أهم التأويلات التي قيلت في تحديد ليلة القدر

أما تعيينها فقد اختلف فيها اختلافا كثيرا، ولعلكم قرأتم ما ذكره فيها صاحب "فتح الباري"؛ حيث أوصل الأقوال فيها إلى أربعين قولا، وكلها تحليلية؛ فمنهم من قال: هي ليلة إحدى وعشرين، واستدل بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { إني رأيتني في صبيحتها أسجد في ماء وطين } قال أبو سعيد راوي الحديث: فمُطرت السماء فوق المسجد فانصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- من صلاة الفجر وعلى جبهته أثر الماء والطين؛ فرجح الإمام الشافعي ليلة إحدى وعشرين لهذا الحديث. ومنهم من قال: هي ليلة ثلاث وعشرين، واستدل بأنه -عليه السلام- صلى حتى بقي السبع الأواخر مرة، ثم قال: { كم مضى من الشهر؟ قالوا: مضى ثنتان وعشرون، وبقي ثمان، فقال: بل مضى ثنتان وعشرون، وبقي سبع، فإن الشهر لا يتم، اطلبوها الليلة } ؛ يعني ليلة ثلاث وعشرين. ومنهم من رجح ليلة أربع وعشرين؛ وذلك لأنها أولى السبع الأواخر، واستدل بأنه -صلى الله عليه وسلم- لما رأى كثيرا من أصحابه هي ليلة القدر في السبع الأواخر؛ قال: { أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر؛ -فتحروها أو- فمن كان متحريها فليتحرَّها في السبع الأواخر } والسبع الأواخر أولها ليلة أربع وعشرين إذا كان الشهر تامًّا. ومنهم من قال: إنها تطلب في ليالي الوتر من العشر كلها؛ وذلك لأنه -عليه الصلاة والسلام- قال: { التمسوها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان } والوتر هي الليالي الفردية. فإذا قلنا: إنها بالنسبة إلى ما مضى، فليالي الوتر هي ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين؛ هذه أوتار بالنسبة إلى ما مضى، وإذا قلنا: إنها نسبة إلى ما بقي، فهي الليلة الأخيرة التي ما بعدها إلا يعني: ليلة واحدة وليلة ثمان وعشرين، وليلة ست وعشرين وليلة أربع وعشرين، وليلة ثنتين وعشرين؛ وعلى هذا تكون ليالي العشر كلها محلا للطلب والالتماس.