يقول: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية ، ولهذا اشتغل كثير من العلماء بأسباب النزول؛ منهم الواحدي له كتاب مطبوع والسيوطي أيضا له كتاب مطبوع في أسباب النزول وإن كانوا قد يذكرون أسبابا بأسانيد ضعيفة. العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب، إذا عرف سبب نزول الآية فهم المراد منها، لما نزل قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } ما مثال التقديم؟ { لَا تُقَدِّمُوا } نرجع إلى سبب النزول؛ وذلك لأنه لما جاء وفد بني تميم، قال أبو بكر رضي الله عنه أَمِّرْ عليهم الأقرع وقال عمر بل أمر عليهم عيينة فقال أبو بكر ما أردت إلا خلافي فقال عمر ما أردت خلافك، فنزلت الآية { لَا تُقَدِّمُوا } أي لا تتكلموا بشيء بين يدي الرسول وهو أعلم؛ لأنه هو الذي ينزل عليه الوحي، فمعرفة هذا السبب تبين معنى الآية. كذلك أيضا قوله: { إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } وإذا لم تعرف سبب نزولها فإنك تتحير ما مثال الفاسق وما مثال النبأ؟ فإذا نظرت إلى أنها نزلت في الوليد بن عقبة الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليجمع زكاة بني المصطلق فكذب عليه، وقال: إنهم منعوا الزكاة، فهذا يعرف به أو تفهم به معنى الآية. العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب؛ ولهذا كان أصح قولي الفقهاء أنه إذا لم يعرف ما نواه الحالف رُجِعَ إلى سبب يمينه وما هيجها وأثارها، ذكروا ذلك في كتب الفقه في كتاب الأيمان، قالوا: إنه إذا لم يعرف ما نواه؛ ما له نية، رجع إلى سبب اليمين وما هيجها. فضربوا مثلا لو أن إنسانا طالب إنسانا بحقه بدينه فقال: والله لأعطينكه بعد خمسة أيام، ثم أعطاه بعد ثلاثة أيام فهل يحنث؟ لا يحنث؛ لأن سبب اليمين المطالبة، كأنه طالبه بدينه فحلف أن يعطيه فالمراد الإسراع، سبب اليمين أنه يسرع بوفائه. كذلك لو قال مثلا: لو أن إنسانا أخذ يمن عليك ويقول: إني أنا الذي شفعت لك وأنا الذي نفعتك وأنا الذي أعطيتك وأنا وأنا، فحلفت وقلت: والله لا أقبل منك شربة ماء، فإذا قبلت منه أكلة فهل تكون حانثا؟ أنت ما حلفت إلا على شربة ماء ولكن سبب اليمين قطع المنة، كأنك تقول أقطع منتك ولا أريد لك منة ولو بشربة ماء، ومعلوم أنك إذا أكلت عنده طعاما فإن المنة أفضل من شرب الماء، وكذلك إذا قبلت منه كسوة فمنته تكون أعظم من شربة الماء وأمثال ذلك، يرجع إلى سبب اليمين وما هيجها وأثارها. وقولهم: نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارة أنه سبب النزول، إذا قيل: نزلت هذه الآية في مثلا قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } قيل: إنها نزلت في عمر لما أنه تضرر بأنه وطأ امرأته بالليل بعدما نام، فقيل: نزلت فيه، وقيل: إنها نزلت في الرخصة في غشيان النساء ليلا فالمراد بذلك أنها نزلت في الرخصة في ذلك، سواء أنه كان سبب النزول فلانا أو غيره. وكذلك قول الله تعالى: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } فقيل: إنها نزلت في الرخصة في إتيان الزوجة من الخلف؛ في قبلها من الخلف، لما كان الأنصار يمتنعون من ذلك، ويأخذون ذلك عن اليهود فرخص الله بقوله: { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ } يعني الحرث هو محل البذر وهو الأرض { أَنَّى شِئْتُمْ } يعني: كيف شئتم، يراد بهذا أن هذا من جملة ما نزلت فيه الآية لا أنها خاصة به. ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن هو السبب، كما تقول: عُنِيَ بهذه الآية كذا وكذا، إذا قيل مثلا: نزلت من قول الله تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } نزلت في الرخصة في الصدقة بدل الصيام أن هذا داخل في الآية، وقيل: نزلت في الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة اللذين يشق عليهما الصيام أن لهما الفدية. ويقال: هذا أيضا داخل في الآية. |