الأمر بالشيء نهي عن ضده

يقول: الأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده، وإذا ذُكِرَ الضد فإن ذلك يكون للتأكيد، فإذا قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } فهذا نهي عن الشرك، أي: أَخْلِصُوا له الْعِبَادَة. وكذلك إذا قال: { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ } { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } كأنه قال: لا تزعموا.. ولا تعبدوا غيره. فالنهي في قوله: { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } نهي عن ضده، مع أنه اقتصر على قوله: { اعْبُدُوا رَبَّكُمْ } وكفى، أي: أخلصوا له العبادة؛ ولكن جاء في قوله: { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا } للتأكيد. ومنه قول الله تعالى في آية الحقوق العشرة: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } فأمر بعبادة الله، ثم بعد ذلك نهى عن الشرك، مع الاكتفاء، لو قال: اعبدوا الله، لكان معناه: اعبدوه وحده، ولكن أكد ذلك بقوله: { وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } ليدل على أنه يستدعي النهي عن ضده. كذلك قول الله تعالى: { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } ما ذكر هنا التوحيد، نهى عن الشرك، فالنهي عن الشرك أمر بالتوحيد. وكذلك النهي مثلا عن الزنا أمر بالتعفف، أمر بالعفاف. والأمر مثلا بالنكاح نهي عن السفاح، إذا أمر الله بالنكاح في قوله: { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ } و { مَا طَابَ لَكُم } وكذلك النهي عن القتل أمر بالإحياء، يعني: { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ } يعني: كأنه قال: اتركوا المسلمين، ولا تقتلوهم ولا تقاتلوهم فإن الله حرم عليكم قتالهم. فالنهي عن الشيء أمر بضده، يعني: النهي عن الشرك أمر بالإخلاص، والأمر بالإخلاص نهي عن الشرك.