..آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى من كتاب الإيمان: بَاب مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالزَّرْعِ، وَمَثَلُ المنافق والْكَافِرِ كالْأَرْزة. عن كعبٍ بن مالك رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنْ الزَّرْعِ تُفِيئُهَا الرِّيحُ تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى حَتَّى تَهِيجَ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ عَلَى أَصْلِهَا لَا يُفِيئُهَا شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً } وفي رواية: { وَتَعْدِلُهَا مرة حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ الَّتِي لَا يُصِيبُهَا شَيْءٌ } . بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ضرب الأمثلة للمؤمنين؛ فإن ضرب الأمثلة يقرب الكلام ويصوره حتى كأنه رأي عين. المراد بهذين المثلين المصائب التي تصيب المؤمن، ولا تصيب الكافر –غالبا- ذكر أن المؤمن مثله كمثل الزرعة؛ أي الزرع الذي هو زرع البر ونحوه. نشاهد أن الزرع تأتيه الرياح من الشمال فينجعف إلى الجنوب، وتأتيه من الجنوب فينجعف إلى الشمال، وتأتيه من الغرب فتجعفه شرقا، وكذلك عكسه، فالزرعة دائما للينها .. وتميل تميلها الرياح شمالا وجنوبا وشرقا وغربا؛ أي أن المؤمن تأتيه المصائب في كل حين، فيصاب في ماله، ويصاب في أهله، ويصاب في طريقه، ويصاب في بدنه، ويصاب بمرض وعاهة وما أشبه ذلك. ولا شك أن هذه المصائب فيها حكمة أو حكم، فمن ذلك: اختبار إيمانه، واختبار قوة يقينه، فإذا علم بأن المصيبة من الله تعالى صبر واحتسب، وعلم بأن هذا اختبار فقوي بذلك إيمانه، كما ذكر الله تعالى ذلك عن المؤمنين في قوله: { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } . وإذا كان في إيمانه ضعف فإنه لا يصبر على المصائب بل يشتكي ويتضجر، وكأنه يشكو الله تعالى، وكأنه .. من أمر الله تعالى، ولا يتحقق أن هذا اختبار وامتحان من الله تعالى؛ ولذلك يقول بعضهم: وإذا أتتـك مصيبـة فـاصبر لها صـبر الكريم فإنه بـك أرحـم وإذا شـكوت إلـى ابـن آدم إنما تشكـو الرحيم إلى الذي لا يرحم فهذه من الحكم أن الله تعالى يختبر بها العبد هل يصبر أم لا يصبر؟ هل يقوى إيمانه على التحمل أم لا يقوى إيمانه بل يجزع؟ فإذا جزع عرف بذلك أن إيمانه ضعيف، قال الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ } ؛ أي إذا أصابه أذى فإنه يخاف من الناس كما يخاف من الله، فلا شك أن هذا دليل على ضعف الإيمان. كذلك قال الله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } ؛ أي يعبد الله وإيمانه ضعيف، فإذا أصابه غنى، وسعة رزق، وصحة في بدنه، وزيادة في ماله، وزيادة وصحة في أهله؛ مدح الإسلام، وقال: هذا دين طيب، وهذا دين صالح، منذ أن دخلناه ونحن في خير، وفي سعة منذ أن تدينا، ومنذ استقمنا، ومنذ التزمنا، والله موسع علينا؛ فيتمدحه. أما إذا أصابته فتنة أصابه فقر أو أذى أو مرض أو موت قريب، أو عاهات أو حوادث؛ فإنه يسب الالتزام، ويسب العبادة، ويسب الصلاة، ويسب الإسلام وأهله والقرآن والذكر ونحوه، ويقول: منذ التزمت ومنذ تدينت والمصائب مسلطة علي، وأنا في عاهات وفي مصائب، فهذا الإسلام ما أتانا بخير. نعوذ بالله، هذه حكمة. والحكمة الثانية: أن هذه المصائب التي تصيب المؤمن ليرفعه الله تعالى بها درجات؛ يجزل مثوبته، ويكثر أجره ويضاعف حسناته، إذا صبر واحتسب؛ ولذلك تسلط المصائب على الأنبياء، وعلى أتباع الأنبياء، وعلى أهل الإيمان، وعلى أهل التقى، فمنهم من يقتل، ومنهم من يسجن، ومنهم من يؤذى، وكذلك أيضا يمرضون، ويموت أقاربهم، ويفتقرون ويجوعون ويصيبهم العري، ويصيبهم التعب والنصب، ولكن ذلك لرفع درجاتهم ولإجزال مثوبتهم. ورد أن رجلا قال: يا رسول الله إني أحبك، فقال: { إن كنت صادقا فأعد للبلاء ..؛ فإن البلاء أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منحدره } ؛ يعني إذا كنت صادقا في أنك تحبني فاستعد للبلاء، واستعد للمحن واستعد للأمراض، واستعد للأذى، واصبر على ما يصيبك؛ فإن الأذى والأمراض والعاهات والفقر والتعب والنصب والإيذاء الله في ذات الله يسلطه الله على من يحبني إما اختبارا، وإما لرفع الدرجات. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه، وإلا خفف عنه } الصلابة؛ يعني القوة إذا ابتلاه الله فصبر كان ذلك أعظم لأجره، أشد الناس بلاء أهل الخير. ورد أيضا أن أحدهم يبتلى بأفضل أنواع الابتلاء فيصبر، فيكون ذلك أرفع لقدره، كذلك أيضا ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: { إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة } عجل له العقوبة في الدنيا؛ أي ما يصيبه من الأذى، وما يصيبه من الضرر ومن السب، ومن السخرية ومن الأمراض والعاهات، والفقر والعاهة، وما يصيبه الناس به من ضرب أو سخرية أو قتل أو سجن أو جلد أو نحو ذلك؛ فإن الله يكفر به من سيئاته عليه. فهذا هو ما ضربه النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يبتلى، ولكن عليه أن يصبر، وفي الحديث: { إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه } وفي حديث آخر: { إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُم، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ } . أما الكفار فيُمَتَّعون؛ يبقى أحدهم كالنخلة لا يصيبها شيء حتى تنجعف مرة واحدة، هكذا مثَّله بشجرة لا .. الرياح؛ وذلك لأن الله يعجل لهم طيباتهم، قال الله تعالى: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } ؛ أي طيباتكم يعني حسناتكم تمتعتم بها في الدنيا، فلم يبقى لكم حسنة في الآخرة تجازون بها. |