يقول: والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، أخذ ذلك بعضهم من قول الله تعالى في أول سورة النجم: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } فقالوا: كل ما ينطق به فإنه ليس عن هواه، وإنما ينطق بما أوحى الله تعالى عليه. فتكون السنة تنزل كما ينزل القرآن ، قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي عليه؛ أنه أحيانا يلقي الله تعالى في فهمه وفي قلبه ما يلقيه وما يقذف به من الفهم؛ فيكون ذلك من الوحي. تميزت السنة عن القرآن بأنها لا تتلى ، أي لا يتقرب بتلاوتها كما يتقرب بتلاوة القرآن. فإن تلاوة القرآن فيها أجر، وتقرأ في الصلاة، ويشترط في الصلاة قراءة الفاتحة، ويسن قراءة غيرها. فقراءة أحاديث من السنة لا تكفي ولو كانت متواترة، لا يكفي أنه يؤتى بها بدل القرآن؛ فلا يتعبد بتلاوة السنة كما يتعبد بتلاوة القرآن، ولا يحصل إعجاز بتلاوة السنة كما يحصل إعجاز بتلاوة القرآن، الإعجاز الذي قال الله تعالى: { فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ } خاص بالقرآن. فالفرق بين الأحاديث وبين الآيات؛ أن الآيات يتعبد بتلاوتها دون الأحاديث ، وأن الآيات تصح الصلاة بها دون الأحاديث، وأن الآيات يحصل الإعجاز بها دون الأحاديث، ويتحدى بالآيات ولا يتحدى بالأحاديث، وأن الآيات نقلت بالتواتر، وأكثر السنة نقلت بالآحاد. يقول: قد استدل الإمام الشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك، تجدون ذلك في كتاب الرسالة للشافعي وقد شرحها أحمد شاكر شرحا مطولا وعلق عليها، فهي متوفرة؛ ففيها أدلة كثيرة في فقه السنة، وأن السنة يجب العمل بها، وكذلك في كتبه الأخرى. يقول: والغرض أنك تطلب تفسير القرآن من القرآن، فإن لم تجده فمن السنة، ثم استدل بحديث معاذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن { بم تحكم؟ } وفي رواية: { كيف تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد، قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد، قال: أجتهد رأيي. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله } . جود الشيخ إسناد هذا الحديث، يقول: وهذا الحديث في المسانيد والسنن بإسناد جيد، مع أن بعض العلماء طعنوا فيه وضعفوه؛ ولكن أكثرهم يجزمون بصحته، وقد تكلم عليه الحافظ ابن حجر في كتابه التلخيص الحبير، وحكى عن بعض الفقهاء أنهم يجعلونه في الصحيحين؛ مع أنه ليس في الصحيحين، وإنما وجد في بعض كتب السنة، وهذا تصحيح من شيخ الإسلام له بقوله بإسناد جيد، أقره النبي صلى الله عليه وسلم على تقديم القرآن على السنة، وذلك دليل على أن السنة في المرتبة الثانية؛ أن من لم يجد الحكم في القرآن التمسه في السنة، وأنه مثلا لو وجد حديثا مخالفا للقرآن عمل بالقرآن؛ لأن القرآن متواتر، وعرف أن هذا الحديث مخالف، إما أنه منسوخ وإما أنه ضعيف. |