنباط، كذلك للشيخ الجزائري أيضا تفسير، هذه تفاسير سليمة. ونحذره من تفاسير المبتدعة من المتقدمين والمتأخرين: من المتقدمين تفسير الماوردي ومعلوم قديما أنه يوصف بالاعتزال، وكذلك الزمخشري وإن كان يتستر باعتزاله، فيدخل الاعتزال في مداخل خفية، حتى قال بعضهم: أخرجت الاعتزال من الكشاف بالمناقيش يعني بأشياء خفية. كذلك تفاسير المتأخرين الذين فسروا بما ظهر لهم تفسيرا فيه أغلاط مثل تفسير طنطاوي وما أشبهها، تفسير ظلال القرآن ففيه استنباطات قوية وفيه أخطاء، فمن قرأ الأخطاء التي كتبها عبد الله بن محمد الدويش رحمه الله عرف تلك الأخطاء حتى يتجنبها ويشير إليها، تفسير روح المعاني أكثر فيه من النقول ولكن فيه بعض الأخطاء والتأويلات وهو الألوسي تفسير الرازي توسع فيه، وهو أشعري يبالغ في نصر مذهب الأشاعرة، ويؤول الصفات التي ينفيها الأشاعرة، وغيرها من التفاسير التي سيمر بنا بعضها إن شاء الله. أحسن الله إليكم. يقول السائل: ما رأيكم في التفاسير العلمية لكتاب الله ؟ وما الضابط الذي نقبل به قول أهل الطب والفلك وغيرهم في استخراج إعجاز القرآن؟ أرى أن هؤلاء المتأخرين الذين حملوا القرآن ما لا يحتمله أنهم مخطئون وأولوه بتأويلات بعيدة عن المراد مثل طنطاوي جوهري هذا حمل القرآن شيئا يبعد أن يحمل عليه، وكذلك سيد قطب أيضا فيه شيء من التكلفات التي لا تؤخذ من ظاهر القرآن، ولكن فيه فوائد، كذلك أيضا تفسير المنار وإن كان ما كمل، ففيه شيء من التمحلات والتكلفات، ولكن لا يعدمها من فائدة. أحسن الله إليكم، ونفعنا بعلمكم، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .