وهذا الأصل ينبغي أن يعرف فإنه أصل نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي ، يعني: أن يعرف متى يقبل الحديث ومتى يقبل التفسير والمغازي، فيقال: إذا جاءت من طرق متعددة، وما ينقل من أقوال الناس ومن أفعالهم، متى تقبل إذا جاءت من طرق متعددة، وعلم أن أحد الطريقين غير الطريق الآخر، وأن هذا ما أخذ من هذا، ثم يقول: ولهذا إذا روي الحديث الذي يتأتى فيه ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجهين، يعني رواه اثنان من الصحابة أو ثلاثة وروي كل حديث من طرق، مع العلم بأن أحدهما ما أخذه عن الآخر جزم بأنه حق، يحدث هذا كثيرا. فمثلا قصة المرأة التي حبست هرة رواها ثلاثة من الصحابة كل منهم في جهة، فعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم حدث بها يقينا؛ لأن كل واحد من الصحابة ما أخذها عن الآخر. وكذلك قصص كثيرة إذا علم أن نَقَلَتَهُ ليسوا ممن يتعمدون الكذب وإنما يؤخذ على أحدهم النسيان والغلط، فإن من عرف الصحابة كابن مسعود وأبي بن كعب وابن عمر وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم، علم يقينا أن الواحد من هؤلاء لا يتعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعوه يقول: { من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار } فضلا عمن هو فوقهم كالخلفاء الراشدين، كما يعلم الرجل من حال من جربه وخبره خبرة باطنة طويلة أنه ممن لا يسرق أموال الناس، ولا ممن يقطع الطريق ولا ممن يشهد بالزور، أنت إذا صحبت إنسانا وعلمت صدقه وورعه وعرفت ثقته، وعدالته وأمانته، وطلب منك أن تزكيه عند القاضي فإنك تزكيه بطول المعرفة، فتقول: خبرته وصحبته وجاورته وعاملته عدة سنين فأزكيه؛ لأني لا أعلم عليه إلا خيرا، فتشهد بأنه ليس ممن يتعمد الكذب ولا ممن يشهد الزور ولا ممن يسرق أموال الناس، فهذا بالنسبة إلى خبرتك وتجربتك. |