قد سمعتم قول عائشة -رضي الله عنها- { يا رسول الله: إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني } العفو معناه التجاوز عن الخطايا؛ معناه طلب ستر الذنوب ومحوها وإزالة آثارها، وذلك دليل على أن الإنسان مهما عمل، ومهما أكثر من الحسنات فإنه محل للتقصير فيطلب العفو، ويقول: يا رب اعفُ عني، يا رب أسألك العفو. وقد تكاثرت الأدعية في سؤال العفو؛ فمن ذلك: جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قوله: { اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة } وكان بعض السلف يدعو، فيقول: اللهم ارض عنا، فإن لم ترض عنا فاعف عنا، ويقول بعضهم: يــا رب عبـدك قـد أتــاك وقــد أســـاء وقـد هفـا رب اعــف عنــه وعافـه فلأنـت أولـى مــن عفــا فهذا ونحوه دليل على أن الإنسان مهما عمل فغاية أمنيته العفو؛ التجاوز الصفح عن الذنوب والخطايا، وسترها وإزالة آثارها. تقرءون قول الله تعالى في سورة الذاريات: { كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قد تتعجب من ماذا يستغفرون؟ من أي شيء يستغفرون؟ يستغفرون من قيام الليل؛ هل قيام الليل ذنب؟! يستغفرون من صلاة وقت التهجد؛ هل التهجد ذنب؟! من أي شيء يستغفرون؟! نقول: لا؛ عمروا ليلهم بالصلاة، ثم ختموه بالاستغفار كأنهم مذنبون؛ كأنهم باتوا ليلهم كله في ذنوب، فهذا حالة الخائفين؛ أنهم يستغفرون الله من تقصيرهم، ويقول بعضهم: أستغفر الله من صلاتي، وأستغفر الله من صيامي ومن إيماني، ومن صلاتي. صوم يرى كله خروق، ما صنعت غير معصياتي؛ فيستغفر أحدهم من الأعمال الصالحة؛ حيث إنها لا بد فيها من خلل، ولذلك يندب ختم الأعمال كلها بالاستغفار بالأخص في مثل هذه الليالي. لقد سمعتم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث سلمان { فأكثروا فيه من أربع خصال؛ خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما. أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فلا إله إلا الله والاستغفار، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة، وتستعيذون به من النار } . فهذا ونحوه دليل على أنك متى وفقت لعمل فغاية أمنيتك العفو، وتختم عملك بالاستغفار. إذا قمت ليلا كاملا تستغفر بالأسحار؛ كما مدح الله المؤمنين بقوله: { وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . وكذلك إذا وفقت لقيام مثل هذه الليالي فاطلب العفو؛ اطلب من ربك أن يعفو عنك فإنه -تعالى- عفو يحب العفو، والْعَفُوُّ من أسماء الله -تعالى- والْعَفْوُ من خصاله، أو من صفاته الذي هو الصفح والتجاوز عن الخطايا، وعن المخطئين. |