.. قال المصنف رحمه الله: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: { بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فَصَبّحْنَا الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلاً، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله. فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّمَا قَالَهَا خَوْفا مِنَ السّلاَحِ. قَالَ: أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتّى تَعْلَمَ أقالها أم لا، فَمَا زَالَ يُكَرّرُهَا عَلَيّ حَتّى تَمَنّيْتُ أَنّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ } . قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ وأَنَا وَالله لاَ أَقْتُلُ مُسْلِما حَتّى يَقْتُلَهُ ذُو الْبُطَيْنِ يَعْنِي أُسَامَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ يَقُلِ الله تعالى: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } ؟! فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ قَاتَلْنَا حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَأَنْتَ وَأَصْحَابُكَ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتّى تَكُونَ فِتْنَةٌ. السلام عليكم ورحمة الله. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سعد الذي ذكر في هذا هو سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، لما وقعت الفتن بين علي ومن معه، وبين الزبير ومن معه، والتي تسمى فتنة وقعة الجمل؛ اعتزلهم سعد رضي الله عنه. ثم وقعت الفتنة بين أهل العراق وبين أهل الشام بقيادة معاوية أهل الشام يطالبون أن يقتل قتلة عثمان وأهل العراق مع علي يطالبونهم أن يدخلوا في البيعة. طلبوا من سعد أن يدخل في القتال، وأن يقاتل معهم، ويقولون له: إن الله تعالى يقول: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } فاعتزل سعد رضي الله عنه وقال: إناَّ قاتلناهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى لم تكن فتنة؛ أي لم يكن شرك. وأنتم تقاتلون حتى تكون فتنة؛ أي حتى يكون فتنة أي اختلاف وقتال. ثم احتج بهذه القصة وفيها أن أسامة رضي الله عنه كان في سرية بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبيلة يقال لهم الحرقات من جهينة. وفي هذه القصة أن أسامة رضي الله عنه أدرك رجلا منهزما من الحرقات فلما أدركه وأراد أن يقتله نطق ذلك الجهني بقول: لا إله إلا الله. فظن أسامة أنه ما تكلم بها إلا خشية السلاح، لما رأى أنه سوف يقتل، ظن أنه يريد أن يتوقى بها القتل، وأنه لم يكن معتقدا لمعناها؛ فأقدم على قتله، ووقع في نفسه شيء، وقع في قلبه أنه قتله في هذه الحال. ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ولما ذكره أعظم ذلك وأكبره وأنكر عليه. كيف تقتله وقد قال: لا إله إلا الله؟ أقال لا إله إلا الله ثم قتلته؟ اعتذر بقوله: إنما قالها خوف السلاح، إنما قالها ليتقي القتل، إنما قالها متبرئا متحصنا بها؛ أي لم يكن معتقدا بمدلولها. ما كان يريد إلا أن يسلم من القتل. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل ذلك منه بل أنكر عليه أشد الإنكار، وقال له: { هل شققت عن قلبه؟ } حتى تعلم أنه قالها بقلبه أو أنه قالها متعوذا؟ يقول أسامة رضي الله عنه: ما زال يكرر ذلك علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. يعني أن ما عملته من الأعمال حابطة، وأني أسلمت يومئذ واستقبلت إسلاما جديدا. ولا شك أن هذا يبين تحريم قتل من قال: لا إله إلا الله، فإذا كان المشركون يقاتلون لأجل لا إله إلا الله، كالذين يجعلون مع الله آلهة أخرى، ويعبدونها ويسمونها آلهة، ويصرفون لها شيئا من حق الله. فإنهم إذا قالوا: لا إله إلا الله فقد عرف بأنهم أبطلوا إلهية آلهتهم، وأنهم أسلموا، وأنهم وحدوا؛ لأنهم نطقوا بها طوعا واختيارا. ففي هذه الحال يكف عنهم. وأما إذا كانوا يقولونها ولا يعملون بمعناها كالقبوريين الذين يعتقدون أن معناها لا خالق إلا الله، وأنه يجوز أن تصرف العبادة لأصحاب القبور، ويذبح لهم وينذر لهم ويتقرب إليهم، ويصلى عندهم، ويدعون من دون الله؛ فمثل هذا لا تنفعه كلمة لا إله إلا الله ؛لأنه قالها بلسانه ولم يطبقها بأعماله، فيقاتل إلى أن يوحد. والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: { من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله } فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له؛ حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله. فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه بهذه المقالة. فعرف بذلك أن هذه القصة من أسامة فيمن يقاتلون لأجل لا إله إلا الله؛ يعني أنهم إذا قالوها أقروا بما فيها وعملوا بها أصلا. فأما الذين لا يعملون بما فيها فإنهم يقاتلون إلى أن يوحدوا الله. |