قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب: أكبر الكبائر الإشراك بالله. عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنهما قال: { كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور- أو وقول الزور- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت } . وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { اجتنبوا السبع الموبقات. قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات } . لا شك أن الذنوب فيها كبائر وصغائر، فالصغائر هي المقدمات؛ النظرة مثلا والخطرة، والقليل من السرقة دون النصاب وما أشبه ذلك، وأما الكبائر فهي الذنوب التي ورد الوعيد عليها بعذاب أو بغضب أو بلعنة أو بالنار أو بأنها من الموبقات أو بأنها من الكبائر. قال الله تعالى: { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ } فاللمم هو: المقدمات. ورد أن أبا هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: { العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن زناها السمع، واليد زناها البطش، والرجل زناها المشي، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه } فجعل هذه تزني، ولكن لا يترتب على زنا العين ما يترتب على زنا الفرج. ثم أخبر الله تعالى بأن من اجتنب الكبائر غفر الله له الصغائر: { إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } وقد اختلف في الكبائر، وورد فيها أحاديث تدل على جنسها، ومنها هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ } يعني: بأعظمها { قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، وقول الزور -وكان أولا متكئا ثم استوى جالسا وأخذ يكرر- ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور } حتى تمنوا أنه يسكت. الإشراك لا شك أنه أكبر الكبائر؛ لأنه يحبط الأعمال. قال تعالى: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } وقال: { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } والشرك هو أن يُدعى مع الله غيره، أو يرجى معه غيره، أو تصرف عبادة لغير الله كالرجاء، والخوف، والتوكل، والاعتماد، والاستعانة، والاستغاثة، والدعاء بجميع أنواعه، فمن صرف شيئا من أنواع العبادة للمخلوق فقد أشرك؛ دخل في هذا الشرك، والله تعالى لا يغفره { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } ووسائله كثيرة. وعقوق الوالدين عصيانهما ومعاملتهما بقسوة لأن الوالدين لهما حق كبير على ولدهما؛ لإحسانهما إليه، فالعقوق هو العصيان والمعاملة القاسية، جعله من الكبائر، ورد فيه أيضا وعيد شديد مثل قوله صلى الله عليه وسلم: { يُغفر ليلة القدر إلا لأربعة: مدمن خمر، وقاطع رحم، وعاق، ومشاحن } هذه من كبائر الذنوب. شهادة الزور هي أن يشهد شهادة كذب على شيء لم يشهده؛ سيما إذا ترتب على شهادته ظلم، يشهد عند القاضي وهو كاذب أن فلانا به كذا، أو أن هذا قاتل، أو أن هذا جاحد عارية أو ما أشبه ذلك؛ فيحكم بشهادته فيكون ظالما؛ هذه شهادة الزور، كذلك إذا شهد على هذه المرأة أنها زوجة لفلان وهو كاذب، أو شهد أنها راضية بزواجه وهو كاذب أو ما أشبه ذلك. وقول الزور هو الكذب، قال تعالى: { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } أي: الكذب الذي يترتب عليه مفاسد فهو من أكبر الكبائر. كذلك السبع الموبقات؛ يعني: التي توبق وتهلك من وقع فيها إلا أن يتوب منها، أو يتجاوز الله تعالى عنه، أو يأتي بما يكفرها. الشرك بالله يوجب دخول النار والحرمان من الجنة، قال تعالى: { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } وعيد شديد على من أشرك، ويعم ذلك الشرك الأكبر والأصغر، إلا أن الأصغر قد يخرج صاحبه بشفاعة الشافعين من النار بعد أن يمحص عنه. السحر من كبائر الذنوب، ومن السبع الموبقات؛ وذلك لأن الساحر مشرك؛ لأنه يعبد الشيطان، يتقرب إلى الشيطان حتى يساعده فيتلبس بإنسان مثلا ويسرق إنسانا ويقلب هذا الإنسان حيوانا أو يصرفه عن أهله، أو يفرق بين المرء وزوجه. كيف يفعل ذلك؟ بدعاء الشيطان وبعبادة الشياطين؛ شياطين الجن، فهو مشرك. قتل النفس يعني: بغير حق، إذا قتل مسلما بغير حق فذنبه كبير، قال تعالى: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } وقد اختُلف هل للقاتل توبة؟ والصحيح أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق: حق الله تعالى يسقط بالتوبة النصوح، وحق أولياء القتيل يسقط بدفع الدية أو بالقصاص، ويبقى حق القتيل المقتول فإنه لا بد من أخذه في الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: { أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء } ومن جملتها القتل، فهذا القاتل إذا صدق التوبة وسلَّم نفسه وصدق فيما بينه وبين ربه فقد يغفره الله ويتحمل للقتيل أجره. أكل الربا هو الرابع من هذه السبع، الربا الذي هو المراباة في الأموال، وأشدها مضاعفة الدين على المدين؛ كلما حل الدين زاد فيه إلى أن يتضاعف، وأمثلة الربا كثيرة، توعد الله عليه بقوله تعالى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أي: من تهاون بالربا وأكله ولم ينته توعده الله تعالى بهذا العذاب إذا لم يتب. الخامس: أكل مال اليتيم: اليتيم ضعيف ليس عنده قدرة على تخليص حقه؛ ولذلك يقول بعضهم: واحتـل علـى مـال اليتيـم فإنـه رزق هنـيء مـن ضعيـف الحال لا صوتـه يخشـى ولا من سيفـه والقـول قـولك فـي ذهـاب المال فإذا كان ولي اليتيم غير محسن جحد مال اليتيم، وأكله، وأفسده فإن إثمه عظيم، قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } وعيد شديد، إلا إذا رده وتاب إلى الله تعالى. كذلك التولي يوم الزحف؛ يعني عندما يتقابل الصفان من المؤمنين والكفار في القتال؛ فالذي يذهب ويتولى ويحدث خللا في صفوف المؤمنين، ويسبب انتصار الكفار عليهم ذنبه كبير قال الله تعالى: { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ } توعده الله على هذا التولي بنار جهنم. السابع: قذف المحصنات المؤمنات الغافلات. قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الغَافِلاتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ } فتوعد الله على ذلك بهذا الوعيد، والمراد بالمحصنات المؤمنات: العفيفات اللاتي أحصن أنفسهن ولم يكن فيهن تهمة للزنا فيرميهن إنسان، وكذلك رمي المؤمنين؛ المؤمنين من الرجال الذي يرميهم يدخل أيضا في هذا الوعيد إذا قذفهم بالزنا قد جعل الله تعالى فيه عقوبة؛ عقوبة الذي يقذف المحصنات أو يقذف المحصنين عقوبتهم ثلاثة أشياء: { فَاجْلِدُوَهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا } فيجلد ثمانين جلدة على قذفه، وكذلك ترد شهادته، ويحكم بفسقه إلا إذا تاب. الأسئـلة س: والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد . بسم الله الرحمن الرحيم يقول السائل: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: { لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده } هل يجوز لعن صاحب الكبيرة المعين ؟ لا يجوز لعن إنسان معين فلا يقال: لعنك الله يا فلان؛ أنت سارق أو أنت ملعون، ولكن من حيث العموم يقال: لعن الله السارقين، لعن الله الزناة، لعن الله الخائنين من حيث العموم، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم لعن على كثير من المعاصي فقوله: { لعن الله آكل الربا وموكله } هذا لعن عام، وكذلك قوله: { لعن الله الراشي والمرتشي } هذا لعن على صفة عامة، { لعن الله المحلل والمحلل له } يعني: الذي يتزوج امرأة ليحلها بعد أن يطلقها زوجها، فهذا لعن على صفة فأما أن يقال: يا فلان أنت ملعون فلا يجوز. س: يقول السائل: هل يجوز زيارة المساجد السبعة وهل كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؟ ليست في عهده إنما بنيت في عهد الترك؛ يمكن في القرن العاشر أو القرن الحادي عشر، تخيلوا وقالوا إن المسلمين في الخندق لا بد لهم من مساجد يصلون فيها وهم في داخل الخندق فلا بد أن نجعل مساجد ونسميها بأسماء أهل الخندق، فبنوا هذه المساجد وجعلوها سبعة، وادعوا أنها هي التي يصلي فيها المسلمون لما كانوا محصورين في الخندق وهذا لا أصل له بل الصحيح أنهم كانوا يصلون جميعا. تلك المساجد متجاورة، ثم بعضها صغير فكيف يتفرقون، أو كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عنه لما شغلهم المشركون عن أربع صلوات. يقول: { فقمنا إلى بطحان -يعني واد فيها بطحان - فصلى بنا الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء في وقت واحد } لما شغله المشركون عن الصلاة في وقتها؛ فدل على أنهم يصلون جميعا، ولم يعين المكان الذي كانوا يصلون فيه. س: يقول السائل: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: { الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة } فهل يعني أن النبوة جُزئت كما كانت الرؤيا في الماضي؟ الحديث صحيح ولكن اختلف العلماء في تفسيره، وكذلك أيضا أكثروا في ذكر أنواع النبوات، والصحيح أن الرؤيا تكون من المبشرات ولكن لا بد أن يكون الرائي من أهل الصلاح ومن أهل التقى؛ الذي رأى هذه الرؤيا ولا بد أن تكون عليها آثار الصدق. فإن الذي يكذب في رؤياه يعد كذبه من الكبائر، وكذلك أيضا قد ورد في تفسير قوله: { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أن البشرى هي الرؤيا الصادقة، وفي الحديث: { لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصادقة } . س: هل يجوز للمرأة أن تصلي في بيتها وعليها ملابس خفيفة؟ وهل ..من الشرع تغطية قدمها؟ لا يجوز ولو لم يكن عندها أحد؛ لا تصلي إلا في ثياب ساترة تستر جميع بدنها إلا الوجه؛ تستر قدميها وكفيها وجميع بدنها. ففي حديث أم سلمة رضي الله عنها { قالت: يا رسول الله هل تصلي المرأة في الدرع الواحد؟ -أي: نفس الثوب- فقال: نعم إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها } أما إذا كان شفافا؛ يعني رقيقا يصف البشرة فلا تجوز الصلاة فيه لا للرجل ولا للمرأة إذا كان يَظهر شيء من لون البشرة. س: يقول السائل: لدي جار متزوج ولا يذهب إلى المسجد ولا يصلي الصلاة .. وحاولت معه بشتى الطرق ولكنه .. نصحي .. أريد منكم .. الطريق الصحيح ..؟ عليك أن تكرر النصيحة ولو بالهاتف، ثم عليك أيضا أن ترسل إليه من ينصحه من سائر الجيران ومن أهل الخير ومن إمام المسجد ومؤذن المسجد الذي حوله، ومن أصحابه ورفقائه يكررون عليه النصيحة، ويكررون عليه الموعظة سواء مقابلة أو مكاتبة أو مهاتفة لعل الله أن يهديه، ثم إذا أصر على هذا الامتناع واستمر عليه، ولم يتأثر ولم يقبل فلا بد من الرفع بأمره؛ يرفع أمره إلى أهل الحسبة إلى الهيئة وعندهم صلاحية أن يخبروه لأول مرة ويأخذوا عليه التعهد، ثم بعد ذلك إذا أخبروه، واستمر على فعله عندهم صلاحية أن يحبس وأن يجلد بما يرتدع به، وهكذا يجب أن نتعاون مع جيراننا ومع المتهاونين بالصلاة، والله أعلم وصلى الله على محمد . |